«تحت سماء أليس»... لبنان الأخضر في قصة مؤثرة

مخرجة الفيلم من أصول لبنانية تعود إلى وطنها الأم من خلاله

«تحت سماء أليس» فيلم سينمائي للمخرجة كلوي مازلو
«تحت سماء أليس» فيلم سينمائي للمخرجة كلوي مازلو
TT

«تحت سماء أليس»... لبنان الأخضر في قصة مؤثرة

«تحت سماء أليس» فيلم سينمائي للمخرجة كلوي مازلو
«تحت سماء أليس» فيلم سينمائي للمخرجة كلوي مازلو

كان يا ما كان، فتاة شابة تدعى أليس تركت بلدها سويسرا في الخمسينات متوجهة إلى لبنان كي تعمل مربية أطفال. وفي بيروت تلتقي فارس أحلامها فيتزوجان ويرزقان بفتاة ويعيشان حياة هنيئة إلى حين اندلاع الحرب الأهلية. عندها انقلبت حياة هذه العائلة الصغيرة رأساً على عقب. هي قصة الفيلم السينمائي «تحت سماء أليس» للمخرجة الفرنسية من أصل لبناني كلوي مازلو. وكان أهل الصحافة والإعلام لبوا دعوة الشركة الموزعة للفيلم «إم سي» لحضور عرضه الأول في سينما مونتاين في «المركز الثقافي الفرنسي» في بيروت. ومن المقرر أن تبدأ العروض في الصالات اللبنانية ابتداءً من 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
فمن خلال هذا الشريط السينمائي تقطع مازلو فترة هجرتها إلى فرنسا لتعود إلى وطنها الأم ولو لبرهة.
استوحت مازلو قصة العمل من شخصية جدتها السويسرية. وهي تجمع في شريط سينمائي يستغرق عرضه نحو 90 دقيقة، الفنون على أنواعها من موسيقى ورسم ومسرح وتقنية «أنيمايشن». يستعيد الفيلم الحرب الأهلية اللبنانية بأسلوب ذكي بحيث لا ينفر منها المشاهد. وضمن أجواء مفعمة بالأحاسيس المرهفة التي تلامس متابع العمل، يمضي المشاهد وقتاً ممتعاً وهو يتابع هذه الحكاية. موسيقى الفيلم وضعها بشار مار خليفة، وهي مؤلَّفة من ثلاثة مقاطع؛ «ذكريني» و«فالس رقم 15» لجوهانس برامز و«أغنية منى». وجميعها تعيدنا إلى الموسيقى الشرقية، التي طعمها خليفة بأسلوبه الـ«فرنكو – لبناني».
تلعب بطولة الفيلم الممثلة الإيطالية ألبا رورفاكر إلى جانب المخرج والممثل اللبناني الكندي وجدي معوض. كما تطل فيه دارينا الجندي وعدد من الوجوه اللبنانية التي نراها لأول مرة في عالم التمثيل، بينها أوديت مخلوف وجاد بريدي وماريا تنوري.
لم تستطع كلوي أن تصور الفيلم بأكمله في لبنان، فأنجزت قسماً منه في مناطق باريسية وصُور قسم كبير من المشاهد الخارجية في قبرص. ولجأت مازلو إلى تقنية الـ«أنيميشن» لبعض مشاهد الفيلم. فكانت بمثابة الجانب الحرفي الذي لون الفيلم لاستعادة ذكرى من الماضي أو للإشارة إلى مأساة أو منسوب الحب الذي تكنه «أليس» إلى «جوزف» حبيبها من خلال رسمها لقلب يمتلئ بالأحمر شغفاً.
وعرجت كلوي على الفن المسرحي عندما قدمت شخصيات غريبة متنكرة بأقنعة حيوانات، تتصارع بين بعضها في حرب الشوارع بشكل ساذج وكأنها لا تعرف مدى خطورة اللعبة التي تمارسها. تنجح مازلو في نقل أجواء الحرب مستخدمة عناصر غير نافرة، مبتعدة قدر الإمكان عن متاهات العنف وتعقيداته.
أما قصة الحب التي تدور بين البطلين فتأخذنا إلى عالم سوريالي، يعيدنا إلى الرومانسية الأصيلة. فأليس الرسامة الحالمة تغرم بجوزف البروفسور في علم الفيزياء، فيجمعان مع تناقضاتهما الفكر والقلب وحكاية حب أصيلة لا تلبث أن تمزقها حرب السبعينات.
وتتجلى مواهب مازلو الفنية في كيفية تقديمها لبنان الأخضر الذي طالما تغنوا بأرزه الخالد. اعتمدت الصور الفوتوغرافية بتقنية (ستوب موشين) لاستعادة أزقة بيروت العتيقة. وقدمت مقاهي الأرصفة ومحلات بيع الزهور والأسواق القديمة بأسلوب سينمائي جديد من نوعه. كما تمسكت المخرجة بتقديم رمز من رموز لبنان والأرزة الخضراء من خلال شخصية فتاة شابة تنبض بالحياة. فنراها تستقبل الزوار الأجانب على رصيف مرفأ بيروت، تدلهم على طريقهم، تقف أحياناً تتفرج خائفة على ما يحصل لوطنها. ومرات أخرى تبرز مازلو قساوة ما عانته هذه الأرزة بسبب نزاعات تجري بين أبناء البلد الواحد كي يستحوذوا عليها.
مزجت مازلو بين الخيال والواقع أكثر من مرة في مشاهد فيلمها. فاستعارت صوراً مجازية وأخرى سوريالية للإشارة إلى حدة الحرب وتأثيرها على العائلات، فهي تسببت بهجرة أولادهم مرات واقتلعتهم من جذورهم مرات أخرى، ودفعتهم إلى العيش في فوضى عارمة. قدمت المخرجة كل هذه الصور إضافة إلى أصوات القذائف والانفجارات مستخدمة مسافة وهمية لتبقيها بعيدة بحدتها عن المشاهد رغم واقعيتها. وبعد أن تهاجر منى ابنة جوزف وأليس إلى فرنسا ملتحقة بخطيبها هناك، تبدأ حياة هذه العائلة الصغيرة بالانهيار. وعندما ينصح الزوج جوزف زوجته أليس بأن تسافر وتعود إلى موطنها إلى حين عودة السلام إلى ربوع لبنان، ندرك أن قصة الفيلم شارفت على النهاية. فأليس تقع محتارة بين قلبها وعقلها، وتنجز معاملة السفر لزوجها أيضاً كي تضعه أمام الأمر الواقع. وحيدة نراها تستقل الباخرة نحو بلدها لأن مطار بيروت مقفل بسبب الحرب، تبدأ في كتابة رسالة وداع لحبيبها وهي على متنها، تمزقها وتعيد كتابتها أكثر من مرة فهي ترفض في قرارة نفسها أن تتخلى عن حبيبها، وأن تسمح للحرب بالانتصار على السلام في مشاعرهما الصادقة. وعندما تهم بتوقيع الرسالة وتلفظ كلمة حبيبي يحضر جوزف أمامها، لتسدل ستارة الفيلم على نهاية سعيدة يتوق اللبناني أن يعيش مثلها على أصعدة مختلفة.
مشوار سينمائي غني بالمشاعر والفنون والحنين إلى لبنان الجميل يأخذنا به فيلم «سماء أليس» أو(Sous le ciel d’Alice). يبرز الفيلم مواهب مخرجة فرنسية من أصول لبنانية اختارت السينما كي تعرج معها على وطنها الأم، فزياراتها إليه كانت محدودة، ولكنها عرفته عن قرب من خلال حكايات أجدادها.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.