«ديور» ترسم خريطة طريق معاصرة للأزياء الرجالية

مصممها كيم جونز يستلهم من جاك كيرواك تشكيلته لخريف وشتاء 2022

من عرض «ديور» لأزياء الرجال
من عرض «ديور» لأزياء الرجال
TT

«ديور» ترسم خريطة طريق معاصرة للأزياء الرجالية

من عرض «ديور» لأزياء الرجال
من عرض «ديور» لأزياء الرجال

في أول عرض له في لندن، مسقط رأسه، منذ التحاقه بدار «ديور أوم» في عام 2018 استلهم كيم جونز المعروف بتعاوناته مع فنانين وموسيقيين، تشكيلته لخريف وشتاء 2022 من الأدب وتحديداً من رواية «على الطريق» للأديب الأميركي جاك كيرواك. جاءت الفكرة عن سابق قصد وإصرار، حسبما تُؤكد تفاصيل هذه التشكيلة. أقل ما فيها أنها تعكس واقعاً نعيشه، لا يختلف كثيراً عن واقع شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية، علماً بأن الرواية، التي صدرت في 1957، العام الذي توفي فيه كريستيان ديور، كُتبت قبل ذلك بست سنوات تقريباً، وما إن تم نشرها حتى أصبحت واحدة من أهم الروايات التي تُسجل لمرحلة ما يعرف بـ«جيل الغضب» في أميركا.
إنها رحلة البحث عن الذات، استوحاها الكاتب من مغامرات أصدقائه لتتحول سريعاً إلى رمز للتمرد على ثقافة الآباء والأجداد ورغبة محمومة في المغامرة لدى جيل الشباب. المصمم كيم جونز قارئ نَهِم، ومثل جيله شدَّه هذا الكتاب، وهو مراهق يتوق لخوض مغامرة الحياة. كبر وكبر معه حب الأدب واقتناء الكتب النادرة التي يمتلك منها الكثير، الأمر الذي أكده معرض مؤقت تم تنظيمه في قاعة مجاورة لقاعة العرض الضخمة التي نُصبت في مركز أولمبيا للمعارض بلندن مساء يوم الخميس الماضي، وضم عدة كتب من مكتبته الخاصة، بعضها نسخ أصلية وموقّعة. كان هذا المعرض الجانبي مهماً بالنسبة له حتى يُعاين طلاب من معاهد الموضة دعاهم لمتابعة العرض كيف تولد الأفكار وتتبلور. منصة العرض نفسها تغطت بمخطوطة ضخمة تبدو كأنها طُبعت على آلة كاتبة قديمة مثل تلك التي استعملها كيرواك.
ورغم أن كيم جونز ليس غريباً عن الروايات والأشعار، كونه استلهم بعض تشكيلاته الأولى لدار «فندي» من أعمال فيرجينا وولف وجماعة «بلومزبوري»، فإن هذا أول عرض يستلهمه من الأدب بشكل واضح وصريح. بالنسبة إليه كانت رواية «على الطريق» مناسبة على عدة أصعدة. فإلى جانب أنها تعكس جانب التمرد لدى الشباب والذي يعكس ثقافة جيل اليوم ورغبته في تشكيل مستقبل مختلف عمّا خلّفه الآباء والأجداد، فإنها تزامنت مع ثورة كريستيان ديور في مجال الأزياء وما أصبح يُعرف بـ«ذي نيو لوك».
الجميل في العرض، أنه لم يستلهم من الرواية فكرة التمرد والتغيير فحسب بل كما استخدم كاتبها، كيرواك، نثراً عفوياً مثيراً استعار تقنياته من الآلية السريالية، استخدم كيم جونز لغة شاعرية معاصرة وعصرية.
صحيح أن فكرتها مستوحاة من الماضي إلا أن كل تفاصيلها وتقنياتها راسخة في الحاضر وتواقة للمستقبل. كان واضحاً فيها أنه حرص عن وعي على ألا يقع في مطب الحنين إلى القديم، لتأتي كل قطعة، سواء ما كانت تتسم بأسلوب رياضي أو مفصلة على المقاس، نابضة بحيوية وديناميكية من الصعب ألا تستشفّ من جوانبها وثناياها تمرداً شبابياً من نوع أنيق. الكثير من الإطلالات ذكّرتنا بالنجم جيمس دين وفيلمه «متمرد بلا قضية» من خلال جاكيتات أو «تي - شيرتات» برسمات بعضها لأغلفة كتب، أو بنطلونات جينز قصيرة وجوارب متضاربة الألوان وقمصان بكاروهات وغيرها.
ما لا يترك أدنى شك عند نهاية العرض أن المصمم لا يمكن أن ينسلخ عن الواقع، فكيم جونز هو الآخر تأثر بأحداث 2020، كما لا يمكن أن يتجاهل أن عام 2021 يشهد عدة تغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية. من هذا المنظور فإنه تشكيلته لخريف وشتاء 2022، مثل رواية كيرواك، جاءت بمثابة رسم خريطة طريق لموضة معاصرة تتمرد على التقاليد وتُطالب بفرض مفاهيم جذرية جديدة، على مستوى البيئة والاستدامة وكل ما يتعلق بالحفاظ على المستقبل وحمايته من جشع الإنسان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».