«منفوحة» تحيي ذكرى شاعرها الأعشى بعد 15 قرنًا من رحيله

وزارة الثقافة السعودية تحتفي بصنّاجة العرب

«منفوحة» تحيي ذكرى شاعرها الأعشى بعد 15 قرنًا من رحيله
TT

«منفوحة» تحيي ذكرى شاعرها الأعشى بعد 15 قرنًا من رحيله

«منفوحة» تحيي ذكرى شاعرها الأعشى بعد 15 قرنًا من رحيله

أعاد السعوديون الشاعر ميمون بن قيس الملقب بـ«الأعشى»، وأحد فحول الشعراء في العصر الجاهلي إلى الواجهة، بعد رحيله قبل 15 قرناً، ونجحت وزارة الثقافة السعودية في تقديم الشاعر الذي كان شخصية صاخبة ضاجة في ديوان الشعر الجاهلي، وسجل اسمه كأبرز الشعراء في عصره الذين رفعوا صرح الشعر الجاهلي وخطوا بهذا الشعر خطوات كثيرة من حيث الصياغة وفنون البلاغة والتشبيه التصويري.
وضمن مشروع إحياء التراث العربي ومنها الشعر الذي يعد ديوان العرب، وفي إطار رؤية السعودية 2030، انطلقت أول من أمس الخميس احتفائية غير مسبوقة تناولت حياة الشاعر أيقونة الشعر العربي، وأحد أصحاب المعلقات، وأمير الشعراء في عصره، الذي ولد وعاش وتوفي في قرية منفوحة، والتي أصبحت قريته اليوم أحد أحياء الرياض، وتضمنت الفعاليات التي تستمر حتى الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل في حي منفوحة أنشطة تناولت قصة حياة الشاعر الأعشى وتاريخ قريته منفوحة وأشعاره، بالإضافة إلى متحف ومسرح تفاعلي، كما ترصد الفعالية رحلات الشاعر في مختلف الدول التي زارها الشاعر الكبير الذي يعد أحد ألمع الوجوه في سوق عكاظ السنوية، كما تحتوي الفعالية على متحف للحرف تحاكي الحرف المستخدمة في الفترة التي عاشها الأعشى، كما تضمنت الفعاليات أمسيات شعرية وموسيقية حرص منظمو الاحتفائية على إقامتها في القرية التي ولد وعاش وبدأ الشاعر الكبير منها ليبدأ رحلته الطويلة في البلاد، حيث زار اليمن ونجران وعدن والحجاز والبحرين والعراق وبلاد فارس والشام ورحل إلى الحبشة وتاخم الروم واتصل بملوك وعظماء الممالك في عصره، وكان الجميع يتسابقون لكسب مرضاته وتكريمه بالمال.
احتضنت منفوحة الشاعر وفتقت نخيلها وزروعها ووديانها الخصيبة ومناخها العليل قريحته، وجعلته واحداً من ألمع الوجوه في سوق عكاظ التاريخية، لكن القرية بعد أن زحفت نحوها المباني، وتحولت مع مرور الزمن إلى حي للعمالة والمستودعات، اندثرت آثارها، ومنها آثار الشاعر، كقصره القديم في درنا، الذي هدم وبنيت فوقه مبانٍ سكنية؛ بالإضافة إلى بئر الحضرمية التي كانت مربطاً لناقة الأعشى التي جال بها الممالك والأمصار، ومدح ملوكها ونال عطاياهم، قبل أكثر من 14 قرناً؛ وبئر الارتواء التي كان يرتوي منها بصحبة ندمائه.
عاش الأعشى بين وديان «منفوحة» الخصبة وأجوائها لطيفة المناخ التي اشتهرت بزروعها ونخيلها. وعندما شب، بدأ سياحته الطويلة في الأرض، بما يمكن وصفه بـ«سندباد العصر الجاهلي»، وكان سلاحه لسانه الذي أخاف الملوك والسادة والعظماء، وجعلهم يتسابقون لكسب رضاه تجنباً لهجائه لهم. لكن الشاعر كان أقرب إلى المديح منه إلى الهجاء، بل جعل مديحه سبيلاً حتى إلى تزويج البنات بالتشبيب بهن. وارتحل الأعشى في سبيل بلوغ هذا الهدف إلى كل الأمم المتحضرة في وقته، إذ زار اليمن ونجران وعدن، وعرج على الحجاز، وانتقل إلى المشرق والبحرين والعراق، ووصل إلى بلاد الفرس، وزار الشام، وتاخم الروم، كما كانت الحبشة وحضارتها محطة لشاعر منفوحة الذي أصبح في وقته من ألمع الشعراء، وشخصية صاخبة ضاجة في ديوان الشعر العربي.
