رحيل الفنانة المصرية سهير البابلي «ملكة المسرح»

عن عمر ناهز 86 عاماً بعد صراع مع المرض

سهير البابلي وشادية في مسرحية ريا وسكينة
سهير البابلي وشادية في مسرحية ريا وسكينة
TT

رحيل الفنانة المصرية سهير البابلي «ملكة المسرح»

سهير البابلي وشادية في مسرحية ريا وسكينة
سهير البابلي وشادية في مسرحية ريا وسكينة

غيّب الموت أمس، الفنانة المصرية الكبيرة سهير البابلي عن عمر ناهز 86 عاماً بعد صراع قصير مع المرض، حيث نُقلت إلى أحد المستشفيات إثر مضاعفات مرض السكر، وتعرضها لجلطة وضعف في عضلة القلب.
وتعد البابلي واحدة من نجمات المسرح المصري الكبار، وأطلق عليها النقاد لقب «ملكة المسرح المصري» لحضورها الأخاذ وموهبتها الفنية الكبيرة، وقد وصفها المخرج جلال الشرقاوي بأنّها ممثلة مسرح نادرة الوجود. وقدمت البابلي عروضاً مسرحية لا تزال تفجر الضحك وتملأ الشاشات بالبهجة، من بينها: «مدرسة المشاغبين»، و«ريا وسكينة، و«الدخول بالملابس الرسمية»، بالإضافة إلى «ع الرصيف»، التي أثارت جدلاً سياسياً. وفي السينما شاركت في بطولة 42 فيلماً مع كبار الممثلين ومنهم سعاد حسني وعبد الحليم حافظ ونور الشريف، ولعبت بطولة مسلسلات تلفزيونية ناجحة على غرار «بكيزة وزغلول»، و«شنطة حمزة».
سهير البابلي المولودة في 14 فبراير (شباط) عام 1937، بمحافظة دمياط (شمال مصر)، كانت تحلم منذ طفولتها بأن تكون مطربة واتجهت لدراسة الموسيقى، وجمعت بينها وبين دراسة المسرح في معهد التمثيل، وتتلمذت على يد الفنان جورج أبيض، وقد واجهت رفض والدتها في البداية، لكنّها واصلت حلمها بإصرار، واتجهت خلال فترة الستينات من القرن الماضي لتقديم العروض الكلاسيكية بمسرح الدولة على غرار «شمشون ودليلة»، و«سليمان الحلبي»، و«الفرافير» ليوسف إدريس، و«نرجس» لجان أنوي.
وجاء عرض مسرحية «مدرسة المشاغبين» 1973، ليحقق نجاحاً جماهيرياً واسعاً، ونجومية كبيرة لأبطاله وفي مقدمتهم عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي وبطلة العرض سهير البابلي التي أثبتت من خلاله قدراتها المسرحية، وجسدت شخصية المدرسة «عفت» التي تتصدى للطلاب المشاغبين وتنجح في تقويمهم.
وفي مسرحية «الدخول بالملابس الرسمية» التي مثلتها أمام أبو بكر عزت وإسعاد يونس وكانت من إخراج السيد راضي، جسدت شخصية امرأة ثرية تطلب طباخاً للعمل لديها وتتزوجه بعد أن تعجب به، ونالت المسرحية نجاحاً كبيراً، وتضاعف نجاحها وتألقت موهبتها مع مسرحية «ريا وسكينة» أمام الفنانة شادية وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير، الذي جمعته بها مشاهد كوميدية صارخة، واشتهرت الفنانة بالخروج عن النص، وصرحت في حديث سابق بأنّ معظم مشاهدها مع الفنان أحمد بدير في «ريا وسكينة» كانت تنطوي على خروج على النص، لأنّه لا يوجد ممثل كوميدي لا يخرج على النص، لكن هناك خروجاً يضيف للعمل ويكون من وحي اللحظة، ونابعاً من الموقف نفسه.
