عاشت المرأة الأفغانية لسنوات طويلة في ظل الرجل في مجتمع قبلي محافظ يقرر فيه الرجل ما يريد، وظلت تعاني من التهميش في مختلف مجالات الحياة لسنوات كثيرة، وكانت أقتم وأظلم مراحل حياتها عهد حركة طالبان المتشددة التي منعت المرأة من الخروج من المنزل إلا بمحرم شرعي، كما منعتها من العمل في الدوائر الحكومية والتسوق وفرضت عليها نقابا ذا طابع أفغاني، وهو «التشادري» التي تغطي كامل جسم المرأة.
وأقدمت الحركة الأصولية على غلق المدارس الخاصة بالبنات أثناء سنوات حكمها التي امتدت من عام 1996 إلى نهاية عام 2001، إذ تمت الإطاحة بحكم طالبان عقب هجوم للقوات الأميركية وحلفائها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في نيويورك وواشنطن.
من حينها سعت الإدارة الجديدة في أفغانستان، التي تشكلت بدعم مالي كبير للدول المانحة، إلى إبراز دور المرأة الأفغانية في مجالات شتى في السياسية والاقتصاد ومشاركتها في المؤسسات الأمنية والمجتمع المدني، وحاولت الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية مساعدة المرأة الأفغانية من خلال برامج توعية ودورات تدريبية، محاولة استرجاع حقوقها المسلوبة وتثبيت مكانتها التي سلبت منها خلال السنوات الماضية وأثناء الحروب الأهلية التي شهدت البلاد بين الفرقاء المتخاصمين منذ أن سقط نظام «نجيب الله» آخر الرؤساء الموالين للاتحاد السوفياتي السابق في كابل عام 1991.
يعتبر جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية والعسكرية مجالا خصبا للمرأة الأفغانية للعمل فيها ومساعدة شقيقاتها اللاتي تتعرضن لعمليات العنف بكل أنواعه سواء كان ذلك العنف المنزلي أو عنف المجتمع الذكوري الذي دأب على إلحاق الضرر بالمرأة واعتبرها عنصرا ثانويا مهمشا في المجتمع. وزارة الداخلية الأفغانية فتحت أبوابها على مشاركة الفتيات في جهاز الشرطة منذ أن أعيد بناء هذه الوزارة عقب رحيل طالبان، غير أن الإقبال كان ضعيفا من قبل النساء، وذلك بسبب المخاوف الأمنية وعدم رغبة الأهالي في مشاركة فتياتهم في جهاز الشرطة. غير أن الوزارة وبمساعدة الممولين من المؤسسات الغربية وشرطة الاتحاد الأوروبي تمكنت من إقناع 180 امرأة بالالتحاق بجهاز الشرطة عام 2005م لمساعدته في تنفيذ مهمات خاصة في الحرب ضد الإرهاب وتفتيش المنازل وكذلك تفتيش السيدات أثناء القيام بمهمات أمنية خاصة على المنازل المشتبه بها وفقا للداخلية. فالمجتمع الأفغاني لا يقبل تفتيش النساء من قبل الرجال، وهذا ما سبب كثيرا من سوء الفهم ومشكلات أثناء قيام القوات الأميركية وحلف الأطلسي بمداهمة منازل الأفغان، خصوصا في مناطق الباشتون في الجنوب والشرق الأفغانيين حيث تنشط فيهما طالبان وجماعات مسلحة أخرى. وارتفعت أصوات مناهضة للوجود الأجنبي بسبب مداهمة المنازل وتفتيش السيدات، ما جعل الرئيس السابق حميد كرزاي يأمر بوقف جميع العمليات الليلية ومداهمة المنازل إلا بوجود عسكريين أفغان.
تقول الداخلية إن الحاجة كانت ماسّة لوجود شرطيات في الجهاز لرفع التحدي الأمني، حيث ارتفع عدد الشرطيات في جهاز الشرطة إلى 1551 عنصرا مع نهاية عام 2013، ومع مطلع العام الحالي بلغ عدد الشرطيات في جهاز الشرطة نحو 5 آلاف شرطية يعملن في مختلف المجالات في مقر الداخلية وفي دوائرها الأمنية، وكذلك في مداخل العاصمة كابل. تقوم الشرطيات بتفتيش السيارات التي تدخل إلى المدنية التي تضررت من عمليات انتحارية تم تنفيذها من قبل عناصر استعملت الزي النسوي.
كثيرة هي الدول والمؤسسات التي شجعت المرأة الأفغانية على المشاركة في الأجهزة الأمنية وقامت بتدريبها وتجهيزها لتكون عنصرا فعالا في المجتمع الأفغاني. ومؤخرا تم إرسال 190 شرطية إلى تركيا بهدف تأهيلها وتدريبها بأحداث أنواع الأسلحة والوسائل الأمنية لترجع إلى بلادها وتقف جنبا إلى جنب الرجل في حماية البلد ومساعدة المرأة الأفغانية في حل مشكلاتها التي لا تبوح بها إلا للمرأة.