ومن المعروف أن الشاعر قد لقب بالأعشى لضعف في بصره، وقد حدث ذلك في شبابه. وأشار إلى ذلك في قصيدته الشهيرة في محبوبته هريرة التي قال فيها:
ودعْ هريرة إن الركـبَ مرتحلُ
وهلْ تطيقُ وداعاً أيها الرجل؟
غَراءُ فَرْعَاءُ مَصْقولٌ عَـوارضها
تَمشِي الهُوَينى كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأن مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
مر السحابة لا ريثٌ ولا عجلُ
ويعد الأعشى أول شاعر نهج أسلوب التكسب بالشعر، وكان دافعه الحصول على المال حتى يغطي به نفقات مجونه مع رفاق الليل، وهذا الأسلوب لم يمنعه من أن يكون شاعراً استطاع أن يخطو بالشعر الجاهلي خطوات كثيرة، من حيث الصياغة وفنون البلاغة والتشبيه التصويري، وإدخال ما يشبه القصة والحوار، وتفننه في أوصاف المرأة، ومعاقرة الخمر في مجالسها المختلفة، ومع توابعها من المغنين والعازفين.
وكان الأعشى رحالة بين أطراف الجزيرة العربية، جوالة بين ملوك الغساسنة والمناذرة واليمن والحبشة، واختلط بالفرس والروم والأحباش، وغيرهم من الشعوب المتاخمة للأرض العربية. ولقد وفرت له هذه الرحلات الاحتكاك بأجواء نصرانية والحضارات شبه الوثنية المتقدمة. ورغم ذلك، لم تبدُ لديه أي نزعة عقائدية تنعكس على تأملات معينة في الحياة والإنسان، ولعل السبب أن الشاعر كان مشغولاً عما وراء ذلك بالتمتع بظواهر الحياة الحسية المباشرة ببساطة وتلقائية غريبة.
اشتهر الأعشى بمديحه الذي كان سبيلاً حتى لتزويج البنات بالتشبيب بهن، ومنها قصته الشهيرة عندما كان الشاعر متوجهاً كعادته السنوية إلى سوق عكاظ، فإذا رجل يلقاه ويأخذ الخطام، فقال الأعشى: من هذا الذي غلبنا على خطامنا؟ قال: المحلق. قال الأعشى: شريف كريم. ثم سلم إليه، فأناخه، ونحر له ناقته، وكشط له عن سنامها وكبدها، ثم سقاه. وأحاطت به بناته يغمزنه ويمسحنه، فقال الأعشى: ما هذه الجواري حولي؟ قال المحلق: بنات أخيك، وهن ثمانٍ شريدتهم قليلة. وخرج الأعشى من عنده ولم يقل فيه شيئاً، فلما وافى سوق عكاظ إذا به بسرحة قد اجتمع الناس عليها، فأخذ ينشدهم:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة
إلى ضوء نار في يفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها
وبات على النار الندى والمحلق
يداك يدا صدق فكف مفيدة
وأخرى إذا ما ظن بالزاد تنفق
قدم الشاعر الأعشى للحجاز لمقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن صناديد قريش الذين عارضوا النبوة، وكانوا في هدنة مع محمد، وقفوا له في الطريق، وحاولوا إثناءه عن مقابلته، لقناعتهم بأن إعلان إسلامه سيجعل أكثر العرب يعلنون إسلامهم، وأغروه بالمال، وطلبوا منه العودة إلى منفوحة لأنهم كانوا في هدنة مع محمد، كما أنهم قالوا إن محمداً يحرم الخمر، وكانت لدى الشاعر صبابة تكفيه لمدة عام في مخمرته (مهراس). وعند عودته إلى منفوحة، ووصوله إلى مشارفها، سقط من فوق الناقة، ودق عنقه، فمات ولم يحظ بإعلان إسلامه، مع أن النية كانت موجودة لديه. وقد نظم الشاعر قصيدة طويلة في مدح الرسول، منها:
ألا أيهذا السائلي: أين يممت
فإن لها في أهل يثرب موعدا
نبي يرى ما لا ترون وذكره
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تُغب ونائل
وليس عطاءُ اليوم مانعه غدا
أجِدَكَ لم تسمع وصاة محمد
نبي الإله حين أوصى وأشهدا



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».