مسلسل «لا كاسا دي بابيل» الإسباني يطلق موسمه الأخير بعد نجاح عالمي

يفتح الأبواب أمام الأعمال غير الناطقة بالإنجليزية على خدمات البث التدفقي

أبطال مسلسل كاسا دي بابيل في لقطة جماعية  بمناسبة إصدار الجزء الخامس والأخير من المسلسل (أ.ف.ب)
أبطال مسلسل كاسا دي بابيل في لقطة جماعية بمناسبة إصدار الجزء الخامس والأخير من المسلسل (أ.ف.ب)
TT

مسلسل «لا كاسا دي بابيل» الإسباني يطلق موسمه الأخير بعد نجاح عالمي

أبطال مسلسل كاسا دي بابيل في لقطة جماعية  بمناسبة إصدار الجزء الخامس والأخير من المسلسل (أ.ف.ب)
أبطال مسلسل كاسا دي بابيل في لقطة جماعية بمناسبة إصدار الجزء الخامس والأخير من المسلسل (أ.ف.ب)

تطرح «نتفليكس»، الجمعة، الحلقات الخمس الأخيرة من مسلسلها الإسباني الشهير «لا كاسا دي بابيل» الذي شرع الباب أمام سيل من الإنتاجات الناجحة غير الناطقة بالإنجليزية على خدمات البث التدفقي.
وقد أصبح مسلسل التشويق الذي ابتكرته شبكة «أنتينا 3» الإسبانية الخاصة والمتمحور حول عمليات سرقة معقدة تنفذها عصابة لصوص محترفين، المسلسل الأكثر مشاهدة على «نتفليكس» بين الأعمال غير الناطقة بالإنجليزية، منذ طرحه على المنصة الأميركية العملاقة في ديسمبر (كانون الأول) 2017.
حتى إن شخصيات اللصوص، وجميعهم لديهم أسماء رمزية من مدن في مختلف أنحاء العالم، جذبوا الجماهير في الولايات المتحدة التي لم تكن معتادة على متابعة الأعمال المدبلجة.
وحظي المسلسل بإشادة كثير من النقاد والصحف حول العالم، بمن فيهم صحيفة «نيويورك تايمز» التي نوهت بالمسلسل وتحولاته وانعطافاته، ووصفته بأنه «رحلة ممتعة بكل معنى الكلمة».
وسرعان ما أصبح الزي الأحمر وأقنعة سلفادور دالي التي يضعها أعضاء العصابة المتمردة في المسلسل من الإكسسوارات الرائجة في جميع أنحاء العالم في الحفلات التنكرية والاحتجاجات في الشوارع.
وقالت أستاذة علوم الاتصال في جامعة كاتالونيا المفتوحة إلينا نيرا: «هذا أول مسلسل باللغة غير الإنجليزية يتحول إلى ظاهرة عالمية».
وبفضل هذا النجاح، أدركت «نتفليكس» ومنافسوها «أنهم ليسوا بحاجة إلى إنتاج كل شيء في الولايات المتحدة» لاستقطاب جمهور عالمي، وفق نيرا.
وسرعان ما حققت «نتفليكس» نجاحات كبيرة إضافية مع مسلسلات أخرى بغير الإنجليزية، مثل المسلسل الفرنسي «لوبين»، والمسلسل الدرامي الكوري الجنوبي «سكويد غايم» (لعبة الحبار) الذي أصبح هذا العام أكثر المسلسلات مشاهدة على المنصة على الإطلاق.
ورغم أن سيناريو «لا كاسا دي بابيل» ليس «ثورياً»، فإنه يروي «قصة عالمية للغاية، عن الصراع بين الخير والشر... برسائل حول قوة المرأة والصداقة الحميمة والحاجة إلى التمرد»، وفق نيرا.
وأضافت الأستاذة الجامعية أن «لوبين» يتشارك كثيراً من سمات «لا كاسا دي بابيل»، مثل تركيزه على لص له جانب «أخلاقي معين» و«ذكي للغاية».
وكان المسلسل الإسباني محظوظا أيضاً لأن «نتفليكس» اشترت حقوقه بعد فترة وجيزة من إطلاق خدماتها في يناير (كانون الثاني) 2016 في أكثر من 130 دولة، ما أعطى العمل انتشاراً طال كل بلدان العالم تقريباً، باستثناء الصين.
وقال أستاذ الاتصال السمعي البصري في جامعة نبارة الإسبانية ألبرتو ناحوم غارسيا إن خوارزمية توصيات «نتفليكس» تعطي الأولوية لمسلسلات من قبيل «لا كاسا دي بابيل»، لما لها من قدرات على جعل المشاهدين في حالة «إدمان» على الأحداث.
وأضاف: «حصل تضافر للعوامل الإيجابية في مرحلة أصبح خلالها التوزيع عالمياً أكثر».
وقال نيرا إن المسلسل استفاد أيضاً من رغبة منصة البث التدفقي الأميركية العملاقة في الاستثمار بكثافة في الأعمال المدبلجة، وإضافة ترجمات إلى برامجها بعشرات اللغات.
كما أعطى النجاح العالمي لـ«لا كاسا دي بابيل» قطاع الصوتيات والمرئيات الإسباني دفعة هائلة.
وقال مبتكر المسلسل، أليكس بينا، الثلاثاء خلال مؤتمر صحافي في مدريد للترويج للجزء الثاني من الموسم الخامس والأخير من المسلسل، إن هذا العمل «جعل الإنتاجات الإسبانية تبلغ موقعاً لم نكن نحلم به أبداً».
ووقّعت «نتفليكس» عام 2018 عقداً مع «بينا» لإنتاج مسلسلات ومشروعات جديدة حصرياً لحساب المنصة العملاقة.
وفي العام التالي، افتتحت «نتفليكس» أول مركز إنتاج أوروبي لها في مدريد، كجزء من استثمار بملايين الدولارات في المحتوى باللغة الإسبانية.
وقال نائب رئيس المحتوى في «نتفليكس» لإسبانيا والبرتغال، دييغو أفالوس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «لا كاسا دي بابيل» أظهر أن «القصص يمكن أن يكون مصدرها في أي مكان في العالم، وأن تحظى بالتقدير في كل مكان حول العالم».
وقد أصبح كثير من أبطال المسلسل نجوماً منتظمين في مسلسلات أخرى على «نتفليكس».
ويشارك خايمي لورينتي الذي يؤدي دور السارق الغضوب دنفر وميغيل هيران، الذي يلعب دور قرصان المعلوماتية الشاب ريو، أيضاً في مسلسل «إيليت»، وهو عمل إسباني ناجح آخر على المنصة الأميركية.
وقال رئيس «نتفليكس»، ريد هاستينغز، إن من «المذهل» مشاهدة برامج إسبانية مثل «لا كاسا دي بابيل» و«إيليت» تسترعي اهتمام المعجبين «ليس في إسبانيا فحسب، ولكن على مستوى العالم».
وأضاف في افتتاح مركز إنتاج الشركة في مدريد: «هدفنا هو أن نكون جزءاً من المنظومة الإبداعية الإسبانية. نحن نستثمر على المدى الطويل».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».