وبرعت البابلي في تقديم المسرح السياسي الذي ينتقد أوضاعاً اجتماعية أو شخصيات سياسية، كما في مسرحية «ع الرصيف» للمخرج جلال الشرقاوي، التي أثارت جدلاً كبيراً وعواصف سياسية ونقدية ورقابية لجرأتها، كما انتقدت بعض الوزراء بأسمائهم في مسرحية «نص أنا ونص أنت» أمام إسعاد يونس وإخراج حسين كمال عام 1988، مما أثار الرقابة ضدها، وقد وصفها المخرج جلال الشرقاوي بأنّها «ممثلة مسرح نادرة الوجود».
وحسب د. أسامة أبو طالب أستاذ النقد والدراما في أكاديمية الفنون فإنّ سهير البابلي تعد واحدة من باقة الممثلات المصريات اللاتي لم يتكررن على المسرح، وتضم هذه الباقة أمينة رزق، وسميحة أيوب، وسناء جميل، ومحسنة توفيق، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «شقت سهير طريقها بنجاح وحققت مكانة فنية من خلال موهبة حقيقية وذكاء كبير، وقدمت أعمالاً ناضجة في مسرح الدولة مثل (نرجس) التي أدت من خلالها معزوفة بالغة الرقي والجمال مع الفنان حسن عابدين».
ويشير أبو طالب كذلك إلى «دورها في مسرحية مأخوذة عن نص للشاعر الإسباني لوركا، وترجمها إلى العربية كنص مسرحي الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وأخرجها الروسي ليسلي بلاتون، وكانت تقدمها بالتبادل مع محسنة توفيق، وبرعت كل منهما في تقديم أداء مختلف وبديع، وكان أهم ما يميز سهير البابلي قدرتها على تقديم الكوميديا والتراجيديا بالبراعة ذاتها مثلها في ذلك مثل سناء جميل، كما كانت في مسرح جلال الشرقاوي متألقة ومتحققة وبلا منافس، وفي مسرحياتها مع فرقة (الفنانين المتحدين) ازدادت تألقا وجمالاً».
مع العندليب
وتضم مسيرة سهير البابلي السينمائية نحو 42 فيلماً، بدأت منذ أواخر الخمسينات من خلال أدوار ثانية في أفلام «إغراء، وصراع مع الحياة، وموعد مع الماضي، وصائدة الرجال، والمرأة المجهولة». وفي عام 1961 شاركت في فيلم «يوم من عمري» أمام عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت وعبد السلام النابلسي، كما شاركت النجمة سعاد حسني في فيلم «أميرة حبي أنا» إخراج حسن الإمام، وقدمت مع المخرج الكبير يوسف شاهين فيلم «حدوتة مصرية» 1982، كما لعبت أدواراً كوميدية في أفلام «ليلة عسل» أمام عزت العلايلي، و«ليلة القبض على بكيزة وزغلول» أمام إسعاد يونس بعد نجاحه الكبير كمسلسل تلفزيوني، ومن أهم أعمالها الدرامية مسلسلات «لمن نحيا، وجراح عميقة، ومشيت طريق الأخطار، وعم حمزة».
اعتزال وعودة
واتخذت سهير البابلي قرار ارتداء الحجاب واعتزال التمثيل عام 1979، ونفت أن يكون الإمام الشعراوي وراء قرارها مؤكدة أنّه لم يطلب منها ارتداء الحجاب ولا اعتزال الفن، لكنه انتقد بعض مشاهدها في مسرحية «ريا وسكينة»، وجاء قرار الحجاب بعد أن سبقتها إليه ابنتها نيفين مما أشعرها بالحرج، ورغم توقفها عن التمثيل فإنّها عادت إليه بدافع من الشيخ الشعراوي الذي قال لها لا يوجد ما يمنع تمثيلك بالحجاب، المهم ماذا ستقدمين للناس، وقدمت بعد عودتها مسلسل «حبيبة» الذي جسدت من خلاله شخصية أم صعيدية تسعى للم شمل أسرتها لكنّها سرعان ما انسحبت من الفن، وتنقلت الفنانة بين السعودية ومصر حيث اختارت الإقامة لسنوات في رحاب المدينة المنورة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».