غادرت قصر «فيرساي» في اتجاه باريس شاحنة مهيبة محاطة بحراسة استثنائية تحمل في داخلها ساعة دقاقة مذهبة كانت الأثيرة لدى الملك لويس الخامس عشر. إنها التحفة التي تبلغ من العمر 267 عاماً ويعتبرها الخبراء فخر الصناعة الفرنسية وواحدة من أثمن مقتنيات القصر التاريخي الواقع إلى الغرب من العاصمة.
بعد رحلة لم تزد على نصف ساعة، حطت الشحنة في المركز الوطني للأبحاث والصيانة، وهو ورشة متخصصة في ترميم مقتنيات المتاحف الفرنسية. وجاء في بيان للمركز الذي يتخذ من أحد مستودعات «اللوفر» مقراً له، أن حرفيين أكفاء سيعكفون على تفكيك كافة أجزاء الساعة (البندول) وتنظيفها وتصليح ما هو معطوب فيها. ومن المتوقع أن تستمر العملية سنة كاملة، على أمل منح الساعة عمراً جديداً.
اخترع هذه الساعة الفلكية ذات الرقاص المتحرك عالم الرياضيات كلود سيمون باسمان. وتولى تنفيذها الساعاتي لويس داتيو. واستغرق العمل فيها 36 عاماً ما بين ضبط الحسابات وتنظيم التروس. وهي قد خضعت للتقييم طوال عامين من أعضاء الأكاديمية الملكية للعلوم الذين أعلنوا، في نهاية المراقبة، أن الساعة دقيقة بنسبة عشرة أعشار. أما الملك لويس الخامس عشر فقد تسلمها أوائل عام 1754 ووضعت على قاعدة من الرخام الأبيض في جناحه الخاص. ومنذ ذلك الوقت سميت الغرفة التي تضمها باسم «حجرة الساعة». وقد اعتاد الملك في نهاية كل عام أن يجمع وزراءه وحاشيته في جناحه لكي يودعوا السنة المنصرمة ويستقبلوا السنة الجديدة على دقات تلك الساعة.
أكد صانعو الساعة أنها مبرمجة لمواصلة العمل حتى الثانية الأخيرة من القرن مائة. وبهذا فقد جرى اعتبارها من السمات المهمة لعهد لويس الخامس عشر ورمزاً للعبقرية الفرنسية. وهي لا تدل على الوقت فحسب بل تؤشر أيضاً التاريخ واليوم والشهر والسنة، آخذة في الاعتبار السنوات الكبيسة. كما أنها مزودة ببلورة كروية تمثل التحولات الفلكية، تظهر في عمقها ووسط سماء مرسومة مرصعة بالنجوم المراحل التسع والعشرون للقمر. أما في مواعيد الكسوف فإن غلالة فضية تغاف البلورة لتشير لنوع الكسوف وهل هي كلي أم جزئي. ومنذ ذلك الوقت من منتصف القرن الثامن عشر لم يتغير موضع الساعة ولم تتوقف عن الدوران. ونظراً لأن طقوس «فيرساي» كانت تلتزم بمواعيد مشددة فقد كان يجري ضبط الوقت في كل ساعات القصر على ساعة جناح الملك في كافة الفعاليات.
مع تقدمها في العمر، بات من الضروري صيانة الساعة. وتولى الفرع الفرنسي من شركة «رولكس» دعم العملية بإشراف لجنة من 20 خبيراً. وهي صيانة تتم في ورشتين؛ الأولى لترميم طلائها البرونزي المذهب والثانية لتدقيق نظامها الميكانيكي، الذي يعد الأول من نوعه في العالم والذي تعرض للعطب. وتتركز صعوبة العملية، وفق ما أعلنته هيلين دولاليكس، المتخصصة في تاريخ علوم العهد الملكي، في أن أي تفكيك كامل لساعة من هذا النوع لم يجر من قبل.
ومن المقرر أن تعرض الساعة للجمهور في نهاية العام المقبل بعد انتهاء صيانتها، وذلك بمناسبة معرض يقام في قصر «فيرساي».
صيانة الساعة التي ضبطت مواعيد قصر «فيرساي» منذ القرن الثامن عشر
استغرق صنعها 36 عاماً لحساب لويس الخامس عشر
صيانة الساعة التي ضبطت مواعيد قصر «فيرساي» منذ القرن الثامن عشر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة