أحزاب السلطة تجمع صفوفها في الانتخابات النقابية تمهيداً للاستحقاق النيابي

تنضم في تحالفات «على القطعة»... والمجتمع المدني وحيد

الرئيس ميشال عون اجتمع أمس مع وزير الداخلية بسام مولوي لبحث التحضيرات للانتخابات النيابية (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون اجتمع أمس مع وزير الداخلية بسام مولوي لبحث التحضيرات للانتخابات النيابية (دالاتي ونهرا)
TT

أحزاب السلطة تجمع صفوفها في الانتخابات النقابية تمهيداً للاستحقاق النيابي

الرئيس ميشال عون اجتمع أمس مع وزير الداخلية بسام مولوي لبحث التحضيرات للانتخابات النيابية (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون اجتمع أمس مع وزير الداخلية بسام مولوي لبحث التحضيرات للانتخابات النيابية (دالاتي ونهرا)

عكست الانتخابات النقابية الأخيرة في لبنان، التفافاً من قبل بعض الأحزاب السياسية الكبرى التي تخطت خلافاتها السياسية، وجمعتها تحالفات انتخابية «على القطعة» أدت إلى فوز المرشحين المدعومين منها، استعداداً للانتخابات النيابية التي لم تظهر ملامح التحالفات فيها حتى الآن، في مقابل «تشظ» في مجموعات المعارضة واختلافات في الرؤى بينها يقوض ائتلافها في قوائم انتخابية واحدة.
وبعد خسارة مدوية حققتها أحزاب السلطة في انتخابات نقابية وجامعية خلال العامين الأخيرين في مرحلة ما بعد حراك «17 تشرين» 2019. استطاعت تلك الأحزاب أن تعيد لملمة صفوفها، وتخوض انتخابات نقابية يداً بيد، بشكل مباشر أو بالاتفاق على دعم مرشحين بعينهم، ما أنتج خسارة للزخم الذي انطلقت به المجموعات المدنية، التي تعاني من «تضعضع في صفوفها»، حسب ما تقول مصادر معارضة، على ضوء «الخلافات فيما بينها على التحالفات الانتخابية، والتعاون مع قوى معارضة أخرى كانت موجودة في السلطة في فترة سابقة».
وتلاقت أحزاب السلطة على دعم مرشحين محددين «فرضهم حضور المرشح وليس الاتفاق السياسي»، بحسب ما تقول مصادر معارضة، وظهر ذلك في انتخابات نقابة محرري الصحافة أول من أمس التي فازت فيها القائمة المدعومة من مختلف الأحزاب اللبنانية برئاسة النقيب الحالي جوزيف القصيفي، وسبقتها انتخابات نقابة المحامين، حيث دعمت أحزاب في السلطة لا تلتقي على عناوين سياسية واحدة، مرشحين، ثم المحامي ناضر كسبار الذي وصل إلى موقع النقيب، وتلتها تجربة انتخابات نقابة الصيادلة التي فاز فيها جو سلوم، وذلك خلافاً لتجربة نقابة المهندسين التي فاز فيها المهندس عارف ياسين الذي رشحته القوى المدنية.
لكن التلاقي السياسي على دعم مرشحين محددين في الانتخابات النقابية، «لا يمكن البناء عليه بوصفه تحالفاً بالكامل»، بالنظر إلى أن كل انتخابات «لها ظروفها وحساباتها». وتقول مصادر قريبة من «حركة أمل» إنه في الانتخابات النقابية، «جرى تقاطع بين الحركة وأحزاب أخرى بينها (الكتائب) و(المستقبل) و(الاشتراكي) مثلا وغيرهم على دعم مرشحين في الانتخابات النقابية، لكن ذلك تحكمت فيه ظروف محددة متصلة بطبيعة الانتخابية، ولا يمكن تعميمها أو البناء عليها على أنها تحضيرات للانتخابات النيابية التي لم تظهر معالم الترشيحات والتحالفات فيها حتى الآن».
وإذ نفت المصادر حصول تحالفات مع أي من قوى المجتمع المدني، قالت إن حركة «أمل» «فتحت الباب للتعاون مع المجتمع المدني منذ ما بعد 17 تشرين 2019، عبر دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتمثيل الحراك في الحكومة، ثم دعوتهم في العام 2020 للتلاقي مع مطلبه لإقرار قانون انتخابات خارج القيد الطائفي والعبور نحو الدولة المدنية وإنشاء مجلس الشيوخ، لكن تلك المجموعات لم تستجب للدعوة». وقالت المصادر إن الأحزاب «إذا كانت تطور وضعها وتعيد تقييم مسارها، فستكون قيمة مضافة للوطن ولا تستدعي الخوف».
وتتعامل الأحزاب والقوى السياسية مع ملف الانتخابات النقابية بطريقة مختلفة عن الانتخابات النيابية التي تدخل فيها معايير مناطقية وحزبية بما يتخطى النقابات التي يعتبر المرشحون فيها من «النخب» وينتمون بأغلبهم إلى الطبقى الوسطى، ويفرضون ترشيحاتهم في بعض النقابات وبينها نقابة المحامين، على الأحزاب، كما تقول مصادر معارضة.
وبدا أن كل طرف وضع إطاراً لتحالفاته في الانتخابات النيابية المقبلة. ففي حين لم يقفل «الحزب التقدمي الاشتراكي» أبواب التحالف مع «القوات» و«المستقبل» في الدورة المقبلة، تؤكد مصادر «أمل» أن «التحالفات غير مقفلة مع أي طرف ضمن العناوين التي لا تتعارض مع ثوابت الحركة السياسية».
أحزاب المعارضة بدورها، لا تقفل ذلك الباب أيضاً، ضمن «العناوين والثوابت»، ويؤكد النائب المستقيل إلياس حنكش أن حزب «الكتائب اللبنانية» اتخذ خطاً واضحاً منذ سنوات، وحسم تموضعه في المعارضة، وعليه، فإن «كل نشاطاتنا نُفذت مع أشخاص من خارج مجلس الوزراء والبرلمان»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأقرب إلينا هم النواب المستقيلون والمجموعات والأشخاص الذين نتوافق معهم على أمرين، أولهما ملف السيادة ومعارضة الدولة ضمن الدولة، وكيفية مواجهة تدمير البلد»، وثانيهما «كيفية إدارة الدولة ومحاربة الفساد»، مؤكداً أننا «نتحالف مع أي شخص أو مجموعة ضمن هذين الثابتين».
غير أن تجربة «تضعضع المعارضة» في الانتخابات النقابية، أظهرت قوى المجتمع المدني وحيدة، ودفعتها لإجراء مراجعة، وسط تباينات جوهرية بين التيارات المدنية والمجموعات السياسية المولودة حديثاً بعد 17 تشرين. وتوضح مصادر معارضة أن الخلافات تبعثر المجموعات في اتجاهين مختلفين يظهران غياب مقاربة واحدة للانتخابات، قائلة: «أحدهما يرفض التحالف بتاتاً مع قوى سياسية كانت يوماً ما ضمن السلطة، والثاني لا يعارض ائتلافات انتخابية مع قوى معارضة، وتلتقي بالعناوين السيادية ومفهوم بناء الدولة معها، أو مع شخصيات مستقلة استقالت من الدولة وأجرت مراجعة لتجربتها». ويُضاف إلى ذلك انقسام القوى المدنية حول الطروحات المرتبطة بالمقاربات الاقتصادية أو العناوين السياسية المتصلة بـ«حزب الله» وغيره.
ويقول أحد مؤسسي مجموعة «أنا خط أحمر» وضاح الصادق إن تجربة المجموعات المدنية في الانتخابات النقابية «تحتاج إلى إعادة تقويم»، من غير أن يخفي التباينات التي دفعت أحزاب السلطة إلى «الاستفادة من عدم نضوجنا في العمل السياسي المعارض، لتحقيق خروقات في المشهد الانتخابي ويقود إلى اتجاه عاطفي ومتطرف بالرأي». ويضيف: «أثبتت التجربة أنه لا يمكن استبعاد كل مكونات المعارضة من أي استحقاق، ويجب أن يكون هناك تعاون لتحقيق الأهداف»، مشيراً إلى أن «تحقيق خرق لنقل المعارضة من الشارع إلى داخل المؤسسات، يحتاج إلى ائتلاف ربما مع قوة سياسية معارضة نلتقي معها بالعناوين السياسية، ونخفض سقف المعايير التي يفرضها شعار (نقاء الثورة) كي نتمكن من الائتلاف مع قوى فاعلة قادرة على إيصال صوتنا إلى المؤسسات».
ويشير إلى «إشكالية داخل صفوف المعارضة» يتمثل في الخلاف حول «تقبل مشروع بناء معارضة جدية على كامل لبنان وآخرين لا يتقبلون هذا الأمر، وهو جزء من المواجهة بيننا يقوض فرصنا لتحقيق خرق كبير في الانتخابات النيابية المقبلة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.