افتتاح مهرجان القاهرة، الخامس والعشرين من الشهر الجاري، لم يختلف كثيراً عن افتتاح الدورات السابقة من حيث التنظيم. خط سير السيارات ما بين ماريوت هوتل ودار الأوبرا التي تقع على مسافة غير بعيدة استغرق وقتاً طويلاً بسبب الاحتياطات الأمنية وزحمة السير.
في الصالة الكبرى لدار الأوبرا، مكث الحضور بانتظار افتتاح متأخر عن موعده، لكن هذا الحضور اعتاد ذلك وتوقعه في كل دورة. محطات التلفزيون كانت تصطاد فناني السينما المصرية وتتحدث لهم على حساب الوقت الضائع. السجادة الحمراء كانت تمهيداً لدخول الفنانين واستعراضا للأزياء معاً.
ثم جاء التقديم والتكريم وكل هذا أضاف إلى السهرة فصولاً مهدورة بالنسبة لمن جاء ليشاهد فيلم الافتتاح. أما الذين جاءوا للسهرة ذاتها فكان ما سبق الفيلم من مشاهد واستعراضات على المنصة مرحبا به، تأخر وقته أو لم يتأخر.
دورة في الزمن الصعب
يقام مهرجان القاهرة بدعم جيد من وزارة الثقافة المصرية. تؤكد وزيرة الثقافة، د. إيناس عبد الدايم، التي تابعت أدق التفاصيل بغية إنجاح هذه الدورة الثالثة والأربعين، ذلك حين تقول إن «فريق المهرجان بالتعاون مع الجهات المعية يعمل منذ عام كامل على أن يقدم للجمهور أكثر مما هو متوقع، كما تشير إلى حرص الحكومة المصرية على إنجاح المهرجان وتقدمه باعتباره، المهرجان السينمائي الأهم في منطقة الشرق الأوسط». في الواقع إن مهرجان القاهرة السينمائي هو حفل على أكثر من صعيد. هو بالطبع مهرجان للسينما العالمية، ولقاء حميمي بين الوافدين والمقيمين يطمئن كل منهما على أحوال الآخر في ظل ظروف حياة بالغة الصعوبة وآخر بين هواة السينما والتظاهرات المهمة التي يحتويها المهرجان.
هناك المسابقة الكبرى التي تحتوي على 15 عشر فيلماً وتظاهرة «أسبوع النقاد الدوليين» التي يديرها الزميل أسامة عبد الفتاح وتظاهرة «آفاق السينما العربية» التي يديرها الزميل رامي عبد الرازق، ثم بحر من الأفلام المبرمجة خارج المسابقة والعروض الخاصة والبانوراما الدولية.
يعمل مهرجان القاهرة حسب ما تعنيه كلمات «مهرجان سينمائي عالمي» موفراً أعمالاً قادمة من دول عديدة حول القارات الخمس ومئات الأفلام والمشاركات وعدد غير معروف بعد من الضيوف والمشاركين من لجان تحكيم إلى ضيوف شرف ومن نقاد وصحافيين إلى سينمائيين يحتفى بوجودهم. في الوقت ذاته، وفي إطار العمل المجهد الذي يتولاه المهرجان ورئيسه محمد حفظي، هناك الظروف الصعبة التي تمر بها المناطق المختلفة من العالم. جائحة إثر أخرى تلف أطرافه وتضرب حيث تشاء وكلما فتحت الدول أبوابها لاستقبال وافدين وسياح ورجال أعمال، اشرأب متحور جديد يقال إنه أقوى من سابقه.
وبينما يرتفع عدد الضحايا وعدد متلقي اللقاح في الوقت ذاته، لا علم لأحد بتفاصيل ما يدور: كيف يدرك المشرفون في المنظمات الصحية أن هناك متحورا جديدا سيظهر بعد أسابيع؟ كيف يرون المستقبل فيعلنون أن الفصل المقبل سيشهد انخفاضاً أو تصعيداً؟ ما هي أسرار ذلك اللقاح ولماذا بات من الضروري تلقيه مرتين وثلاث، وكيف يكون ناجعاً إذا ما كانت بعض تلك المنظمات تعلن أن المتحور الجديد أوميكرون لا يكفيه اللقاح كعلاج؟
ما الذي يحدث تماماً؟ أهو فشل عالمي أو، كما يقول فريق لا بأس اليوم بحجمه، خطة مدبرة لقلب موازين الحياة والقوى حول العالم؟
لا أحد يعلم لكن الجميع يتصرف هنا حسب ما تقتضيه إجراءات السلامة. والمهرجانات السينمائية حول العالم باتت تتشدد أكثر وأكثر في عملية التلقيح، أثبتت فاعليتها على النحو المنشود أم لا.
مواجهة في فيلم الافتتاح
بات من المبهج أن يتابع المرء أفلاماً لا يرتدي من فيها الكمامات. الحياة تبدو أجمل على الشاشة من تلك التي ينتمي إليها المشاهدون. الخيال صار أفضل بكثير من الواقع وهو دوماً ما كان يتجاوزه. معظم ما سنراه من أفلام في المسابقة وخارجها لا يدور حول المحنة التي نعيشها بل تعرض لحياة تبدو اليوم كما لو كانت تقع على كوكب آخر أو في زمن بعيد.
فيلم الافتتاح وعنوان «المسابقة الرسمية» يتماشيان والجو الفكاهي الذي ساد التقديم على منصة المهرجان في سهرته الأولى. هو أيضاً كوميدي ولو أنه أكثر عمقاً من العديد من أفلام اليوم التي تنتمي إلى هذا النوع.
إحدى حسناته الأساسية هي أنه يدور حول صنع الأفلام (هناك عدد كبير منها في السنوات الأخيرة) ومن زاوية غير مطروقة. بينيلوبي كروز تؤدي دور مخرجة غادرت الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» بالجائزة الأولى. يختارها رجل أعمال صناعي بالغ الثراء (جوزيه لويس غوميز) لكي تحول رواية نالت جائزة نوبل للسينما.
اللقاء الأول بين المخرجة لولا ورجل الأعمال أمبرتو يستحق دخول التاريخ: هي المخرجة المدركة وذات الرؤيا والخبرة. هو الرجل الذي اشترى حقوق الرواية من دون أن يقرأها ولديه صفر - خبرة في السينما (وما ينتمي لها). لا يستطيع أمبرتو الإفصاح إلا عن رغبته في صنع فيلم يخلده كمنتج حول الرواية التي ربحت نوبل تحت إدارة المخرجة التي ربحت السعفة. هي، في الجانب المقابل، المخرجة التي لديها فكرة واضحة حول ما الذي ستستطيع فعله في نطاق هذا الفيلم وكيف ستخرجه إلى العلن.
نقطة المواجهة الثانية هي بين ممثلي الفيلم الرئيسيين فيلكس (أنطونيو بانديراس) وإيفان (أوسكار مارتينيز). كل منهما ينتمي إلى مفهوم مختلف عن الآخر بالنسبة لماهية التمثيل والأداء. الأول يستمد مفهومه من النجاح الكبير الذي حققه على الشاشة. الثاني يستمده من التعاليم الأكاديمية التي يدرسها حين لا يقف أمام الكاميرا.
الفيلم من إخراج خفيف الإيقاع والوقع من قبل المخرجين الأرجنتينيين ماريانو كوون وغاستون دوبارل. السيناريو الذي كتباه (مع أندريه دوبارت) يكشف أوراقاً مهمة في عملية صياغة الفيلم وإن كانت ليست ذاتها الأوراق التي يكشف عنها كل فيلم. هو يدور في الاستثناء لكنه يوفره كفعل عام. هذا ضروري حتى لا يبدو الفيلم محصوراً كرصد لوضع محدود. لكن ما يثير التساؤل هو كيف اختار المخرجان لبينيلوبي كروز أن تبدو أقرب لعارضة أزياء منها إلى مخرجة. هي ليست مرسومة كنموذج فني أكثر مما هي مقدمة كنموذج لـ«نجمة سينمائية» تقف وراء الكاميرا.
