تستطيع طائرة «دريملاينر بوينغ 787 – 10» الممتلئة بالوقود، السفر لمسافة 8 آلاف ميل وهي تحمل 300 شخص وأكثر، مع أمتعتهم. ولتقديم بديلٍ بطاقة موازية لهذا الوقود، تحتاج الطائرة إلى بطارية تزن نحو 6.6 مليون رطل (3 آلاف طن). لهذا السبب؛ وعلى الرغم من فوائدها البيئيّة الكثيرة، ليس لدينا حتّى اليوم طائرات كهربائية مدعومة بالبطاريّات.
وقود الهيدروجين
تعمل شركات الطيران اليوم على صناعة طائرات أنظف وتبحث فكرة استخدام الهيدروجين، العنصر الأكثر توفّراً في العالم، لتشغيل محرّكات الكهرباء، ومحركات الاحتراق الداخلي – ولتقديم صناعة سفر صديقة للبيئة.
تتوفّر الطائرات المدعومة بالهيدروجين بأعداد كبيرة، إلّا أنّ معظمها صغير الحجم ويستخدم في الاختبارات والتجارب. ولكن هذه الطائرات تساهم حالياً في تمهيد الطريق لطيران «صفري الكربون» بحلول 2050، أي الهدف الذي تسعى حكومات ومجموعات بيئيّة كثيرة إلى تحقيقه. في المقابل، لا يخلو الهيدروجين من الجدل، خصوصاً أنه لا يزال مكلفاً، وليس دائم الخضرة، ويمكن أن يكون خطراً حسب ادعاءات البعض.
كشفت أماندا سيمبسون، رئيسة المبادرات الخضراء في شركة صناعة الطائرات العالمية «إيرباص»، عن أنّ «الهيدروجين يُستخدم وقوداً على متن الطائرة بثلاثة أشكال». إذ يعدّ الهيدروجين مصدراً للطاقة لخلايا الوقود التي تشبه البطاريات، كما يمكن أن يستخدم في الطائرات الهجينة، وأخيراً يمكن استخدامه وقوداً قابلاً للاحتراق.
تُستخدم تقنيات الوقود البديل بشكلٍ طاغٍ في عالم صناعة السيّارات؛ فقد ظهرت السيّارات التي تحرق الوقود البديل منذ تخلّي العربات عن الأحصنة. هل تذكرون محرّكات الديزل التي عُدِّلت لتصبح قادرة على حرق زيت القلي؟ كما تتوفّر السيّارات الكهربائية كـ«تويوتا بريوس» منذ عام 1997، إلا أنّ نماذج قليلة منها كـ«تويوتا ميراي» و«هيونداي نيكسو» تستخدم خلايا وقود الهيدروجين.
طائرات كهربائية
عندما أسّس فال ميفتاخوف شركة «زيرو آفيا» لتطوير المركبات الطائرة الكهربائية، بدا مشواره بدراسة البطارية كمصدرٍ للطاقة. وكان هذا المهاجر وعالم الفيزياء القادم من سيبيريا قد أسّس شركة ناشئة في السابق تحوّل السيّارات من العمل بالوقود، إلى الكهرباء، ومن ثمّ طوّر نظام شحن محسّناً. ولكنّ البطاريات تصلح للاستخدام فقط للرحلات القصيرة، مثل رحلات اختبارات الطيران.
يقول ميفتاخوف، إنّ «البطاريات قد تنفع لرحلات الساعة الواحدة». وتوجد أيضاً المركبات الطائرة المصممة للتدريب كـ«بيبيستريل ألفا إلكترو Pipistrel Alfa Electro» التي تدّعي أنّها قادرة على الطيران لرحلة مدّتها ساعة واحدة.
من جهتها، اختارت شركة «زيرو آفيا» خلايا الوقود، وهي عبارة عن بطارية كيميائية تستخدم الهيدروجين الأخفّ من الهواء بدلاً من مادّة «الأيون ليثيوم» الثقيلة. يشتهر الهيدروجين بكثافة طاقته العالية – أي معدّل الطاقة المستهلك في الكيلوغرام الواحد – والذي يوازي ثلاثة أضعاف كثافة الطاقة التي تحتاجها الطائرة العاملة بالوقود. وينتج الهيدروجين بعد احتراقه، الماء.
كما يمكن صناعته من المياه والطاقة المتجدّدة، رغم أنّ معظمه يُصنع اليوم من الغاز الطبيعي الذي لا يعدّ صديقاً للبيئة. يعترف ميفتاخوف بأنّ حاويات تخزين الهيدروجين، المصممة بمعظمها للنقل البرّي، ليست عمليّة للطائرات. ويضيف «علينا التركيز على تقليل الوزن، ولدينا بعض الخيارات الخفيفة بمتناول أيدينا».
وخلافاً للبطاريات الكهربائية، تُشحن خلايا وقود الهيدروجين خلال دقائق، ولكن عدد محطّات التزوّد بها قليل، وبناؤها يتطلّب مشاريع ضخمة.
طاقة هجينة
من جهته، يعتبر بات أندرسون، أستاذ هندسة الطيران والفضاء الجوي في جامعة «إيمبري ريدل» للطيران في فلوريدا، أنّ «هذه المشكلة ليست بالأهميّة نفسها للطائرات الهجينة التي تستخدم مزيجاً من الطاقتين الكهربائية والاحتراقية؛ إذ تستطيع هذه المركبات التزوّد بالوقود من مضخّة تقليديّة متوفّرة اليوم في أي مكان».
