معرض مدهش في باريس عن عالم ستيف ماكوري

150 لقطة للمصور الأميركي جعل من الحروب لوحات فنية

معرض مدهش في باريس عن عالم ستيف ماكوري
TT

معرض مدهش في باريس عن عالم ستيف ماكوري

معرض مدهش في باريس عن عالم ستيف ماكوري

المؤكد أن ملامح اللاجئة الأفغانية قدمت للمصور الأميركي شهرة عابرة للزمان والمكان؛ وجه أحرقته الشمس وعينان بخضرة نادرة ترتسم فيهما نظرة فزع واستغراب. كان ذلك أثناء تغطيته للحرب في أفغانستان عام 1984 لحساب مجلة «ناشونال جيوغرافيك».
اليوم، يحتفي متحف «مايول» في باريس بإنجاز المصور البالغ من العمر 71 عاماً من خلال معرض فتح أبوابه أمس ويستمر حتى أواخر مايو (أيار) من العام المقبل. وهو يضم 150 لقطة مطبوعة بحجم كبير من أشهر صور ماكوري. إنها هي المرة الأولى التي تعرض فيها أعماله في العاصمة الفرنسية.
يمكن وصف المعرض بأنه جولة في أرجاء العالم تقتفي خريطة أشهر مناطق التوتر في السنوات الثلاثين الأخيرة. وبهذا فإن الفرجة فيه لا تشبه التنزه في متحف لأعمال من الماضي، ذلك أن المتعة تقترن هنا بالمأساة. ولعل فن ماكوري يكمن في قدرته على استخلاص الجمال من أشد الوقائع عنفاً ووحشية. وبخلاف غيره من مصوري الحروب كانت عدسته تتوقف عند البشر وهم يواجهون آلة الدمار. فهناك مثلاً قافلة من الجمال تائهة بدون رعاتها في مدينة الأحمدي الكويتية على خلفية من آبار النفط المحترقة خلال حرب الخليج. وكأن المصور الفنان أراد أن يقول إن عبث الإنسان جريمة في حق الطبيعة، أو إن الحياة تسير بموازاة الموت.
سيتوقف آلاف الزوار أمام نظرة الطفلة اللاجئة «شربات» التي حملت نداء استغاثة موجهاً إلى الشعوب الآمنة في العالم. لكن المصور لا يفترق عن موضوعه ولا يقلب صفحة حرب مع انتقاله لتغطية حرب تالية. وهو قد عاد بعد سنوات وبحث عن صاحبة العينين الثاقبتين وتمكن من تصويرها مجدداً. وقبل أيام تناقلت الوكالات خبر تأمين خروجها من أفغانستان، ومنحها حق اللجوء إلى إيطاليا بعد سيطرة «طالبان» على السلطة.
من أفغانستان إلى الكويت مروراً بالهند وشرق آسيا وكوبا وأفريقيا والولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل، لم تتعب عدسة ماكوري طوال أربعين عاماً من ملاحقة جنون البشر، وهو لم يتوقف أو يتقاعد، بل يمكن للزائر أن يتعرف على أحدث تصاويره. وقد أشرفت على تنظيم المعرض بيبا جياشيتي الصحافية والمؤرخة المتخصصة في الفوتوغراف، ونجحت في أن تجعل منه رحلة في منعطفات الأحداث الكبرى، حيث يحتل الإنسان، لا البندقية، مركز اللقطة.
ولد ستيف ماكوري في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأميركية. ثم درس السينما وصناعة الأفلام التاريخية ونال شهادة جامعية في الفنون المسرحية وتخرج بامتياز عام 1974، بدأ اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي عندما كان يلتقط صوراً لصحافية يحررها طلاب جامعته في بنسلفانيا. أما مسيرته مع التصوير الصحافي كمحترف فقد بدأت مع تغطيته الحرب السوفياتية في أفغانستان. وجاء في سيرته أنه تنكر بالزي المحلي وكان يخفي أفلامه داخل طيات ملابسه. وقد تسابقت الصحف الغربية على نشر لقطاته وفاز بميدالية «روبرت كابا» الذهبية كأفضل مصور ومراسل من خارج الولايات المتحدة. وبعد أفغانستان تابع تغطيته للصراعات الدولية في لبنان والحرب العراقية - الإيرانية والنزاعات في كمبوديا والفلبين وحرب الخليج الثانية.
نشرت معظم مجلات العالم صور ستيف ماكوري، كما عمل لسنوات عديدة لحساب مجلة «ناشونال جيوغرافيك»، وكان منذ أواسط الثمانينات عضواً في جمعية «ماغنوم» للتصوير. حصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك مجلة مصور العام التي تمنحها الرابطة الوطنية للمصورين الصحافيين، والميدالية المئوية للجمعية الملكية للتصوير الفوتوغرافي، واثنتين من جوائز المركز الأول في مسابقة أفضل الصور الصحافية في العالم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».