شيرين عبد الوهاب... القلب عذاب العُمر

انتشرت شائعة «طلاقها» من دون نفيها أو تأكيدها

النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب
النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب
TT

شيرين عبد الوهاب... القلب عذاب العُمر

النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب
النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب

لها قلب مكتوب عليه الامتحانات المستحيلة، يُدخلها في سؤال ويُخرجها بأسئلة. منذ زواج شيرين عبد الوهاب بحسام حبيب في عام 2018، و«شائعات» تلاحقها عن السعادة المُنغّصة والانفصال المؤجّل. عجيب أمر العلاقات، لفرط هشاشتها! صور وفيديوهات عشق، ثم يخنق الدخان الأسود الأرض المحترقة. يشغل انفصالها صفحات الفن، وتحوم تكهنات حول تعاسة النجمة بعد إخفاقها العاطفي. بمَ ترد؟ بالصمت المُتعمّد واستعمال «السوشيال ميديا» للإعلان عن أغنية جديدة وحفل في الإمارات. ترد بالتجاهل القاسي.
حتى الآن، لم يصدر حسم من الطرفين الواقعين تحت نار الأقلام والناس. أين الحقيقة في المنازل الزوجية؟ بين الزوجين. أين الدوافع والأسباب والنتائج؟ بينهما أيضاً. عالم الضوء لا يشفق ولا يرحم. وشيرين برقّة ينبوع الربيع، لا تشبهها الحجارة المرمية لخنق الانسياب، ولا الأقدام القذرة لإفساد النقاء. يشبهها السلام المتدفّق إلى الشرايين والرسوّ على بر آمن. ذلك الذي لا تجرؤ عليه عاصفة ولا يهزّه تلاطُم. منذ الزواج، وشيء يُنغّص ويُنكّد. هل هو القلب العصي على الفرح، غير الواثق به على الإطلاق؟ أم قدر المرأة الصادقة؟
لا جواب على شيء. للفنانة حقها في حماية خصوصيتها، فكيف إن رُميت في الحريق ومعها ابنتان بريئتان من كباش الكبار؟ ثم ماذا يريد الجمهور من الفنان، فنّه أم حشر الأنف في حياته الشخصية؟ وهل لأنّ شيرين تحت الضوء، قُدِّرت عليها المعاناة داخل البيت وخارجه؟ بعضهم يريد حياته له، فبأي حق يجرّه آخرون إلى تعريتها أمام الملايين؟ أهي «ضريبة الشهرة»، لكن ماذا عن الخصوصية الفردية وستر أسرار المنازل؟ يصبح البعض معنياً في اقتحام الجدران بما يبلغ حدود الوقاحة. شيرين نفسها تقفل بابها أمام زائر ثقيل يُدعى التطفّل، يهجم كالثيران في السباقات. الخجل يبكي في الزاوية.
مَن الطيّب ومَن الشرير في معادلة فراق القلوب؟ لا جواب. للحكايا أكثر من راوٍ، والكل من وجهته مظلوم مع الآخر الظالم. يجتاح خبر «طلاق» شيرين المواقع على وَقْع مصادفة مريبة: تسريب أغنية «ملكش مكان» بصوتها الجريح وخفقانها الباكي. فسّرها البعض على أنها تأكيد غير مباشر على «أبغض الحلال». فهي لا تزال «غير مكتملة»، سُرّبت قبل التحاقها بالألبوم المقبل. وثمة مَن رجّح أن تكون الفنانة الملوّعة خلف «التسريب»، فأطلق عليها تسمية فورية: «أغنية الطلاق»! جراحات تحتمل التأويل.
شيرين في الغناء عصفور أصيب بجناحه، مرة بطلقة صياد ومرة بجذع شجرة هشّم ريشه بعد العاصفة. وبرغم إصابته، يتمسّك بالطيران: «يا ريت تمشي خلاص، ملكش مكان»، تقلب الصفحة وتمضي. والطي مؤلم، لكنها الكرامة. «أنا وحدي كتير أحسن ما عيش مع حدّ موّتني... مشاعرك لي مؤذية من قسوتها قسّتني»، تغنّي الفراق بجمال. مصادفة؟ تسريب؟ رسالة؟ إعلان نجاة؟
راحت الرائحة تفوح منذ ضجيج التسجيلات بصوت والد حسام حبيب. قال يومها إنه يخطط لإقناع ابنه بالزواج من أخرى أصغر سناً يُنجب منها، ولمح إلى أنّ ابنه يملك توكيلاً عاماً للتصرّف بحسابات الزوجة المالية وسيقنعه بالتخلّي عنها بعد الاستلاء على ممتلكاتها. يومها ردّت بتسجيل برّأت فيه الحبيب ووصفته بـ«أنظف رجال الدنيا». وعن هذا «الإنسان المحترم»، قالت: «يحبني أكثر من نفسه ولا يستحق القسوة. أعذركم أنكم لا تعرفونه».
زواجها بحسام حبيب هو الثالث بعد زواجين انتهيا بالطلاق. الثاني، من الملحّن والموزّع الموسيقي محمد مصطفى أثمر ابنتين: مريم وهناء. مكتوب للقلب معاناة الأحبة. يأتون ويغادرون ويبقى مشغولاً بلملمة الرحيل. حتى الثالثة، إن صدقت التكهنات، لم تكن ثابتة. فالرجل الذي قالت إنّ الله وضعه في طريقها حين كانت مكسورة فأعاد إليها شخصيتها والثقة من جديد، هو نفسه الذي نقلت عنه «هافنغتون بوست عربي» تبريره أخذ الأموال منها بحجة أنها بدل أتعاب إدارته أعمالها وإشرافه ورؤيته الفنية. وها القضاء يقف بينها وبين رجل قالت في معرض الدفاع عنه إنه يحبها وابنتيها أكثر من نفسه وهو منذ زواجهما لم يستفد ولم يستغلّ.
دعّم الزعم حذف حسام حبيب فيديوهات جمعته بزوجته وابنتيها والاحتفاظ على صفحته بمنشورات محددة. لكن ملاحقين للتفاصيل لفتوا إلى أنهما لا يزالان يتابعان بعضهما البعض في «إنستغرام». ثلاث سنوات من زواج لمح الملحّن المصري محمود الخيامي إلى أنه جمعها بـ«خفاش» قطع علاقتها بأهلها وأصحابها وعزلها عن العالم. نفت مرة أنّ حياتها «تحت الخطر»، مع الإفراط في الهيام: «هو يعيش كي يخاف علي وعائلتي من كل شيء». مهزوزة العلاقات، صفر ثبات.
يتّخذ التجاهل شكلاً آخر غير الإعلان عن حفلها الإماراتي، هو إطلاق أغنيتها الجديدة «كلها غيرانة» عبر «يوتيوب». كأنّ شيئاً لم يكن، وكأنّ حريقاً لا يشبّ من حولها. طرافة مع لطشات، فتغنّي: «لو أعدي حتّة أنا مش بسلم من الكومنتات». أغنية رسمية بعد غياب سببه الظرف الداخلي، وبعد «الأغنية المسرّبة» قبل الأوان، وبعد ما حُكي عن رصد خلاف محتدم بين الزوجين في فندق وتدهور علاقتهما، وما تردد عن دخول مفاوضات الطلاق «مرحلة صعبة». شيرين أميرة الصمت.
يوم أعلنت اعتزال الفن في عام 2016 ثم تراجعت عن القرار بعد ساعات، أدركت أنّ حب الناس أقوى من الظرف. ومَن يحبها سيساندها ويطالبها بالتماسك والعودة في أسرع وقت. أزمة فنانة مصر في سكينتها المفقودة وثقتها بآخرين على حساب نفسها. القلب مأساة المرأة إن أحبّت أو أخفقت في الحب. قلب شيرين عذابها مدى العُمر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)