جزيء يحفز نمو النباتات ويحد من انتشار آفات الأرز

يمكن لمركّب الـ«زاكسينون» ومقلّدات الـ«زاكسينون» الحد من انتشار آفة «الحشيشة الساحرة» أرجوانية اللون
يمكن لمركّب الـ«زاكسينون» ومقلّدات الـ«زاكسينون» الحد من انتشار آفة «الحشيشة الساحرة» أرجوانية اللون
TT

جزيء يحفز نمو النباتات ويحد من انتشار آفات الأرز

يمكن لمركّب الـ«زاكسينون» ومقلّدات الـ«زاكسينون» الحد من انتشار آفة «الحشيشة الساحرة» أرجوانية اللون
يمكن لمركّب الـ«زاكسينون» ومقلّدات الـ«زاكسينون» الحد من انتشار آفة «الحشيشة الساحرة» أرجوانية اللون

نجح فريق دولي بقيادة «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)» و«جامعة طوكيو»، في تصميم وتصنيع جزيء يحاكي نشاط الـ«زاكسينون»، وهو مركب أيضي طبيعي يحفز النمو في النباتات. وقد تُستخدم محاكاة هذا الجزيء في تطبيقات واسعة النطاق في علوم الأحياء النباتية والزراعة.
يذكر أن النباتات تقوم بإنتاج مجموعة واسعة جداً من المركبات العضوية التي تعرف بمصطلح «مركبات الأيض الأولي» و«الثانوي». وعملية الأيض هي مجموع كل التفاعلات الكيميائية الحيوية التي يقوم بها كائن حي اعتماداً على الأصل والوظيفة. وتسهم «مركبات الأيض الأولى» بشكل مباشر في عمليات النمو والتطور والتكاثر الطبيعي لأعضاء وخلايا النبات؛ حيث يجري إنتاجها بشكل مستمر خلال مرحلة النمو، وتشارك في عمليات التمثيل الغذائي الأولية مثل التنفس والتمثيل الضوئي. أما «مركبات الأيض الثانوي» فهي مركبات نباتية ذات طبيعة كيميائية معقدة، وهي ليست ضرورية للحفاظ على حياة الخلايا، وتنتج انطلاقاً من «مركبات الأيض الأولي» وتساعد النبات على التكيف مع محيطه الخارجي.
يقول جيان يو وانغ، طالب الدكتوراه الذي يعمل تحت إشراف أستاذ علم النباتات في «كاوست»، البروفسور سالم البابلي: «ركّزنا على الـ(زاكسينون) في دراسة سابقة، ووجدنا أنه يحفز نمو نباتات الأرز، ويبدو أنه يحد من انتشار آفة النبات الطفيلي (ستريجا) Striga (تُعرف باسم الحشيشة الساحرة)». وتعدّ «ستريجا» جنساً من النباتات الطفيلية، وقد تُسبب خسائر كبيرة في محاصيل الحبوب، خصوصاً الأرز. ويضيف وانغ: «ربما يُغرينا القول إننا سنتمكّن من جمع الـ(زاكسينون) من النباتات ودراسة نشاطه واستخدامه في زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية. لكن الأمر ليس بهذه البساطة».
تُنتج الكائنات الحية مركّبات أيضية تنظّم عملية النمو، مثل الـ«زاكسينون»، بتركيزات منخفضة جداً، وغالباً ما تكون هذه الجزيئات قصيرة العمر وغير مستقرّة. وقد أدرك الفريق أن الاستفادة الكاملة من هذا الاكتشاف تستلزم تصميم جزيء يحاكي وظيفة الـ«زاكسينون»، بدلاً من استخدام المركّب الأيضي نفسه.
يقول وانغ: «في البداية؛ حددنا الأجزاء التي تؤدي دوراً محورياً في نشاط الـ(زاكسينون)، والأجزاء الأخرى التي يمكن استبدالها أو تعديلها. وقد ساعدتنا هذه النتائج على تصميم مجموعة من مقلّدات الـ(زاكسينون) سهلة التصنيع وتُسمى (MiZax)».
اختبر الفريق جزيئات «MiZax» عن طريق إضافتها إلى التربة وقياس قدرتها على تحسين نمو الجذور والحدّ من انتشار آفة «ستريجا» في نبات الأرز. وقد أثبت نوعان من هذه الجزيئات؛ هما: «MiZax3» و«MiZax5» درجة كبيرة من الفاعلية؛ بل وتفوّق «MiZax3» في الأداء على الـ«زاكسينون» نفسه. ويقول وانج: «أدهشنا نشاط (MiZax3) واستقراره، حتى عند استخدامه بتركيزات منخفضة للغاية.
ويُذكر أننا لا نزال نجهل كيفية عمل الـ(زاكسينون) تحديداً، وسوف تساعدنا جزيئات (MiZax3) على دراسة الآلية وراء نشاط الـ(زاكسينون) وكيفية تغييره أنماط الهرمونات وعملية الأيض في النباتات».
ويعلق البابلي: «سنُجري اختبارات ميدانية واختبارات سلامة مُحكمة لتقييم فاعلية (MiZax) على الحبوب والمحاصيل البستانية في الصوبات الزراعية والمزارع البحثية في المملكة. وسوف تساعد هذه الجزيئات على تحسين فهمنا لتطور ونمو ودراسة التفاعلات الحيوية للحبوب، خصوصاً الأرز».
ومن المقرر أيضاً أن يستخدم البابلي جزيئات «MiZax» في مشروع أكبر يُشرف عليه وتموّله مؤسسة «بيل وميليندا غيتس» الخيرية، بهدف مكافحة آفة «ستريجا» في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح
TT

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

كشفت شركة «فيلا (Vela)» الفرنسية الناشئة عن سفينة شحن تعمل بطاقة الرياح بنسبة 100 في المائة، يمكن أن تعيد تعريف مفهوم النقل البحري المستدام.

يخت سباق بيئي

صُممت السفينة على طراز يخوت السباق، وتمزج بين السرعة والكفاءة والأداء البيئي؛ إذ يمكنها خفض الانبعاثات بنسبة 90 في المائة، مقارنة بسفن الشحن التقليدية، وبنسبة 99 في المائة مقارنة بالنقل الجوي. لكن الابتكار الحقيقي لا يكمن فقط في نظام الدفع، بل أيضاً في معالجة الاختناقات التي تحدث عادة في الموانئ، والتي تؤخر حركة الشحن العالمية.

أنظمة ملاحة متطورة ترصد أفضل اتجاهات الرياح

تتميز سفينة «فيلا» بهيكل «ثلاثي البدن (Trimaran)» يمنحها ثباتاً عالياً وسرعة كبيرة، مع سارية مصنوعة من ألياف الكربون، وأشرعة من أقمشة عالية الأداء، مستوحاة من تكنولوجيا سباقات اليخوت. وتستخدم السفينة أنظمة ملاحة متطورة لتحديد المسارات التي تستفيد من أفضل اتجاهات الرياح خلال عبور المحيط الأطلسي.

ويقول مايكل فرنانديز فيري، المؤسس المشارك للشركة: «الأمر لا يتعلق بالمظاهر، بل بالسرعة في العمليات؛ لأن السرعة عامل بالغ الأهمية». وبهذه الطريقة تجمع «فيلا» بين الاستدامة والموثوقية، وهما سمتان نادراً ما تجتمعان في النقل البحري.

تنقل السلع الفاخرة «الحساسة» بدلاً من الطائرات

تستهدف السفينة فئة محددة من سلاسل التوريد: السلع الفاخرة والحساسة للوقت، مثل المستحضرات الصيدلانية ومستحضرات التجميل الفاخرة. فبالنسبة إلى الشركات المنتجة هذه السلع، يمثل الشحن الجوي أحد أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية، بينما يُعد النقل البحري خياراً أنظف، إلا إنه يعاني من ازدحام وتأخير في الموانئ.