بالطبع يستفيد من ممثليه الأساسيين بانديراس وكروز ولا يخشى قدراً من الكاريكاتور بغية الوصول إلى تأثير مماثل. لكن هذا لا ينجيه من اللوم. الدافع للاستفادة من هذين الاسمين المحبوبين أوروبيا وفي مناطق شتى بدا كما لو أنه ساد أي دافع آخر للجمع بينهما. لكن الفيلم ينقذ نفسه بإصراره على تقديم نموذج لما تقوم السينما عليه اليوم. لذا، إذا ما بدا مفرطاً في سخريته فإن هذا الإفراط ناتج عن حالة حاضرة يسبر الفيلم، بنجاح متفاوت من فصل أحداث لآخر، غورها.
بلوغ السعودي: حكاية خمسة نساء
تظاهرتان مهمتان بدأتا يوم أمس (الأحد)، تستحقان المتابعة والاهتمام. كلتاهما لمن يبحث عن جديد. التظاهرة الأولى (من دون تفضيل إحداهما على الأخرى) هي تظاهرة «آفاق السينما العربية» والثانية هي تظاهرة «أسبوع النقاد الدوليين».
في الأولى نجد الفيلم السعودي «بلوغ» المؤلف من خمس حكايات من إخراج خمس نساء هن سارة مسفر، فاطمة البنوي، جواهر العامري، هند الفهاد، ونور الأمير. كذلك نجد «قدحة» للمخرج أنيس الأسود (تونس)، و«لو انهارت الجدران» لحكيم بلعباس (المغرب)، و«يوميات شارع جبرائيل» لرشيد مشهراوي (فلسطين)، و«فياسكو» لنيقولا خوري (لبنان)، و«من القاهرة» لهالة جلال (مصر)، و«هيليوبوليس» لجعفر قاسم (الجزائر)، و«دفاتر مايا» لجوانا حاجي توما وخليل جريج (لبنان)، و«كل شي ماكو» لميسون الباجه جي (العراق)، و«أطياف لمهدي هميلي (تونس)، و«النهر» لغسان سلهب (لبنان).
سبعة أفلام في «أسبوع النقاد الدوليين «وهي «إمبارو» لسيمون ميسا سوتو (السويد، كولمبيا) و«قمر أزرق» لألينا غريغور (رومانيا) و«قلب الغابة المظلم» للسيرج ميرزابكيانتز (بلجيكا) و«لا سيڤيل» لتيودورا آنا ميهال (بلجيكا، مكسيك) و«الغريب» لأمير فخر الدين (سوريا) و«ڤيرا تحلم بالبحر» لكاتريننا كراسنيكي (كوزوڤو، ألبانيا) و«جذور برية» لهاجيني كيس (المجر).
يخبرني رئيس تظاهرة «أسبوع النقاد الدوليين» شيئاً عن اختياراته:
«صرفت فترة طويلة تمتد لعدة شهور على اختيار هذه الأفلام وحرصت على أن تكون فازت بجوائز أولى، مثل «قمر أزرق» الذي فاز بجائزة مهرجان سان سيباستيان الأولى و«لاسيڤيل» الذي نال جائزة من تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان «كان». أنا شخصياً فخور بهذه الاختيارات وأعتقد أنها ستثير نقاشات لجنة التحكيم على نحو إيجابي». تضم لجنة التحكيم هنا الناقد الفرنسي سيدريك سوكيوڤيللي والناقد التونسي إبراهيم لطيف والممثلة المصرية ناهد السباعي.
أما لجنة تحكيم «آفاق السينما العربية» فتشمل الناقدة المصرية أمل الجمل والناقدة المغربية جيهان بوكرين والناقدة الأرمينية دايانا مارتيروسيان.