سارة الشاذلي: أحاول الخروج من عباءة يوسف شاهين

المخرجة المصرية أكدت أن انتماءها لعائلته يُشعرها بضغوط

لقطة من فيلم «العودة»
لقطة من فيلم «العودة»
TT

سارة الشاذلي: أحاول الخروج من عباءة يوسف شاهين

لقطة من فيلم «العودة»
لقطة من فيلم «العودة»

قالت المخرجة المصرية الشابة سارة الشاذلي، إنها تحاول الخروج من عباءة مدرسة يوسف شاهين الإخراجية، مؤكدة في حوارها مع «الشرق الأوسط» أن انتماءها لعائلة يوسف شاهين يضعها تحت ضغط ويُشعرها بالمسؤولية.
وتستعد الشاذلي، لتقديم أول أفلامها الروائية الطويلة «نور» الذي تشارك به كمشروع في مرحلة التطوير ضمن منصة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ43، وتأتي هذه الخطوة بعد أن أخرجت أكثر من فيلم قصير، وفيلماً وثائقياً طويلاً بعنوان «العودة» الذي شارك في مسابقة الأفلام الوثائقية بمهرجان الجونة السينمائي خلال دورته الماضية، كما فاز فيلمها «إيزابيل» بجائزة يوسف شاهين للفيلم القصير بالدورة الماضية بمهرجان القاهرة السينمائي وتم ترشيحه للأوسكار.
ودرست سارة الشاذلي نجلة المخرجة ماريان خوري، ابنة شقيقة المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين، السينما في كوبا، وعادت للقاهرة بعد سنوات قضتها بين فرنسا وكوبا. وكتبت سارة سيناريو وحوار فيلمها الروائي الطويل الأول «نور» مثلما اعتادت في أفلامها القصيرة، وحسبما تؤكد: «كتبت الفيلم خلال دراستي للسينما في كوبا وكنت أعده كمشروع لتخرجي وسعيت لتصويره لكنّ وباء كورونا أوقف كل شيء، وحينما عدت إلى مصر رأى كل من قرأه أنه مشروع فيلم طويل فأعدتُ كتابته من جديد، وهو يتناول مرحلة المدرسة التي أهتم بها لأنها تمثل مرحلة مهمة في حياتنا، كما أن أغلب المدارس الثانوية تتسم بالعنف، ويتناول الفيلم قصة (نور) الفتاة التي تدرس بالمدارس الفرنسية بالقاهرة، لكنها لا تشعر بكونها مصرية وتفضل العيش في باريس».
وقدمت سارة عبر فيلمها «العودة» جانباً من سيرة عائلتها، رغم عدم تعمدها إظهار نفسها ضمن مشاهده، وتقول عن هذه التجربة: «عدت من كوبا خلال فترة حظر كورونا لأعيش تجربة جديدة وأبقى في البيت لأيام طويلة، وأمسكت بالكاميرا لأصور أبي الذي افتقدته في سفري الطويل، وتركت لنفسي العنان لأصوره في مشاهد توثيقية بالمنزل، وفي أحاديثنا العادية هو وأمي وأخي نبيل، وواصلت التصوير حتى وجدتني أمام مادة حية موثقة تنطوي على الكثير من المفارقات، وكان قراري أن أعدها كفيلم وثائقي، وأقنعتني والدتي بتقديمه في مهرجان الجونة السينمائي فسجّلته على الموقع وفوجئت باختياره ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة وحصلت على إشادات مهمة عند عرضه».
وبشأن تشابه فيلمها «العودة» مع فيلم والدتها ماريان خوري «احكيلي» الذي روت فيه قصة عائلة المخرج الراحل يوسف شاهين، ترى سارة أن والدتها تناولت فترة عاشتها، «لكنني أردت تسجيل لقطات لحياة أبي لارتباطي الكبير به، وهو ما يعود إليه كثير من المخرجين في أفلامهم».
واقتنصت سارة «جائزة يوسف شاهين للفيلم القصير» من مهرجان القاهرة السينمائي خلال دورته الماضية عن فيلمها «إيزابيل». تقول: «لم أتوقع أنا ووالدتي الفوز بهذه الجائزة، لكن الجائزة أسعدتني وأربكتني لأنني أحاول التحرر من سطوة شاهين كمخرج والخروج من عباءته، فأنا لا أحب مشاهدة أفلام كبار المخرجين لدراستها أو الاستفادة منها، بل أريد تقديم السينما التي أقتنع بها، وتحمل رؤيتي».
وارتبطت سارة بشاهين منذ طفولتها، وعن علاقتها به تقول: «عشت منذ صغري في العمارة التي يقطن بها، وأتذكر جيداً أنه كان يركز مع الجميع، وكان يتمتع بحنان بالغ في تعامله معي، لكنني عشت أيضاً الوجه الآخر له خلال تصوير أفلامه، وعصبيته وتوتره في موقع التصوير، وكانت هذه هي السينما بالنسبة لي، كنت أشاهد أفلامه وأنا صغيرة ولا أفهمها، وأعدت مشاهدتها بعدما كبرت، ورأيت فيه مخرجاً عبقرياً قدم 47 فيلماً في ظروف غير عادية، حققتْ نجاحاً عالمياً وشاركتْ في مهرجانات كبرى، وكثيراً ما تساءلت: من أين له كل هذه الطاقة؟ وبالنسبة لي أعد فيلم (باب الحديد) من أهم أفلامه، وكذلك الأفلام التي تروي جانباً من سيرته على غرار (إسكندرية ليه)».
وتكشف سارة عن أزمة تواجهها كونها تنتمي لعائلة شاهين: «وجود يوسف شاهين في العائلة عقّد الأمور لديّ، وأثّر علي بطرق عدة، فلم أكن أفكر في أن أكون مخرجة، لشعوري بمسؤولية كبيرة، كان هذا يمثل ضغوطاً عليّ، ولم أكن أعلم ما الذي أريده بالضبط، وسافرت وعمري 15 سنة إلى كندا وذهبت إلى فرنسا لأدرس بالجامعة الأميركية في باريس، وبقيت هناك سبع سنوات، وعملت لفترة في السينماتيك الفرنسي، لكنني اخترت دراسة السينما في كوبا لرغبتي في أن أبتعد، وخضت اختبارات صعبة لألتحق بمدرسة السينما بها وهناك تأكدت أن هذا طريقي الذي أحبه، وعملت مساعدة لبعض الأفلام مع المخرج محمد خان وكذلك مع المخرج أمير رمسيس، ولم أكن أنوي العودة إلى مصر لولا جائحة كورونا، التي جعلتني أعيد اكتشاف ذاتي والعالم حولي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».