«بيروت ترنم»... صوت الموسيقى يزيح شبح العتمة عن العاصمة اللبنانية

من نجومه ماركو شيابوني وفرح ديباني وغي مانوكيان

يصدح صوت السوبرانو الديباني في أمسية 15 ديسمبر في أسواق بيروت
يصدح صوت السوبرانو الديباني في أمسية 15 ديسمبر في أسواق بيروت
TT

«بيروت ترنم»... صوت الموسيقى يزيح شبح العتمة عن العاصمة اللبنانية

يصدح صوت السوبرانو الديباني في أمسية 15 ديسمبر في أسواق بيروت
يصدح صوت السوبرانو الديباني في أمسية 15 ديسمبر في أسواق بيروت

عتمة حالكة تسود العاصمة اللبنانية في شوارعها وبيوتها وفي أجوائها السياسية والاجتماعية. انقطاع التيار الكهربائي من ناحية، وعدم التواصل بين المسؤولين من ناحية ثانية، أغرق المدينة في أجواء قاتمة. لكن بقعة ضوء تلوح من بعيد، إثر إعلان مهرجان «بيروت ترنم» تنظيم نسخته الـرابعة عشرة.
وابتداء من الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ينطلق المهرجان لغاية 23 منه، تحت عنوان «وتبقى الموسيقى». مع برنامج موسيقي غني بأصوات وبعزف وأداء نجوم عالميين ومحليين، يعود قلب بيروت ينبض من جديد. وعلى مدى 23 أمسية وليلة، سيتاح للبنانيين أن يحذفوا بعض همومهم من أجندتهم اليومية، ويستمتعوا بفنون الموسيقى.
يفتتح المهرجان في 1 ديسمبر (كانون الأول) مع التينور الإيطالي ماركو شيابوني يرافقه على البيانو فابيو سينتاني. يقدمان معاً أمسية أوبرالية بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي في بيروت، وذلك في كنيسة مار يوسف في شارع مونو. أما حفل اختتام المهرجان في 23 ديسمبر (كانون الأول)، فيشهد عزفاً للموسيقي اللبناني غي مانوكيان. وسيتسنى لعدد كبير من اللبنانيين، حضوره في أسواق بيروت في الهواء الطلق وسط العاصمة. وقالت مديرة المهرجان ميشلين أبي سمرا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لن نتعب أو نستسلم للصعوبات التي تواجهنا في وطننا إثر تراكم الأزمات. بالنسبة لنا بيروت لا تقهر وستبقى ست الدنيا حتى وهي تعاني. نعيش العذاب والذل والقهر والألم هذا صحيح، ولكن كل ذلك يحفزنا على الوقوف من جديد. هذا خيارنا ونحن متمسكون بمدينتنا وموقعها الثقافي في العالم، إننا على ثقة بأن بلدنا لا ينكسر».
ومن نجوم العزف والغناء المشاركين في «بيروت ترنم» الميزو سوبرانو المصرية فرح الديباني التي ترافقها مينا نبيل حنا على البيانو. «ستكون حفلة من العمر» تشرح أبي سمرا في سياق حديثها وتتابع: «ستحييها في 15 ديسمبر (كانون الأول) في أسواق بيروت وتغني خلالها لأسمهان وفيروز وأم كلثوم وغيرهم من عمالقة الغناء في العالم العربي. فهي حائزة على جائزة أكاديمية الأوبرا في باريس عن فئة الغناء. وسبق وغنت في حفلات ضخمة أقامها رؤساء جمهورية عديدون بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونقلت الحفل يومها القناة الفرنسية (فرانس 24)».
ومن الفنانين المشاركين في المهرجان، عازف البيانو جوناثان فورنيل الحائز على جائزة مسابقة الملكة إليزابيت لعام 2021. وكذلك السوبرانو أنا ماريا لابان وكاتارينا دي تونو مع التينور أنيشيو جورجي غوستينيانو الذين يقدمون مجتمعين سهرة غنائية يرافقهم فيها كورال جامعة الأنطونية. ويحيي كل من الفنانين اللبنانيين عبير نعمة وغادة شبير وميرا عقيقي وماتيو الخضر ولينا الفرح حفلات بين 2 ديسمبر (كانون الأول) و19 منه. فيما يقدم التينور اللبناني أيضاً روي الحاج حفلة بعنوان «Hello vida piano» في 20 ديسمبر (كانون الأول) في كنيسة مار إلياس القنطاري بالتعاون مع السفارة البرازيلية في لبنان. وتعلق ميشلين أبي سمرا: أنّ «روي الحاج تينور لبناني عالمي هاجر إلى أميركا منذ صغره، واستطاع بموهبته الغنائية المميزة في عالم الأوبرا أن يحصد جوائز عديدة بينها (غرايمي أووردز) لعام 2017». وتشير أبي سمرا إلى أنّ هذه الحفلات ستقام بناء على حجز أماكن مسبقة ضمن بطاقات مجانية يحصل عليها الناس من مركز «فيرجين» وسط بيروت. وقد اعتمدنا هذه الطريقة من أجل تطبيق التباعد الاجتماعي في صالات الحفلات، كون الحضور سيكون عددهم محددا».
وتؤكد أبي سمرا أنّ تفاعلاً ملحوظاً لمسه القيمون على تنظيم المهرجان من قبل النجوم العالميين الذين لبوا دعوتهم من دون تردد. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «حضور هذا النوع من الحفلات في البلدان الأجنبية يتطلب تكلفة مادية لا يستهان بها. نحن هنا في لبنان نقدمها مجاناً بفضل هؤلاء الفنانين الذين لم يتوانوا عن مساندتنا كل على طريقته. فبينهم من سيقدم حفله من دون أي مقابل مادي، وآخرون حصلوا على مبالغ رمزية للإشارة إلى تشجيعهم الكبير لنا. ولا يمكننا أن ننسى السفارات والمراكز الثقافية الأجنبية التي ساعدتنا في تنظيم المهرجان، ومن بينها إسبانيا وإيطاليا والبرازيل وأميركا وسويسرا.
ومن الحفلات الموسيقية الأخرى التي يشهدها المهرجان «ذا جاز غروف» وهي كناية عن أمسية موسيقية يحييها الثلاثي ساتيان مع الموسيقيين كاتشاتور سافزيان وفؤاد عفرم وآرتور ساتيان. فيما يقدم عازف الفلوت والدودوك كيفورك كيتشينيان أمسية ذات طابع موسيقي أرمني، يشاركه فيها عازفة البيانو أرين دونيريان والسوبرانو شوغيغ طوروسيان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».