ومع ازدياد حجم سفن الشحن الحديثة، لم يعد بإمكانها سوى الرسو في عدد محدود من الموانئ الكبرى؛ مما أدى إلى اختناقات مزمنة. أما سفينة «فيلا» فهي أصغر حجماً؛ بطول 220 قدماً فقط، وسعتها 600 منصة، أو رف شحن؛ مما يمكّنها من الوصول إلى موانئ أقل ازدحاماً، ومن تقليل وقت التحميل والتفريغ الذي قد يصل إلى أسبوع للسفن العملاقة الناقلة للحاويات.

سرعة مماثلة لمحركات الديزل

ورغم اعتمادها الكامل على الرياح، فإن سرعتها في عبور المحيط تقترب جداً من سرعة السفن العاملة بالديزل؛ إذ، وفقاً لأنماط الرياح الموسمية، سيمكنها قطع الرحلة من أوروبا إلى الولايات المتحدة فيما بين 10 أيام و13 يوماً، وهي مدة قريبة من الـ9 أو الـ10 أيام التي تستغرقها السفن التقليدية. ومع وفورات الوقت في الموانئ، تصبح مدة التسليم الإجمالية أقصر وأعلى انتظاماً. أما الرحلات من الولايات المتحدة إلى فرنسا، فيمكن إتمامها في 12 يوماً فقط بدلاً من شهرين عبر المسارات التقليدية. كما أن تكلفتها أقل من الشحن الجوي.

طاقة شمسية لتوليد الكهرباء

وتتجاوز التزامات «فيلا» البيئية مسألة طاقة الرياح؛ إذ تغطي سطح السفينة ألواح شمسية بمساحة تزيد على 2500 قدم مربعة لتوليد الكهرباء وتخزينها في بطاريات، إضافة إلى مولدات مائية تنتج الطاقة خلال الحركة. وتغذي هذه الأنظمة التبريد اللازم للبضائع الحساسة وأنظمة السفينة الأخرى؛ مما يجعل التشغيل شبه خالٍ من الانبعاثات، باستثناء المناورة داخل الموانئ. كما أن هيكل السفينة المصنوع من الألمنيوم يجعلها أخف وزناً وأعلى كفاءة وأسهل في إعادة التدوير عند نهاية عمرها التشغيلي.

وتتميز السفينة أيضاً بانخفاض الضوضاء البحرية؛ مما يقلل إزعاج الحيتان والكائنات المائية، كما أنها لا تفرغ مياه التوازن أو الوقود في البحر؛ مما يحمي النظم البيئية... كل ذلك يجعلها سفينة تجمع بين الأداء العالي والوعي البيئي.

رحلات أسبوعية عبر «الأطلسي»

ويجري حالياً بناء أول سفينة «فيلا» في الفلبين بحوض لبناء السفن مختص في الهياكل الثلاثية المصنوعة من الألمنيوم. ومن المقرر أن تبحر إلى فرنسا في الربيع المقبل، لتبدأ الخدمة التجارية بعد عام لشركات مثل «تاكيدا» للأدوية، و«إيكوسنس»، و«غرين تك». وتخطط الشركة لبناء أسطول مكون من 5 سفن لتسيير رحلات أسبوعية عبر «الأطلسي». وعلى المدى البعيد، تعتزم ترخيص تقنيتها لشركاء دوليين لتوسيع خطوط الملاحة في مناطق أخرى من العالم.

ويرى فرنانديز فيري مستقبلاً «شبكياً» يعتمد على لاعبين محليين يستخدمون تقنيات «فيلا» لتطوير النقل الشراعي إلى أقصى إمكاناته. وإذا نجحت الشركة، فقد تمثل هذه الخطوة تحولاً جذرياً في عالم الشحن التجاري، حيث تلتقي التكنولوجيا المتقدمة بالطاقة النظيفة لجعل النقل البحري سريعاً وخالياً من الانبعاثات.

* باختصار من مجلة «فاست كومباني»

خدمات «تريبيون ميديا»


كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي في «تعفّن الدماغ»

كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي في «تعفّن الدماغ»
TT

كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي في «تعفّن الدماغ»

كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي في «تعفّن الدماغ»

ربيع العام الماضي، كلفت شيري ميلوماد، الأستاذة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، مجموعة من 250 شخصاً بمهمة كتابة بسيطة: التشارك بنصائح مع صديق حول كيفية اتباع نمط حياة صحي. وللتوصل إلى هذه النصائح، سُمح للبعض باستخدام بحث (غوغل) التقليدي، بينما اعتمد آخرون فقط على ملخصات المعلومات المُولّدة تلقائياً باستخدام الذكاء الاصطناعي من «غوغل».

ملخصات الذكاء الاصطناعي عامة وغير مفيدة

كتب الأشخاص الذين استخدموا الملخصات المُولّدة بالذكاء الاصطناعي نصائح عامة، وواضحة، وغير مفيدة إلى حد كبير -تناول أطعمة صحية، وحافظ على رطوبة جسمك، واحصل على قسط كافٍ من النوم! أما الأشخاص الذين وجدوا معلومات من خلال بحث «غوغل» التقليدي على الويب، فقد تشاركوا بنصائح أكثر تفصيلاً ركزت على مختلف ركائز الصحة، بما في ذلك الصحة البدنية، والعقلية، والعاطفية.

المعتمدون على الذكاء الاصطناعي لهم أداء أسوأ

يخبرنا قادة صناعة التكنولوجيا أن برامج الدردشة الآلية وأدوات البحث الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستُعزز طريقة تعلمنا وازدهارنا، وأن أي شخص يتجاهل هذه التكنولوجيا يُخاطر بالتخلف عن الركب. لكن تجربة ميلوماد، كغيرها من الدراسات الأكاديمية المنشورة حتى الآن حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الدماغ، وجدت أن الأشخاص الذين يعتمدون بشكل كبير على برامج الدردشة الآلية وأدوات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مهام مثل كتابة المقالات والأبحاث، يُحققون أداءً أسوأ عموماً من الأشخاص الذين لا يستخدمونها.

وقالت ميلوماد: «أنا خائفة جداً، بصراحة. أنا قلقة بشأن عدم معرفة الشباب بكيفية إجراء بحث تقليدي على (غوغل)».

أهلاً بكم في عصر «تعفن الدماغ»

وهذا المصطلح «عامّ» لوصف الحالة العقلية المتدهورة نتيجة الانخراط في محتوى إنترنت رديء الجودة. وعندما اختارت مطبعة جامعة أكسفورد، الجهة الناشرة لقاموس أكسفورد الإنجليزي، مصطلح «تعفن الدماغ» (brain rot) كلمة العام لعام 2024، كان هذا التعريف يشير إلى الكيفية التي يؤدي فيها إدمان تطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«إنستغرام»، ومشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة، وتأثيرها على الأطعمة، ما حوّل أدمغة المستخدمين إلى «هريس».

هل تُضعف التكنولوجيا الناس؟

هذا سؤالٌ قديمٌ بقدم التكنولوجيا نفسها. فقد انتقد سقراط اختراع الكتابة لإضعافه الذاكرة البشرية. وفي عام 2008، أي قبل سنوات عديدة من ظهور ملخصات الويب المُولّدة بالذكاء الاصطناعي، نشرت مجلة «ذا أتلانتيك» مقالاً بعنوان: «هل يجعلنا «غوغل» أغبياء؟». لكن تبيّن أن هذه المخاوف مُبالغ فيها.

إلا أن الحذر المتزايد في الأوساط الأكاديمية من تأثير الذكاء الاصطناعي على التعلم (بالإضافة إلى المخاوف القديمة بشأن الطبيعة المُشتتة للانتباه لتطبيقات التواصل الاجتماعي) يُمثّل خبراً مُقلقاً لبلدٍ يشهد أداؤه في فهم المقروء تراجعاً حاداً بالفعل.

مستويات قراءة متدنية لدى الأطفال والمراهقين الأميركيين

هذا العام، وصلت درجات القراءة بين الأطفال، بمن فيهم طلاب الصف الثامن وطلاب المرحلة الثانوية، إلى مستويات متدنية جديدة. وكانت النتائج، التي جُمعت من التقييم الوطني للتقدم التعليمي، الذي لطالما اعتُبر الامتحان الأكثر موثوقيةً في البلاد، هي الأولى من نوعها التي تُنشر منذ أن عطّلت جائحة كوفيد-19 التعليم، وزادت من وقت استخدام الشاشات بين الشباب.

يخشى الباحثون من تزايد الأدلة على وجود صلة قوية بين انخفاض الأداء الإدراكي والذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى الدراسات الحديثة التي وجدت علاقة بين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتدهور المعرفي، وجدت دراسة جديدة أجراها أطباء أطفال أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بضعف الأداء لدى الأطفال الذين يخضعون لاختبارات القراءة والذاكرة واللغة.

وفيما يلي ملخص للأبحاث التي أُجريت حتى الآن، وكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تُعزز الدماغ -لا تُضعفه.

عندما نكتب باستخدام «تشات جي بي تي»... هل نحن نكتب حقاً؟

صدرت الدراسة الأبرز هذا العام حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الدماغ عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث سعى الباحثون إلى فهم كيفية تأثير أدوات مثل «جي بي تي» على طريقة كتابة الناس. كانت عينة الدراسة، التي شملت 54 طالباً جامعياً، صغيرة الحجم، لكن النتائج أثارت تساؤلات مهمة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُضعف قدرة الناس على التعلم.

في جزء من الدراسة، طُلب من الطلاب كتابة مقال يتراوح بين 500 و1000 كلمة، وقُسِّموا إلى مجموعات مختلفة: مجموعة تكتب بمساعدة «جي بي تي»، ومجموعة ثانية تبحث عن المعلومات فقط باستخدام محرك بحث «غوغل» التقليدي، ومجموعة ثالثة تعتمد فقط على أدمغتها في كتابة واجباتها.

مستخدمو «جي بي تي» الأسوأ أداء

ارتدى الطلاب أجهزة استشعار لقياس النشاط الكهربائي في أدمغتهم. وأظهر مستخدمو «جي بي تي» أدنى نشاط دماغي، وهو أمر غير مفاجئ، لأنهم كانوا يتركون روبوت الدردشة الذكي يقوم بالعمل.

لكن الاكتشاف الأبرز ظهر بعد أن أنهى الطلاب تمرين الكتابة. إذ وبعد دقيقة واحدة من إكمال مقالاتهم، طُلب من الطلاب اقتباس أي جزء من مقالهم. لم تتمكن الغالبية العظمى (83 في المائة) من مستخدمي «جي بي تي» من تذكر جملة واحدة.

في المقابل، استطاع الطلاب الذين يستخدمون محرك بحث «غوغل» اقتباس بعض الأجزاء، بينما استطاع الطلاب الذين لم يعتمدوا على أي تقنية قراءة الكثير من السطور، بل إن بعضهم اقتبسوا تقريباً كامل مقالاتهم حرفياً.

وقالت ناتاليا كوزمينا، الباحثة في مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي قادت الدراسة، عن مستخدمي «جي بي تي»: بعد مرور دقيقة واحدة، لم يكن بإمكانهم قول أي شيء حقاً؟ إذا لم يتذكروا ما كتبوه، فلن يشعروا بالمسؤولية».

على الرغم من أن الدراسة ركزت على كتابة المقالات، فإن كوزمينا أعربت عن قلقها بشأن الآثار المترتبة على الأشخاص الذين يستخدمون روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في المجالات التي يكون فيها الاحتفاظ بالمعلومات أمراً ضرورياً، مثل الطيار الذي يدرس للحصول على رخصة قيادة الطائرة. وقالت إن هناك حاجة ملحة لإجراء المزيد من الأبحاث حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على قدرة الناس على الاحتفاظ بالمعلومات.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يرتبط بتدني درجات القراءة

على مدار العامين الماضيين، سارعت المدارس في ولايات مثل نيويورك وإنديانا ولويزيانا وفلوريدا إلى حظر استخدام الهواتف الجوالة في الفصول الدراسية، مشيرةً إلى مخاوف من تشتيت الطلاب لانتباههم بتطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«إنستغرام». وما يعزز هذا الحظر، دراسة نُشرت الشهر الماضي وجدت صلة قوية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وضعف الأداء الإدراكي.

