يقول المثل العربي «رُب ضارة نافعة»، وهذا يعني وكما تعلمون، أن بعض الأحداث المضرة قد تأتي بمنافع للناس، وهذا تماماً ما حصل منذ أن اجتاحت جائحة كورونا العالم وغيّرت ملامحه وبدّلت عادات أهله.
تضرر عدد كبير من الأشغال، في حين استغلت مشاريع أخرى الأزمة واستفادت من الضرر وسجلت أرباحاً غير مسبوقة.
القطاعان اللذان تأثرا أكثر من غيرهما هما قطاع الطيران وقطاع الضيافة الذي يضم الفنادق والمطاعم، فبعض الأسماء تأثرت وأخرى تألقت، وكان للنوادي الخاصة Private Clubs في العاصمة لندن نصيب الأسد؛ لأنها تؤمّن الخصوصية ولا يدخلها إلا الذين يحملون عضوية تخولهم الأكل وعقد الاجتماعات وتناول القهوة والتسامر وحتى النوم.
يشار إلى أن بعض النوادي تسمح بنزول غير المنتسبين إليها في غرفها التي تستخدم وكأنها فندق من فئة بوتيك. وتقدم النوادي عروضاً خاصة على مواقعها الإلكترونية.
النوادي الخاصة في لندن يغمرها التاريخ العريق الذي بدأ في القرن السادس عشر، ويقال إن «وايتس» هو أول نادٍ خاص في لندن، ويعود تاريخه إلى عام 1693، وحينذاك كان يطلق على تلك النوادي اسم Gentlemen’s Clubوكانت تسمح فقط للرجال للانتساب إليها، وفتحت النوادي أبوابها أمام الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا وتطورت بعدها لتسمح لانتساب السيدات أيضاً، وتحولت من منابر للتسامر والتكلم في السياسة والتدخين إلى نوادٍ تضم أهم المطاعم والحدائق والغرف وأجنحة النوم.
تنتشر في لندن نوادٍ خاصة عدة تقدم ضيافة إنجليزية مميزة، ولكل منها ميزة مختلفة وسعر انتساب مختلف أيضاً. فبعض النوادي تحتم على الأشخاص الذين يودون الحصول على عضوية الانتظار لفترة طويلة، كما تطلب جميع النوادي بيانات خاصة بكل شخص يود الانتساب للمحافظة على مستوى النادي.
عند انتقاء النادي يجب أن تتنبه إلى نقاط عدة، ثمن عضوية الانتساب على رأسها، وإذا زاد السعر هذا لا يعني بأن النادي أفضل، إنما يكون أعضاؤه أكثر ثراءً من النوادي الأخرى، والشيء الآخر الذي يجب أخذه في عين الاعتبار، الموقع، فالنادي الخاص يستعمل في الكثير من الأحيان لعقد الاجتماعات ليحل مكان المكتب.
بعض النوادي الخاص الإنجليزية لا تزال تعيش في زمن الارستقراطية لدرجة أن هناك بعض النوادي التي تفرض على الزوار لباساً رسمياً وربطة عنق، وأعتقد هنا بأن هذا النوع من النوادي لا يتناسب مع من هم أصغر سناً والباحثين عن أماكن مريحة تؤمّن لهم الخصوصية.
وتوجد أيضاً نوادٍ خاصة تناسب السيدات أكثر بسبب ديكوراتها الأنثوية واللطيفة، على عكس تلك النوادي التي تحاكي الرجال بالدرجة الأولى وتؤمّن لهم غرف تدخين السيجار، وغيرها.
عراقة لندن مستمدة من روعة معمارها اللافت، وجميع النوادي الخاصة في العاصمة تزخر بتاريخ طويل ومميز، اليوم دخلت الكثير من التعديلات على فكرة النادي الخاص، الذي أصبح ينافس أهم المطاعم في المدينة؛ لأنه يضم أفضل الطهاة وأجمل المطاعم التي تسمح فقط لدخول الزبائن أصحاب العضوية مع إمكانية دعوة عدد صغير من أصدقائهم، والرغبة للانتساب إلى تلك النوادي زادت لأنه من المعروف عن مطاعم لندن أنها تقفل أبوابها باكراً على عكس المطاعم التابعة للنوادي.
قصة الليدي هوم
> من النوادي الخاصة والمميزة كونها بدأت على يد سيدة وليس رجلاً، نادي «هوم هاوس» Home House الذي صُمم عام 1773 على يد المهندس المعماري جيمس وايت بعدما طلبت منه الليدي إليزابيث هوم بناء جناح مخصص للترفيه في رقم 20 «بورتمان سكوير» في وسط لندن.
الليدي هوم كانت في أواخر الستينات من العمر وترملت مرتين ولم تنجب وكانت تتمتع بثراء فاحش.
في عام 1775، تم طرد وايت من المشروع وتعيين منافسه روبرت آدم، أحد أشهر المهندسين المعماريين في عصره، لاستكمال التصميم الداخلي للمنزل على الطراز الكلاسيكي الجديد الفاخر. يُعرف N ° 20 Portman Square بأنه أفضل منازل روبرت آدم في لندن. تم التصميم الداخلي على شكل سلسلة من غرف الاستقبال الكبرى.
أجمل ما يميز مبنى «هوم هاوس» هو السلم الذي يتوسط المنزل ويمتد أفقياً على ارتفاع الجدار بأكمله الذي يصل إلى قبة زجاجية ترى منها السماء. ويطلق على هذا السلم اسم «درج آدم الإمبراطوري».
في الطابق الأرضي توجد غرفة طعام كبيرة الحجم، وقد تم تزيينها بلوحات زيتية رائعة. وفي الطابق الأول تنتشر غرف عديدة، منها «غرفة العرض» التي تضم غرفة الموسيقى، وغرفة الرسم الكبرى، وواحدة من أكثر الغرف الأصلية في إنجلترا، غرفة نوم الكونتيسة أو الليدي هوم والتي تستمد ديكوراتها من حفريات بومبي.
في عام 1784 بعد وفاة الكونتيسة، تُرك المنزل لابن أخيها الصغير الذي كان لا يزال تلميذاً. وتم تأجير المنزل لعدد من الشخصيات من بينها السفير الفرنسي، ودوقات أثول ونيوكاسل، وكذلك إيرل غراي (من شهرة الشاي).
من عام 1932، ولمدة ستين عاماً تقريباً، تم تأجير Home House لمعهد كورتوولد للفنون.
من عام 1989 إلى عام 1996، كان Home House شاغراً وتم إدراجه في قائمة مراقبة الآثار العالمية لأكثر من 100 موقع معرض للخطر. تم استخدامه من حين لآخر موقعاً لتصوير الأفلام.
تم إنقاذه بواسطة شركة «باركلي آدم المحدودة» عام 1996، وتم ترميم «هوم هاوس» بدقة فاستعاد مجده السابق وافتتح في شكله الحالي كنادي أعضاء خاص في عام 1998.
ويعدّ هذا النادي اليوم من أهم النوادي الخاصة في المدينة وزاد الطلب على الانتساب إليه خلال جائحة كورونا بعدما دبّ الذعر في نفوس الناس؛ ما جعل الكثير منهم يشعرون بعدم الرغبة في الذهاب إلى الأماكن المكتظة بالناس والأكل في أماكن تضم أعداداً هائلة من الناس. كما أن ميزة النادي الخاص هو أنه يؤمّن كل المستلزمات المكتبية؛ مما جعلها مأوى للموظفين الذين فرضت عليهم الجائحة العمل من منازلهم، فوجدوا في النوادي الخاصة ملاذاً آمناً ومريحاً لتأدية مهام وظائفهم.