عام 2011، استخدم طلّاب أندرسون نظاماً هجيناً في مسابقة للطيران الصديق للبيئة. لم يفوزوا ولكنّهم ساهموا في رفع اسم أندرسون في عالم محرّكات الطاقة الهجينة التي يصنعها اليوم في شركة «فيردي غو آييرو» في فلوريدا، التي يتشارك رئاستها التنفيذية كلّ من إريك ليندبيرغ، عضو مجلس «إكس - برايز فاونديشن»، وحفيد تشارلز ليندبيرغ. وتستخدم الأنظمة الهجينة الحديثة مزيجاً يتبدّل بين الكهرباء ووقود الاحتراق، ويمكنها أيضاً أن تعتمد على محرّك الاحتراق كمولّد كهربائي أثناء الطيران. يشير أندرسون إلى أنّ هذه الأنظمة قد تمنح الطائرة نطاق طيران أوسع من البطارية أو خلايا الوقود وحدها.
من جهته، يقول روي غانزارسكي، مدير شركتين، الأولى هي «ماغني إكس» التي تصنع أنظمة دفع كهربائية للطائرات، والثانية هي «إيفياشن» التي تعمل على تطوير مركبة «أليس» المستقبلية الكهربائية الطائرة «مهما كان مصدر الطاقة، تتفرّد المحرّكات الكهربائية ببعض المزايا الحصرية». ويضيف «الطائرات اليوم مكلفة جدا والسبب الرئيسي بذلك يعود للمحرّكات لأنّها تتطلّب الكثير من الصيانة وتستهلك كميات كبيرة من الوقود الباهظ. يمكن تقليل الكلفة التشغيلية للطائرة بنحو 40 إلى 50 في المائة وذلك لأنّ المحرّكات الكهربائية لا تتطلّب صيانة تُذكر مقارنة بمحرّقات الوقود».
تسعى شركة «هاربور إير» التي تروّج لنفسها على أنّها أكبر خطّ للطيران المائي، للحصول على إذن لنقل الركّاب على متن طائرة «هافيلاند dhc - 2 بيفرر de Havilland dhc - 2 Beaver» المجهّزة بمحرّك «ماغني إكس» الكهربائي المتوفّر أيضا في طائرة «غراند سيسنا» التي تتسع لعشرة ركّاب.
في المقابل، توجد بعض الأمور التي لا تستطيع الطاقة الكهربائية تحقيقها مثل رفع «بوينغ 787» إلى ارتفاع تحليقها، ولكن هذا لا يعني أنّ الطائرات الكبيرة لا يمكن أن تصبح صديقة للبيئة أو أقلّ ضرراً لها على الأقلّ.
وقود مستدام
تعمل خطوط طيران وشركات تكرير وقود عدّة اليوم على تجربة وقود طيران مستدام. يمكن صناعة هذه الأنواع المستدامة، التي تحترق كما وقود الطيران التقليدي، من بعض النفايات كدهون الطهي المستعملة. بدورها، تستخدم بعض الشركات، كـ«نيستي»، الهيدروجين في تكرير وقود الطيران المستدام خاصتها. صحيح أنّ منظّمات سلامة الطيران تتيح للرحلات الجويّة التجارية استخدام الوقود الذي يحتوي على 50 في المائة أو أقلّ من الوقود المستدام في العروض، إلّا أنّ الطائرات المستخدمة حالياً تحرق 100 في المائة من الوقود المستدام و«المحرّكات سعيدة جداً به»، على حدّ تعبير سيمبسون من «إيرباص».
ولكنّ وقود الطيران المستدام قد يبدو حلاً مؤقّتاً في ظلّ وجود طائرات كبيرة تحلّق براحة بحرق الهيدروجين الصافي الخالي من الانبعاثات. ففي عام 1957، استخدم محرّك «مارتن بي - 57 بي» في جزءٍ من رحلته الهيدروجين وقوداً، وفي عام 1988، طارت طائرة «تي يو – 155» السوفياتية بالاعتماد على وقود الهيدروجين فقط.
في ذلك الوقت، رأى سبار ماتسوناغا، العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية هاواي الذي توفي في 1990، أنّ الهيدروجين فرصة ضائعة – ومؤثّرة بقدر قمر «سبوتنيك» الصناعي السوفياتي الذي تفوّق على الولايات المتحدة في الفضاء.
وقال آنذاك «فاتنا المركب مرّة أخرى، ولا يسعنا إلّا أن نأمل أن تكون الإدارة التالية مهتمّة أكثر بالهيدروجين من الإدارة الحالية».
إنّ أي حديثٍ عن الهيدروجين لا بدّ أن يعيدنا بالذاكرة إلى مناطيد الزبلين. إذ استخدم الهيدروجين في طيران المناطيد منذ عام 1783. ولكنّ مستقبله في عالم الطيران انهار في 6 مايو (أيار) 1937، بعد انفجار منطاد هايدنبرغ في ليكهرست، نيوجرسي، الذي أودى بحياة 36 شخصاً. لم يُحسم الجدل حول هذه الحادثة وما إذا كان الاشتعال، الذي وُثّق على الراديو وفي الصحف، ناتج عن الهيدروجين أو الطلاء القابل للاشتعال المستخدم في أقمشة المنطاد الخارجية، ولكنّه مع ذلك، ما زال يؤثر على سمعة الهيدروجين حتّى اليوم. يحاجج داعمو الهيدروجين، كغانزارسكي، بأنّه رغم ارتفاع الكلفة المحتمل لصناعة الهيدروجين الأخضر، فإنّ كلفة عدم متابعة فكرة تطوير طائرات تعمل به سيكون أكبر.
* خدمة «نيويورك تايمز»