في الشهر الماضي، نشرت المجلة الطبية «JAMA» دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، سان فرنسيسكو. قام الدكتور جيسون ناجاتا، طبيب الأطفال الذي قاد الدراسة، وزملاؤه بفحص بيانات من مشروع ABCD، الخاص بالتطور المعرفي لدماغ المراهقين، وهو مشروع بحثي تابع أكثر من 6500 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاماً من عام 2016 إلى عام 2018.

وخضع جميع الأطفال لاستطلاع رأي مرة واحدة سنوياً حول مقدار الوقت الذي يستخدمون فيه وسائل التواصل الاجتماعي. وخضعوا لعدة اختبارات كل عامين. على سبيل المثال، تضمن اختبار المفردات البصرية مطابقة الصور بشكل صحيح مع الكلمات التي سمعوها.

تدهور المعرفة

أظهرت البيانات أن الأطفال الذين أفادوا باستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي لفترات قصيرة (ساعة واحدة يومياً) أو لفترات طويلة (ثلاث ساعات على الأقل يومياً) سجلوا نتائج أقل بكثير في اختبارات القراءة والذاكرة والمفردات، مقارنةً بالأطفال الذين أفادوا بعدم استخدامها على الإطلاق.

أما عن سبب تأثير تطبيقات التواصل الاجتماعي -مثل «تيك توك» و«إنستغرام»- على نتائج الاختبارات، فإن الاستنتاج الوحيد المؤكد هو أن كل ساعة يقضيها الطفل في تصفح التطبيقات تُضيّع وقتاً على أنشطة أكثر إثراءً كالقراءة والنوم، وفقاً لناجاتا.

طرق صحية لتوظيف الذكاء الاصطناعي

ما أفضل الطرق الصحية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي؟ على الرغم من وجود علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتدهور المعرفي، فإنه من الصعب التوصية بوقت مثالي أمام الشاشات للشباب، لأن الكثير من الأطفال يقضون وقتاً أمام الشاشات في أنشطة لا علاقة لها بوسائل التواصل الاجتماعي، مثل مشاهدة البرامج التلفزيونية، وفقاً لناجاتا.

بدلاً من ذلك، اقترح أن يفرض الآباء مناطق خالية من الشاشات، وأن يحظروا استخدام الهاتف في أماكن مثل غرفة النوم وطاولة الطعام، حتى يتمكن الأطفال من التركيز على دراستهم ونومهم ووجباتهم.

وبالنسبة لروبوتات الدردشة الذكية، برزت نقطة مثيرة للاهتمام في دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) تُقدم حلاً مُحتملاً لكيفية استخدام الناس لروبوتات الدردشة على أفضل وجه للتعلم والكتابة.

في النهاية، تبادلت المجموعات المشاركة في تلك الدراسة الأدوار: تمكّن من اعتمدوا على أدمغتهم فقط في الكتابة من استخدام «جي بي تي»، بينما تمكّن من اعتمدوا عليه سابقاً من استخدام أدمغتهم فقط. وكتب جميع الطلاب مقالات حول نفس المواضيع التي اختاروها سابقاً.

سجّل الطلاب الذين اعتمدوا في البداية على أدمغتهم فقط أعلى نشاط دماغي لهم بمجرد السماح لهم باستخدام «جي بي تي». أما الطلاب الذين استخدموا «جي بي تي» في البداية، فلم يكونوا على قدم المساواة مع المجموعة الأولى عندما قُيّدوا باستخدام أدمغتهم فقط، كما قالت كوزمينا.

التفكير في تنفيذ العمل أولاً ثم اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي

يشير ذلك إلى أن الأشخاص الذين يتوقون لاستخدام روبوتات الدردشة للكتابة والتعلم يجب أن يفكروا في بدء العملية ليقوموا بها بأنفسهم قبل اللجوء إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لاحقاً في العملية للمراجعة، على غرار طلاب الرياضيات الذين يستخدمون الآلات الحاسبة لحل المسائل فقط بعد استخدامهم القلم والورقة لتعلم الصيغ والمعادلات.

