تحوّل دولي تجاه جرائم الانقلابيين وانتهاكاتهم بحق المدنيين في اليمن

نصب خيام لنازحين في مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة (رويترز)
نصب خيام لنازحين في مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة (رويترز)
TT
20

تحوّل دولي تجاه جرائم الانقلابيين وانتهاكاتهم بحق المدنيين في اليمن

نصب خيام لنازحين في مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة (رويترز)
نصب خيام لنازحين في مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة (رويترز)

في تحول يتجاوز سنوات من مهادنة ميليشيات الحوثي، سلطت ثلاث من كبرى المنظمات الدولية الضوء على الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ميليشيات الحوثي في حق المدنيين، بالذات في محافظة مأرب، واستهداف مئات الآلاف من النازحين، ووثقت جزءاً من معاناة المدنيين في المناطق التي استهدفتها ميليشيات الحوثي خلال الشهرين الماضيين، ما يعكس إدراكاً متأخراً لهذه المنظمات لحجم الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون والكلفة الإنسانية البالغة لاستهدافهم.
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمة «هيومن رايس ووتش»، أصدرت ثلاثة تقارير متتالية ركزت فيها على الانتهاكات التي طالت المدنيين في جنوب محافظة مأرب والنازحين منها، وحذرت من أن نحو مليون نازح في محافظة مأرب معرضون للخطر، وأن اقتراب القتال نتيجة تصعيد ميليشيات الحوثي قد أجبرها على إغلاق خمسة من مخيمات النزوح في المحافظة، وأطلقت دعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار «لأن الحل السلمي هو الذي سيضمن وقف المزيد من المعاناة»، وهو الموقف الذي تتخذه الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها بقيادة السعودية، فيما ترفضه ميليشيات الحوثي.
ووفق شابيا مانتو، المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين، فإنه لا يمكن وقف حدوث المزيد من المعاناة سوى عن طريق الحل السلمي للصراع، وأن العائلات القادمة من منطقة صرواح تُعد من بين الأكثر احتياجاً. ففي الأسابيع الأخيرة، فر العديد من السكان من الاشتباكات المسلحة والمكثفة، مما أدى إلى إغلاق خمسة مواقع للإيواء تديرها المفوضية. وقد اضطرت بعض هذه العائلات للنزوح خمس مرات حتى الآن منذ بدء الصراع الذي اندلع في عام 2015.
المسؤولة الأممية تحدثت عن المخاطر التي يواجهها أكثر من مليون نازح، وقالت إنه ومع تحول خطوط المواجهة في مأرب، واقترابها من المناطق المكتظة بالسكان، فإن حياة أكثر من مليون شخص من النازحين داخلياً معرضة للخطر، لا سيما أن إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة لهم. وقد أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين عن قلقها البالغ إزاء سلامة وأمن المدنيين في محافظة مأرب اليمنية، ومن ضمنهم أكثر من مليون شخص من النازحين داخلياً، مع احتدام القتال في المدينة.
المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين، قالت «إنه لا يمكن وقف حدوث المزيد من المعاناة سوى عن طريق الحل السلمي للصراع»، وحذرت من أن أي تصعيد إضافي في النزاع سوف يؤدي إلى نشوء المزيد من حالات الضعف بين صفوف السكان في مأرب – خصوصاً النازحين داخلياً. وذكرت أن حوالي 40 ألف شخص اضطروا للفرار داخل مأرب منذ شهر سبتمبر (أيلول)، ويمثل ذلك ما يقرب من 70 في المائة من كافة حالات النزوح في هذه المحافظة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من البلاد من بداية العام، وأن 120 ألف شخص نزحوا خلال العام الحالي.
منظمة «هيومن رايتس ووتش» كانت الأكثر في تفصيل جزء من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين في جنوب مارب، وأكدت أن ميليشيات الحوثي أطلقت قذائف مدفعية وصواريخ باليستية بشكل عشوائي على مناطق مأهولة بالسكان في المحافظة، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين بينهم نساء وأطفال، كما استهدفت قرويين في جنوب المحافظة دون أن تكون هناك أي أهداف عسكرية، وطلب من الميليشيات وقف هجماتها العشوائية فوراً، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
وإذ أكدت أن سلوك ميليشيات الحوثي «أصبح نمطاً مخزياً يضاف إلى سجل المجموعة السيئ في مجال حقوق الإنسان»، طالبتها بـ«إنهاء هجماتهم العشوائية على الفور، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في مأرب». ونقلت عن شهود عيان تأكيدهم قيام هذه الميليشيات بمحاصرة 35 ألفاً من سكان مديرية العبدية لمدة تقارب الشهر، ومنعتهم من الخروج أو الدخول، ومنعت دخول الطعام والوقود والسلع الأخرى، وأنها قصفت بالمدفعية عشوائياً مديريتي العبدية والجوبة، وأطلقت صواريخ باليستية على مدينة مأرب، وجعلت من شهر أكتوبر (تشرين الأول) أكثر الشهور دمويةً منذ سنوات، حيث قتل أو جرح أكثر من 100 مدني بينهم أطفال.
ويصف رجل فر من مديرية الجوبة، مع أسرته في 27 أكتوبر بينما كان القصف المدفعي الحوثي العنيف يقترب من منزلهم، ويقول: «في الليلة التي قررنا فيها الفرار، أصابت شظايا القصف ابني، وفي اليوم التالي في منطقة العمود بقينا في منزل الأقارب». إلا أن صاروخاً أطلقته ميليشيات الحوثي أصاب المنطقة، فقتل 12 من أبناء عمومته وأصدقائهم، مع أن مقاطع الفيديو والصور التقطت في منطقة العمود، على بعد 20 كيلومتراً جنوب مدينة مأرب، ولا تظهر أي أهداف عسكرية في المنطقة.
وقال عمال إغاثة إن المدنيين الذين فروا من مديرية العبدية نهاية أكتوبر إلى مدينة مأرب وصفوا الحصار الذي فرضته ميليشيات الحوثي هناك حيث حوصر مدنيون، ومنع دخول السلع الأساسية. مع إنه لا توجد معدات عسكرية أو مقاتلون، لكن الميليشيات استولت عليها لإجبار الناس على الانضمام إلى قواتها.
المنظمة الدولية للهجرة، بدورها، دقت ناقوس الخطر بسبب تدهور الوضع الإنساني في محافظة مأرب، حيث يتسبب تصعيد ميليشيات الحوثي في خسائر فادحة في صفوف النازحين والمهاجرين والمجتمعات التي تستضيفهم. ودعت بشكل عاجل إلى إنهاء الأعمال العدائية الجارية، وذكرت أن عدد الأشخاص الذين فروا للمرة الرابعة أو الخامسة إلى أكثر من 45.000 نازح منذ سبتمبر الماضي، وحذرت كريستا روتنشتاينر، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، من احتمال «إجبار مئات الآلاف من الأشخاص على الانتقال مرة أخرى إذا وصلت أحداث العنف إلى مدينة مأرب، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، وتدمير البنية التحتية»، وقالت إن مواقع النزوح البالغ عددها 137 موقعاً في المحافظة شهدت زيادة بنحو عشرة أضعاف في عدد الوافدين الجدد منذ سبتمبر، وأن المنظمة «لم نشهد هذا القدر من اليأس في مأرب خلال العامين الماضيين، حيث تُجبر المجتمعات على النزوح بشكل متكرر وهي في حاجة ماسة إلى معظم الأساسيات»، وأنه في بعض الأحيان يتشارك 40 شخصاً في خيمة واحدة صغيرة.
وتقدر مصفوفة تتبع النزوح أن 10.000 شخص فروا من منازلهم في سبتمبر عندما بدأ الصراع في التصاعد. واستمر هذا الاتجاه بمعدلات مثيرة للقلق، حيث تضاعف في أكتوبر بعدما نزح ما يقرب من 20.000 شخص، في حين فر أكثر من 15.000 شخص من المناطق المتضررة من النزاع إلى أماكن أكثر أماناً في مأرب في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، مع اقتراب خطوط المواجهة من المدينة، إذ يفر المزيد من الناس إلى مأرب الوادي، الجزء الشرقي البعيد من المحافظة الذي يعاني من شُح في الخدمات.
ولا تقتصر المعاناة على النازحين اليمنين، بل امتدت إلى حوالي 3.500 مهاجر تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء المحافظة، حسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، حيث تستمر التحولات في خطوط المواجهة بإعاقة الرحلات التي يقوم بها المهاجرون للوصول إلى مأرب، حيث كان المهاجرون في المناطق القريبة من القتال أكثر عرضة للاحتجاز والعمل القسري والعنف الجنسي منذ التصعيد الأخير للنزاع.


