ورد الخال في «معزوم ويانا»... العين ميزان الحياة

أعدّت وزوجها باسم رزق بالحلقة الـ«داود باشا» و«أم علي»

ورد الخال في «معزوم ويانا»... العين ميزان الحياة
TT

ورد الخال في «معزوم ويانا»... العين ميزان الحياة

ورد الخال في «معزوم ويانا»... العين ميزان الحياة

هذه المرة، ورد الخال في المطبخ. بالجينز والـ«تي شيرت» لتسهيل الحركة، تطل في برنامج «معزوم ويانا» عبر تلفزيون «أبوظبي». للمرأة لحظاتها الخاصة في مطبخها، فما تصنعه هو الطعام المعجون بالحب. فيه مساحتها الإبداعية و«فشة الخلق». ونَفَسها الذي يطيّب الأطباق. على طريقة المصريين في «الهزار»، يسأل الكوميدي عمرو وهبة زوج النجمة، الموسيقي باسم رزق، عن مهاراتها في الطبخ: «أخبار ورد إيه في المطبخ»، ويشدّد على ضرورة الاعترافات الصادقة. فإذا بالزوج يقدّر الجهد: «جيدة جداً. تحب المطبخ والطبخ». تُبيّنهما الحلقة متجانسين، يتحكمان بالمقادير والمكونات.
التقديم للشيف الإماراتي سعود المطروشي، مع الكوميدي عمرو وهبة، وخُذ على طبخ بنكهة الضحكات. الشيف جدّي، يطارد تفاصيل الطبق. هو يشدّ ووهبة يُرخي، فيحدث التوازن. الحلقة معلومة وتسلية. تتعلم الطبخ وتبتسم للأجواء في المطابخ، فيمرّ الوقت بضغط نفسي أقل. هذا إن لم تحترق الطبخة وتتخبّط الخلطة. ورد الخال صديقة مطبخها، تملك مفاتيحه المذهّبة. وهي نجمة منزلها، في الحب الناضج والرفقة والعشرة والأطباق المستوية.
طبقان في الحلقة: «أم علي» و«داود باشا». باسم رزق يقطّع البصل وورد الخال تستفسر من الشيف سعود عما يسهّل عملها. يجيب ويذكّر: «لا تنسوا متابعة الوصفات على حساباتنا في السوشيال ميديا». المطبخ رسالة، ويهمّه أن تصل إلى كل بيت. يترك الجانب الترفيهي لرفيق الحلقات عمرو وهبة. وهما يكمل كلاهما الآخر، فتنتهي الجلسة بطبخة ونكتة. لا ملل، والوقت يمضي بلطف.
الشاشة أقسام؛ ومن ألمانيا، والعراق، ومصر ولبنان، يحضّر هواة المطبخ مع الشيف والضيف طبق الحلقة. الأهم؛ هو الحب. فلا يُعدّ الطبق بتعب؛ بل بطيب خاطر... بحنان الأم... بشغف الطاهي... بحُسن التعامل مع الخضراوات والفاكهة، ومع الصحون والطناجر... هذه العلاقة السحرية بين ما يغلي على النار وما يستريح في البطن، وقد شقّ طريقه بسعادة نحو الأمعاء الخاوية، ليجعل المذاق بمرتبة عالية، ونيران الشبع لا تنطفئ.
حين رحّب الشيف سعود وعمرو وهبة بورد الخال، ذكروا لبنانَ «بلد الطعام الجميل». وحين ختما الحلقة، شكرتهما على حُسن الضيافة رغم المسافات، وتمنّت اللقاء القريب بهما. ولمزيد من الإغراء، تُرفق الأمنية بدعوة: «سنلتقي وجهاً لوجه على سفرة لبنانية». وكم شهية تلك السُفر، بالحمّص والبابا غنوج، بالتبولة والكبّة والمشاوي، وما يحرّك الآن عصافير البطن ويستفزّ الزقزقة!
تسأل ورد الخال الشيف سعود: «هل حرارة الفرن مناسبة؟». بدوره؛ يسأل ضيوفه من المسافات البعيدة: «شو صار معاكم؟». يطمئن إلى الوجبات قبيل استوائها. مع ملاحظة: «خلّي عينك عَالطبخة»، لتفادي الاحتراق وشطط الطعم. ويسدي نصيحة أساسية في فن المطبخ: «العين هي الميزان». نظرة تكفي لدوزنة المكونات. وإحساس يكفي لعناق الطبق.
يشرح عمرو وهبة أنّ الـ«أم علي» حاضرة في طقوس الأفراح المصرية، تقريباً بحضور العروس والعريس. وأول ما تتناوله اليد في «البوفيه» هي هذه الحلوى التي تدغدغ هرمونات الفرح. يحرص الشيف سعود على الشكل كمقدّمة للطعم: «أبغيه يحمرّ»، فاحمرار الطبق يجمّله، ويحجز له مكاناً في المعدة. هذه الأخيرة تشبه الغابة، ذئابها تعوي في الليل تحديداً، ولا يعود النوم ممكناً، فالأصوات تعلو وتضجّ. والمرء مشغول في ضجيجه. ويله إسكات الأمعاء، وويله إسكات الذنب بعد الإفراط في الاستجابة لنداءاتها.
وقد استدرك عمرو وهبة قسوة المشاعر الناجمة عن صراع المعدة مع العقل، فهوّنها على الناس: «الطعام الصحي ليس لذيذاً. الطعام الدسم هو اللذة كلها! هذه المعادلة باختصار». الـ«أم علي» والـ«Healthy»، «ما ينفعش». لا يلتقيان. ومن الأفضل وفق نصيحته «قتل الضمير». فالجرائم المتعلقة بالشهية، تشترط أولاً جملة من كلمتين: «موِّت ضميرك». هذا نسفٌ بالكامل لمعادلة عمرو وهبة الساخرة: «Calories أقل... مصيبة أقل». لا نجاة من المصائب إن ابتُليت بعشق الأطايب!
الحلوى صديقة الطبق الرئيسي؛ ولا يزال الموزّع الموسيقي باسم رزق يساعد زوجته في التقطيع والفرم. إنّه وقت تحضير «العيش» لتقديمه مع الـ«داود باشا»، فيستغرب مصري يشارك في تفجير المواهب المطبخية: «العيش هو الأرزّ؟»، فيفسّر الشيف الإماراتي سعود أنّ الخليجيين يسمّون الأرزّ «العيش»، فيما «العيش» في مصر هو الخبز. في المناسبة، هو يفضّله منكّهاً بالبهارات «الصحيحة». أي رشّة إضافية تُفسد الطبق وأي رشّة ناقصة تسلبه روحه. «العين هي الميزان»، نصيحة في الحياة وداخل المطبخ.
الوقت على وشك النفاد، وهذه المعادلة المُعذّبة لا تتعلق فحسب بنضوج الأطباق ونهاية الأوقات السعيدة، بل أيضاً بأوراق العمر. ولا تنسَ دائماً توافر الخيارات. في الطبخ وفي اليوميات الهاربة. فورد الخال إن لم تمتلك الفستق المبشور لتزيين الـ«أم علي»، فلا بأس بالفستق بلا بَشِر. ففي الحالتين: «الطعم وايض حلو»، كالحلقة وحلاوتها في بساطتها ونجمتها المتمكّنة من المطبخ كأنّه دور من أدوار الحياة. الاتقان هو الجدوى الجمالي الوحيد، ومعنى أن يشعر الإنسان بطعم الوجود. هذا الطعم الحلو - المرّ، سحره في التوازن. فنانو الخلطات سعداء. التعساء هم من تخونهم مقاديرهم.


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)