وقالت ميلوماد إن مشكلة هذه الأدوات تكمن في أنها حوّلت ما كان في السابق عملية نشطة في الدماغ -تصفح الروابط والنقر على مصدر موثوق للقراءة- إلى عملية سلبية من خلال أتمتة كل ذلك.

الذكاء الاصطناعي للإجابة عن التفاصيل وليس البحث عن الجوهر

لذا، ربما يكون مفتاح استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة أكثر صحة، كما قالت، هو محاولة أن نكون أكثر وعياً بكيفية استخدامنا له. وقالت ميلوماد إنه بدلاً من طلب إجراء جميع الأبحاث حول موضوع واسع، استخدمه على أنه جزء من عملية البحث الخاصة بك للإجابة عن أسئلة صغيرة، مثل البحث عن التواريخ التاريخية. ولكن للتعمق في موضوع ما، فكّر في قراءة كتاب.

* خدمة «نيويورك تايمز»


العيادة الكمّية: حين تلتقي الخوارزميات... بالشفاء

بين الجسد الرقمي والطبيب الواقعي يولد حوارٌ جديد بين الرحمة والذكاء
في العيادة الكمّية
بين الجسد الرقمي والطبيب الواقعي يولد حوارٌ جديد بين الرحمة والذكاء في العيادة الكمّية
TT

العيادة الكمّية: حين تلتقي الخوارزميات... بالشفاء

بين الجسد الرقمي والطبيب الواقعي يولد حوارٌ جديد بين الرحمة والذكاء
في العيادة الكمّية
بين الجسد الرقمي والطبيب الواقعي يولد حوارٌ جديد بين الرحمة والذكاء في العيادة الكمّية

قبل سنوات قليلة، كان الطبّ الرقمي قمّة ما وصلت إليه التقنيات الطبية. خوارزميات تكشف عن الأورام قبل العين البشرية، وتصاميم ثلاثية الأبعاد تعيد بناء الأعضاء بخطأ لا يُرى. لكن الإنسان، الذي صمّم الذكاء الاصطناعي، بدأ يشعر أن هذا الذكاء - رغم دقّته - ما زال يفكّر «رقمياً»، أي بخطٍّ مستقيمٍ بين الصفر والواحد.

هنا وُلدت الفكرة الجديدة: أن نفكّر كما تفكّر الطبيعة نفسها، لا كما تُبرمج الآلة. هكذا ظهر الطبّ الكمّي (Quantum Medicine)، الذي لا يرى المرض حالة ثابتة، بل يراه احتمالاً متغيّراً داخل شبكة من الطاقة والمعلومات، كما تفعل الجسيمات في عالمها الخفيّ.

من اللايقين إلى اليقين الجديد

يعتمد الحاسوب الكمّي على مبدأ «التراكب الكمّي» (Quantum Superposition)، حيث يمكن للجسيم أن يكون في حالتين متناقضتين في اللحظة نفسها.

وبهذا الانتقال من التفكير الثنائي إلى التفكير الاحتمالي، أصبحت الحواسيب الكمّية قادرة على تحليل جميع الاحتمالات الطبية في وقتٍ واحد، ما جعلها تغيّر مفهومي السرعة والدقّة في البحث الطبي.

ذكرت مجلة Nature Quantum Information في يونيو (حزيران) 2025 أن الذكاء الاصطناعي الكمّي (Quantum AI) يتيح محاكاة التفاعلات البروتينية بدقة غير مسبوقة، تختصر سنوات تطوير الدواء إلى أيام معدودة.

حين تتعلّم الخوارزميات الرحمة

لم تعد ثورة الطبّ الكمّي في السرعة وحدها، بل في الإنسانية أيضاً. فخوارزميات «آي بي ام» و«ديب مايند من غوغل الكمية تُدرَّب اليوم على قراءة الانفعالات الدقيقة للمريض - نبرة الصوت، ارتعاش اليد، تغيّر التنفّس - لتقترح على الطبيب اللحظة المناسبة لطمأنته أو لشرح خطته العلاجية دون خوفٍ أو توتر.

