فؤاد يمين: «أشحّل» من حياتي ما لم يعد يصنع متعتي

يشارك في بطولة مسلسل «8 أيام» على «شاهد»

فؤاد يمين: «أشحّل» من حياتي ما لم يعد يصنع متعتي
TT

فؤاد يمين: «أشحّل» من حياتي ما لم يعد يصنع متعتي

فؤاد يمين: «أشحّل» من حياتي ما لم يعد يصنع متعتي

يتفرّغ فؤاد يمين للكتابة الدرامية في السينما والمسلسلات القصيرة، وللتمثيل الذي لا يشترط بحراً من الوقت. تتغيّر أولوياته، فيخبر «الشرق الأوسط»، أنّه «يُشحّل» كل ما لم يعد يحرّك فيه الشعور بالمتعة. دخل عالم التلفزيون مقدّماً للبرامج، ثم وجهاً دعائياً لإعلانات لاقت شهرة. لكنّ السينما لم تتوقف عن استمالته، كخشبة المسرح وعناق الغيتار. تألّق في التقديم حيناً وارتكب الدعسة الناقصة حيناً آخر. الأخطاء تدرّب على «الفلترة»، فتصبح المصفاة لعبة المرء المفضّلة.
يعرض «شاهد» مسلسل «8 أيام» ابتداء من 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وفؤاد يمين في البطولة. يكشف ملامح الدور: «ألعب شخصية مقرصن، يجمع معلومات حول وقوع جريمة قتل صديق قريب». الأحداث تتّضح تباعاً، من كتابة مجدي السميري وإخراجه (إنتاج «فالكون فيلمز»)، فنكون أمام جثة ومصادفات وتهمة تطارد من لا دخل له بها.
افتتح قبل سنتين شركة سمّاها «أباجور» لصناعة المحتوى الدرامي لأفلام ومسلسلات قصيرة، واليوم يتفرّغ لها. يتوسّع المشروع ليضمّ مجموعة كتّاب يبحرون في الأفكار. ومنذ التوسّع، أرغم فؤاد يمين نفسه على اتخاذ قرارات جديدة: «لم تعد المسلسلات المقرر تصويرها لأربعة أو خمسة أشهر ضمن أجندتي. تخلّيتُ عنها. الوقت هو خصمي الأول، فإن لم أهزمه هزمني. أصوّر أفلام سينما تتطلّب انشغالاً نحو الشهر، ومسلسلات قصيرة. أفضّل أداء الدور المُركّب».
يرى النمطية كشبح يخشى التعبّط به. حين أضحكَ في أدوار، تهافتت عليه الشخصيات الكوميدية. لم يعد يراه أحد سوى بدور واحد: فؤاد الذي يُضحك! «لِمَ؟»، يتساءل. وزنه الزائد في بداياته ساهم في تنميط الشخصية. خسره فأصبح فؤاد آخر، في الشكل والروح. راح صنفٌ مختلف من الأدوار يطل برأسه: «أدركوا أنني أصلح أيضاً للدراما والشخصيات المضطربة نفسياً. تيقّنوا أنّ الممثل الذي يُضحك هو القادر على أداء دور مؤثر، فيصدّقه الناس. يكفي الصدق».
ما أكثر القرارات أهمية في رحلة العمر؟ يجيب فؤاد يمين: «إن نفعل ما نحب». حين شاء الابتعاد عن تقديم البرامج قبل ثلاث سنوات، لم تهدأ الاتصالات: «تعالَ قدِّم برنامجاً على محطتنا»، طرقت شاشات لبنانية بابه. إلا أنّ استفهاماً ظلّ يؤرقه: «يا أخي، أنتَ، أين متعتك؟». فرضخ واستجاب لنداء القلب.
علّق حضوره كمقدّم و«ستاند آب كوميديان» في الخزانة. منذ ثورة «17 أكتوبر (تشرين الأول)» إلى اليوم، بلغ عدد أفلام السينما التي صوّرها عشرة، بعضها أُرجئ عرضه وبعضها عُرض «أونلاين»، فلم يلقَ شهرة واسعة. يسعده أنّ منتجين كثراً بدأوا يلاحظون أقلام الكتّاب في شركته ويطلبون المزيد: «نكبُر خطوة خطوة». وبعدما كانوا يقصدونه لكتابة نص كوميدي، ترسيخاً لصورته كممثل مُضحك، أصبحوا يعتادون على فؤاد يمين الكاتب الدرامي. هل هذا إنكار لفضل الكوميديا في نجاحك؟ يردّ: «لا. أنا مدين لها، فقد صنعتني وقرّبتني من الجمهور. لكنّ المتعة الحقيقية حيث نوازع النفس الإنسانية».
يعترف بالواقع المرير وهو يتحدث عن حبّه للدور المركّب وشغفه ببناء شخصية عميقة: «لا أخفي موافقتي على أدوار لا تحاكي طموحي الفني. وضعُ لبنان يرغمني على قبول ما قد لا يرضي قناعاتي. نضطر للعمل أحياناً من أجل المال. قد لا يكون الدور ممتعاً والشخصية جديدة، لكنني أشعر بالذنب إن رفضت. باتت المعادلة: الحمد لله أننا نعمل. آخرون، في جميع المجالات، يتضوّرون جوعاً. أفكر بأنني إذا رفضتُ الدور، فسأحرم عائلتي مدخولاً إضافياً. عدنا سنوات إلى الوراء، ولا مجال لرفس النعمة».
في الحياة، مشاعر لا ندركها إلا بالموسيقى، المحطة الراسخة في مشوار فؤاد يمين بصحبة غيتاره. يصادقه كإنسان لا يسبب الخذلان. من عمق القسوة، تخفف النغمات حدّة الواقع الجارح. بالنسبة إليه، الغيتار شريكه في البوح. فهو حين يعيش حالة رفض أو اعتراض أو غضب، يتخذ الموسيقى لغة ورسالة، عوض الاستفزاز والتسديد الوضيع: «الغيتار يلطّف خشونة الزمن. هو متنفّس أكثر من كونه مهنة لكسب المال».
زوجته هي الممثلة سيرينا الشامي، لديهما ابن اسمه وسيم. قبل المرور على الأبوّة وظلالها في النفس، يستيقظ سؤال: ماذا عنكما أمام الكاميرا؟ لِمَ لم تلتقيا بعد؟ يجيب بأنهما صوّرا معاً فيلماً، والثاني على الطريق، «نؤدي دور صديقين». ويخطّطان لمشروع مسرحي لشغفهما بالخشبة، ينتظران تحسّن الأحوال لتنفيذه، «فلا يعود الهَم من أين نؤمّن المازوت وبأي ثمن نُسعّر البطاقة»!
أمّا الأبوّة فجعلته إنساناً جديداً. يخبرنا عن علاقته بوسيم كمن يرتجل قصيدة: «حين بدأت ألاحظ تأثّره بي، صممتُ على أن أكون أفضل نسخة عن نفسي. أنا في تحدٍّ مستمر للذات. قد أخفق أحياناً حين تتسرّب رواسب من الماضي فتقتحم حاضري. لكنني أسعى إلى التصالح أكثر مع داخلي، فأكون ما يريدني طفلي أن أكونه».
محزنٌ أنّه لم يستسلم يوماً لليأس اللبناني، إلى أن وجد نفسه بين مخالبه. يعلم أنّ الوحش أكبر من مجرد الرغبة في القضاء عليه، لذلك يبتعد: «أركز على عائلتي وعملي. هما الملاذ الأخير».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».