العادات التاريخية لـ«تبجيل الأسلاف» في معرض أثري مصري

يضم 41 قطعة متنوعة

أيقونة قبطية (الشرق الأوسط)
أيقونة قبطية (الشرق الأوسط)
TT

العادات التاريخية لـ«تبجيل الأسلاف» في معرض أثري مصري

أيقونة قبطية (الشرق الأوسط)
أيقونة قبطية (الشرق الأوسط)

عبر 41 قطعة أثرية متنوعة، يسلّط معرض «الأرواح المتعززة... تبجيل الموتى في مصر عبر العصور» الضوء على مظاهر تبجيل الموتى والأسلاف في عصور مختلفة، والعادات الثقافية المرتبطة بذلك، وتبرز القطع الأثرية المشاركة من ثلاثة متاحف مصرية؛ هي المتحف المصري بالتحرير، ومتحف الفن الإسلامي، والمتحف القبطي، أشكال هذا التكريم وصور اختلافه، وتغير وسائل التعبير عنه من عصر إلى آخر، بداية من الدولة المصرية القديمة، مروراً بالقبطي، وحتى العصر الإسلامي، من خلال مجموعة من التماثيل والجداريات والأيقونات، يعبر كل منها عن الثقافة السائدة وقتها عن فكرة تبجيل الموتى والأسلاف.
معرض «الأرواح المتعززة... تبجيل الموتى في مصر عبر العصور»، تنظمه وزارة السياحة والآثار المصرية، بالتعاون مع كل من مركز البحوث الأميركي في مصر، والجامعة الأميركية بالقاهرة، في إحدى قاعات المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة).
ومن أبرز قطع المعرض الذي يستمر حتى 9 فبراير (شباط) عام 2022، لوحة للملك إمنحتب الأول من الحجر الجيري، تصوره وهو يمشي إلى الأمام، وكان هو ووالدته أحمس نفرتاري يحظيان بالتبجيل بشكل خاص من قبل سكان دير المدينة، (قرية العمال الذين كانوا يزينون المقابر الملكية في وادي الملوك)، وتحمل اللوحة اسم الملك رمسيس الرابع، الذي صنعها تبجيلاً لإمنحتب، وتعود إلى الفترة من 1146 إلى 1153 قبل الميلاد، وتمثال نصفي ملون من أحد بيوت دير المدينة، مكتوب على أسفله نص يقرأ «سيدة المنزل، خندجر، ارقدي بسلام». وهو أحد تمثالين نصفيين مكتوب اسم صاحبهما عليهما من قرية العمال، من المحتمل حسب السجلات الأثرية أن تكون هذه التماثيل النصفية تمثل أفراد الأسرة الراحلين، ومن العصر الروماني تمثال من الحجر الرملي لصبي وفتاة يقفان على قاعدة خلف ثعبانين متشابكين ملفوفين، وقد فقدا رأسيهما، ويعتقد أنهما يصوران توأمي كليوباترا ومارك أنتوني، كان الاسم اليوناني لهما هيليوس «الشمس» وسيلين «القمر».
وتختلف عادات تبجيل الأسلاف عند المصريين من عصر إلى آخر، وتتنوع طرق التعبير عن هذا التكريم وفق صباح عبد الرازق، مدير عام المتحف المصري في التحرير، التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «اختلاف عادات تبجيل الأسلاف عبر العصور يرتبط بالأساس بطريقة التعبير عن هذا التكريم، ففي الدولة المصرية القديمة كان يتم ذلك بنحت التماثيل واللوحات، وفي العصر القبطي عن طريق الأيقونات وجداريات الكنائس، أما العصر الإسلامي ارتبط ببناء الأضرحة وزيارة الأماكن المقدسة للتعبير عن قيم تعظيم الأولياء والتشفع بهم».
ومن العصر القبطي مجموعة أيقونات أثرية، أبرزها أيقونة السيدة العذراء مع الملائكة وخمسة عشر قديساً، وهي من الخشب الملون، وتعود إلى القرن الـ18 الميلادي، ويصور النصف العلوي من الأيقونة السيدة العذراء تحمل السيد المسيح، وعلى يمينها رئيس الملائكة ميخائيل، ويسارها يوحنا المعمدان، نصف الأيقونة السفلي به خمسة عشر قديساً في ثلاثة صفوف، وجزء من رداء كهنوتي عبارة عن «كمين» من الحرير، مطرز بملاكين محاطين بصلبان ملونة، والكم الأيمن مطرز بكتابات دينية أما الجزء السفلي توجد به كتابات تطلب المغفرة من الله، والكم الأيسر مطرز بكتابات تحمل اسم الأب المكرم، الأنبا يوانس، مع الدعوات إلى الله لتعويض المطرز عن هذا العمل الصالح لتمجيد اسم الله.
ومن العصر الإسلامي يضم المعرض مجموعة قطع متنوعة تبرز العادات الإسلامية الخاصة بتبجيل الأسلاف، منها لوحة رخامية تحمل أسماء العشرة المبشرين بالجنة، مكتوبة بالخط الكوفي المربع، ومنقولة من مسجد السيدة نفيسة، وتعود إلى العصر المملوكي، وجزء من التركيبة الضريحية لضريح الإمام الشافعي، مصنوعة من الخشب، وتعود للعصر الأيوبي، وأيضاً غطاء قبر السيد البدوي، مؤسس الطريقة الصوفية البدوية، وصاحب المسجد الشهير في مدينة طنطا، وهو من الحرير، ويعود إلى خوشيار هانم «أم الخديوي إسماعيل». كما يضم المعرض مخطوط «دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار»، وهو من أشهر المخطوطات الإسلامية التي تضمنت صيغاً للصلاة على النبي محمد، حيث تم نسخه في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وكتب صلوات المخطوط الذي يعود إلى العصر العثماني، الصوفي المغربي محمد بن سليمان الجزولي عام 869 هجرياً، 1465 ميلادياً، ويتضمن المخطوط تصويرتين للحرمين الشريفين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».