مقالات ذات صلة

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

العالم العربي جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد بمحافظة مأرب عن انتهاكات جماعة الحوثي في البيضاء (سبأ)

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

كشف تقرير حقوقي يمني عن توثيق نحو 13 ألف انتهاك لحقوق الإنسان في محافظة البيضاء (وسط اليمن) ارتكبتها ميليشيا الحوثي خلال السنوات العشر الأخيرة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: غروندبرغ ملتزم بالوساطة... والتسوية اليمنية

في أعقاب فرض عقوبات على قيادات حوثية، أكد مكتب المبعوث الأممي التزامه بمواصلة جهوده في الوساطة، والدفع نحو تسوية سلمية وشاملة للنزاع في اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الحوثيون يحكمون قبضتهم على مناطق شمال اليمن ويسخرون الموارد للتعبئة العسكرية (أ.ب)

عقوبات أميركية على قيادات حوثية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة أمس على سبعة من كبار القادة الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي الأمم المتحدة تخطط للوصول إلى 12 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة هذا العام (إ.ب.أ)

انعدام الأمن الغذائي يتفاقم في 7 محافظات يمنية

كشفت بيانات أممية عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في 7 من المحافظات اليمنية، أغلبها تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وسط مخاوف من تبعات توقف المساعدات الأميركية.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي الشراكات غير العادلة في أعمال الإغاثة تسبب استدامة الأزمة الإنسانية في اليمن (أ.ف.ب)

انتقادات يمنية لأداء المنظمات الإغاثية الأجنبية واتهامات بهدر الأموال

تهيمن المنظمات الدولية على صنع القرار وأعمال الإغاثة، وتحرم الشركاء المحليين من الاستقلالية والتطور، بينما تمارس منظمات أجنبية غير حكومية الاحتيال في المساعدات.

وضاح الجليل (عدن)

الحوثيون: سنتخذ إجراءات عسكرية ضد إسرائيل بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة

عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون: سنتخذ إجراءات عسكرية ضد إسرائيل بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة

عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)

قال الحوثيون في اليمن، اليوم (الاثنين)، إنهم سيتخذون إجراءات عسكرية بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة لرفع الحصار عن قطاع غزة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الجمعة، إن الحركة ستستأنف عملياتها البحرية ضد إسرائيل إذا لم تُنهِ تعليقها دخول المساعدات إلى غزة خلال 4 أيام، مما يشير إلى تصعيد محتمل.

وشنت الحركة المتمردة المتحالفة مع إيران أكثر من 100 هجوم على حركة الشحن البحرية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قائلة إن الهجمات تضامن مع الفلسطينيين في حرب إسرائيل على حركة «حماس» الفلسطينية في قطاع غزة، وتراجعت الهجمات في يناير (كانون الثاني) بعد وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.

خلال تلك الهجمات، أغرق الحوثيون سفينتين واستولوا على أخرى وقتلوا 4 بحارة على الأقل، مما أدى إلى اضطراب حركة الشحن العالمية لتُضطر الشركات إلى تغيير مسار سفنها لتسلك طريقاً أطول وأعلى تكلفة حول جنوب القارة الأفريقية.

وقال الحوثي، الجمعة: «سنعطي مهلة 4 أيام وهذه مهلة للوسطاء فيما يبذلونه من جهود، إذا استمر العدو الإسرائيلي بعد الأيام الأربعة في منع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واستمر في الإغلاق التام للمعابر ومنع دخول الدواء إلى قطاع غزة فإننا سنعود إلى استئناف عملياتنا البحرية ضد العدو الإسرائيلي. كلامنا واضح ونقابل الحصار بالحصار».

وفي الثاني من مارس (آذار)، منعت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات إلى غزة مع تصاعد الخلاف حول الهدنة، ودعت «حماس» الوسطاء المصريين والقطريين إلى التدخل.

ورحّبت الحركة الفلسطينية بإعلان الحوثي، الجمعة. وقالت في بيان: «هذا القرار الشجاع الذي يعكس عمق ارتباط الإخوة في أنصار الله والشعب اليمني الشقيق بفلسطين والقدس، يعد امتداداً لمواقف الدعم والإسناد المباركة التي قدموها على مدار خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة في قطاع غزة».