وفي المملكة العربية السعودية، يقود باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مشروعاً لتطوير نماذج لغوية رحيمة (Compassionate Language Models) مدعومة بالذكاء الاصطناعي الكمّي. وهذه النماذج لا تكتفي بتحليل الكلمات، بل تفهم الصمت وما وراء العبارات، لتجعل الحوار الطبي أكثر دفئاً وإنسانية.

الطبيب يحاور توأم المريض الرقمي قبل أن يبدأ العلاج

التوأم الرقمي: المريض قبل المرض

في العيادة الكمّية، لا ينتظر الطبيب ظهور الأعراض. بل يُنشأ لكل مريض توأم رقمي (Digital Twin) يحاكي نبضات قلبه وتقلّبات هرموناته في الزمن الحقيقي، لتختبر الخوارزميات الكمّية جميع الاحتمالات الصحية المستقبلية.

أعلن مركز كليفلاند كلينك كمّ هَب (Cleveland Clinic Quantum Hub) في فبراير (شباط) 2025 عن أول تجربة ناجحة لتوأم كمّي لمريض سرطان رئة، توقّع تطوّر الورم بدقة بلغت 97 في المائة.

وبهذا المفهوم، يتحوّل الطبّ من علمٍ لعلاج الألم إلى علمٍ لتوقّيه، ومن «ردّ فعل» إلى «رؤية استباقية».

الريادة العربية: المستشفى الكمّي في نيوم

في مشروع نيوم (NEOM)، تتقدّم المملكة بخطواتٍ جريئة نحو إنشاء أول «مستشفى كمّي عربي» (Arab Quantum Hospital)، يوظّف الذكاء الاصطناعي الكمّي في الطب الوقائي والعلاجي معاً.

هنا، تُحلَّل الجينات العربية بتنوّعها وخصوصيتها، لتُبنى نماذج علاجية تتلاءم مع البنية الجينية للسكان. وفي مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، تُدمج الخوارزميات الكمّية في قراءة الصور والأنسجة، ما رفع دقّة التشخيص المبكر للأورام بنسبة تجاوزت 15في المائة.

بهذه الرؤية، لا تكتفي المملكة باستيراد التقنية، بل تُعيد صياغتها بروحٍ عربية وإنسانية متجذّرة في رؤية 2030، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة لخدمة الإنسان لا لإقصائه.

تحدّيات وضمير تقني

لكن هذا المستقبل المضيء لا يخلو من الأسئلة: من يملك بيانات الجينوم؟ وكيف نضمن العدالة حين تكون الحواسيب الكمّية حكراً على الدول الغنية؟ وهل يمكن للطبيب أن يثق بآلةٍ تُصدر نتائج «صحيحة إحصائياً» لكنها «غامضة إنسانياً»؟

إن التحدّي الأكبر ليس في سرعة المعالجات، بل في بطء الإجابات الأخلاقية والتشريعية أمام هذا التسارع العلمي المذهل.

الخاتمة: نحو طبٍّ يفكّر كما تفكّر الطبيعة

الطبّ الكمّي ليس مجرّد ثورة في الحساب، بل في الفهم. إنه اللقاء الأول بين الرياضيات والرحمة، بين الخوارزمية والقلب الإنساني. فالآلة لم تعد مجرّد أداة، بل مرآة تُرينا ما لم نكن نراه في أنفسنا. ومع ذلك، يذكّرنا هذا العصر بأن كل تقدّمٍ لا يكتمل إلا إذا حفظ للإنسان كرامته وحقه في الاختيار.

وحين تصل الخوارزميات إلى لحظةٍ يصبح فيها الشفاء معنىً بقدر ما هو معادلة، يمكننا القول إننا دخلنا زمن الطبّ الذي يفكّر كما تفكّر الطبيعة... ويخدم كما يحلم الإنسان.

كما قال أبو الطيّب المتنبي: وما نيلُ المطالبِ بالتمنّي... ولكن تُؤخذُ الدُّنيا غِلابا... بيتٌ يذكّرنا بأن التقدّم العلمي لا يُمنح... بل يُصنع بإرادةٍ تجمع بين العقل والرحمة والإيمان بقدرة الإنسان على أن يُحسن استخدام ما يبتكره.