تقول حفيظة بلال، وهي ناشطة حقوقية، إن المرأة الشرطية هي أفضل من تفهم المرأة وتستمع إلى مشكلاتها، وإن المرأة الأفغانية لا تبوح بأسرارها حتى لأشقائها ووالدها، مضيفة أن وجود الشرطيات في جهاز الشرطة يساعد في تقليل الجرائم ضد المرأة كما تقلل من عمليات العنف والاضطهاد التي تتعرض لها المرأة الأفغانية من قبل الرجل، سواء كان ذلك في المنزل أو خارجه.
هناك شرطيات أفغانيات اقتحمن مجال الشرطة وأثبتن نجاحهن وتفوقهن على الرجل. جميلة بياض واحدة من هؤلاء، فهي أول قائدة للشرطة في إحدى دوائر الشرطة في كابل، أُمّ لخمسة أولاد، تخرج من بيتها صباح كل يوم إلى مكان عملها وسط حراسات مشددة من الشرطة، تلقي النظر على الملفات الأمنية والحوادث الأمنية التي وقعت في دائرتها، وهي تقوم بإشراف مباشر على معظم تلك الملفات، ثم تقوم بجولة وسط صخب الشارع على نقاط تفتيش تابعة لها وسط كابل وقرب المدينة القديمة غرب كابل.
تقول بياض إنها اختارت جهاز الشرطة بعدما رأت المظالم من قبيل قطع الأذن والأنف للمرأة من قبل الرجل في كثير من الولايات، ومن حينها قررت الدخول في جهاز الشركة ومساعدة المرأة في حل مشكلاتها. تضيف بياض بأنها تدرك المخاطر الأمنية والصعوبات التي تواجهها في عملها سواء كان ذلك من قبل المسلحين المعارضين للنظام أو من قبل زملائها في العمل وأقربائها الذين منعوها من العمل كشرطية، لكنها قررت المضي قدما، متجاهلة كل التهديدات، وهي الآن من الشرطيات الناجحات، وقد حققت ما لم يحقق الرجل خلال سنتين من عملها في قيادة الشرطة.
نيلوفر رحماني قائدة طائرة في الجيش الأفغاني هي الأخرى أثبتت جدارتها في السلك العسكري، وهي أول امرأة تقود الطائرات الحربية والمروحيات العسكرية في الحرب الجارية ضد مقاتلي طالبان، وقد تدربت رحماني على يد المدربين الأميركان الذين يسعون إلى تدريب أكبر قدر ممكن من الطيارين ليحلوا محلهم بعد انسحابهم النهائي من أفغانستان نهاية عام 2016، وقد حصلت نيلوفر رحماني على جائرة المرأة الشجاعة لهذا العام في الولايات المتحدة الأميركية وسافرت إلى هناك لتسلم الجائزة، وأشارت إلى أنها مصممة على البقاء في الأجهزة الأمنية لخدمة مواطنيها ومواطناتها مقابل الجماعات الإرهابية التي تعمل لزعزعة أمن واستقرار البلاد.
الصورة ليست وردية في جهاز الشرطة بالنسبة إلى الشرطيات، فهن يواجهن متاعب ومشكلات كثيرة، ومؤخرا نشرت مؤسسات حقوقية مستقلة أن الشرطيات في جهاز الشرطة يتعرضن لعمليات التحرش الجنسي من قبل زملائهن في العمل وأنهن يواجهن إهانات ومضايقات من قبل زملائهن في العمل. وأشارت التقارير إلى أن الشرطيات يستعملن نفس الحمامات التي تستعملها الشرطة من الرجال، كما سجلت حالات مضايقات من قبل زملائهن في العمل أثناء تبديل الملابس، وأنهن لا يجدن غرفا مستقلة لتبديل الملابس في مقرات عملهن وفقا للتقارير المستقبلة التي نفتها الداخلية وقالت إنها ستقوم بحل المشكلات التي قد تواجهها الشرطيات.
وخلال سنوات مشاركة المرأة في جهاز الشرطة تم استهداف ضابطات وشرطيات من قبل مسلحين ينتمون إلى طالبان أو مسلحين مجهولين في مناطق مختلف من أفغانستان، خصوصا في الجنوب والشرق الأفغاني. ففي ولاية هلمند معقل طالبان السابق في جنوب البلاد قتل المسلحون ضابطة شرطة أثناء توجهها لمقر عملها وسط مدينة لشكرغاه عاصمة الولاية، وهذا حادث أظهر بشكل واضح أن عمل الشرطيات الأفغانيات ليس مفروشا بالورود وإنما المخاطر تنتظرها سواء كان ذلك من قبل المسلحين الذين يرفضون أصلا خروج المرأة من المنزل أو من قبل المتطرفين الذين يرون أن المرأة خلقت للإنجاب والأعمال المنزلية وحتى من قبل أهالي الشرطيات الذين يرون في مشاركة فتياتهم في الشرطة خروجا على المألوف وكسرا للتقاليد والأعراف القبلية.
جهاز الشرطة أصبح مجالاً خصبًا لعمل المرأة الأفغانية
5 آلاف يعملن فيه.. وجميلة بياض تتولى قيادته في العاصمة كابل
جهاز الشرطة أصبح مجالاً خصبًا لعمل المرأة الأفغانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة