حكاية نيكاراغوا... وإرثها السانديني والسوموزي

حكاية نيكاراغوا... وإرثها السانديني والسوموزي
TT

حكاية نيكاراغوا... وإرثها السانديني والسوموزي

حكاية نيكاراغوا... وإرثها السانديني والسوموزي

نيكاراغوا هي الدولة الأكبر مساحة في أميركا الوسطى. وقعت تحت سيطرة التاج الإسباني مطلع القرن السادس عشر حتى نهاية العقد الثاني من القرن التاسع عشر قبل انتقالها إلى إمبراطورية المكسيك الأولى في عام 1821، ومن بعدها إلى جمهورية أميركا الوسطى الاتحادية لتنال استقلالها في عام 1838 تحت اسم دولة نيكاراغوا، ثم جمهورية نيكاراغوا في عام 1854.
تتميّز نيكاراغوا بطبيعة بركانية ومناخ مداري يجعل من أرضها خصبة لمحاصيل زراعية كثيرة، وفيها مجموعة من البحيرات بينها «بحيرة نيكاراغوا» الأكبر في أميركا اللاتينية.
شهدت نيكاراغوا اضطرابات سياسية عنيفة مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث كانت همزة الوصل ونقطة العبور بين المحيطين الأطلسي والهادئ، تستخدمها القوافل التجارية ومجموعات المهاجرين نحو كاليفورنيا في الولايات المتحدة سعياً وراء الذهب، ما جعل منها الموقع الاستراتيجي الأول في أميركا الوسطى. لكن مع وصول المحافظين إلى الحكم في عام 1858 دخلت البلاد مرحلة من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، جعلت منها الدولة الأكثر استقراراً وازدهاراً في أميركا الوسطى، وإحدى أهم المراكز الاقتصادية في القارة الأميركية. هذا ما جعلها جاذباً دفع إليها بموجات من المهاجرين الأوروبيين، خصوصاً من ألمانيا وإيطاليا، ما أدى بدوره إلى زيادة ازدهارها في الوقت الذي كانت الدول المجاورة مثل هندوراس والسلفادور وغواتيمالا وكوستاريكا تشهد صراعات مسلّحة وانقلابات عسكرية متتالية.
تشكّل صادرات البُنّ عماد الاقتصاد في نيكاراغوا بنسبة 65%، تليها المعادن الثمينة 14%، وزراعة التبغ الذي يعد من أجود الأنواع في العالم.
تميّزت العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي في نيكاراغوا باضطرابات سياسية متواصلة وتدخلات عسكرية أميركية متكررة برزت في مواجهتها شخصية البطل القومي الجنرال أوغوستو ساندينو الذي خرج من صفوف الفلاحين ليقود ثورة ضد الاحتلال الأميركي لبلاده، انتهت بتوقيعه معاهدة سلام حلّ بموجبها جيشه الثوري قبل أن يصدر الحكم بإعدامه وينفَّذ في 21 فبراير (شباط) 1934.
منذ ذلك التاريخ وحتى عام 1979 تعاقب على الحكم في نيكاراغوا عدد من الطغاة الذين كانوا ينتمون جميعاً إلى أسرة سوموزا، في الوقت الذي كانت البلاد تشهد ازدهاراً اقتصادياً بفضل الاستثمارات الأميركية في قطاعي الزراعة والمعادن. وفي عام 1972 تعرّضت العاصمة ماناغوا لزلزال مدمّر أوقع ما يزيد على 10 آلاف ضحيّة، أعقبته مرحلة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية بسبب الفساد الحكومي في إدارة المساعدات الدولية.
لم تدم طويلاً المواجهة المسلّحة بين نظام سوموزا وثوار «الجبهة الساندينية»، لكنها أوقعت عدداً كبيراً من الخسائر البشرية بين المدنيين، خصوصاً بسبب الغارات الجوية العشوائية التي كان الجيش يشنّها ضد المدن والقرى، إلى أن تمكّن «الشباب» الذين كانوا يشكّلون طلائع القوات الثورية من دخول العاصمة ماناغوا في 19 يوليو 1979 بعد أن غادرها سوموزا مع عائلته. وفي عام 1981 كان الجيش السانديني، مدعوماً بالخبراء الكوبيين والسوفيات، قد تحوّل إلى أقوى جيش في تاريخ أميركا الوسطى.
استمرّت سيطرة الجبهة الساندينية على السلطة في نيكاراغوا حتى عام 1990 عندما انهزم أورتيغا في الانتخابات أمام مرشّحة المعارضة فيوليتا تشامورو، ولم يتمكّن الساندنيون من العودة إلى الحكم حتى عام 2006 عندما فاز أورتيغا في الانتخابات الرئاسية، ثم في الانتخابات الاشتراعية أواخر عام 2008.
تميّزت الولايات الثلاث المنصرمة لأورتيغا بتراجع ملحوظ في الأداء الاقتصادي واضطرابات شعبية وطلابية واسعة قمعتها الأجهزة الأمنية بوحشية استدعت إدانات دولية وإقليمية واسعة وعقوبات على النظام فرضها شركاؤه التجاريون الأساسيون مثل الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي. وإزاء هذا المشهد أُجريت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي كان أورتيغا قد ضمن نتيجتها بعد إبعاده جميع منافسيه أو الزج بهم في السجون، لكنه ضمن أيضاً المزيد من الاستنكار الدولي والعقوبات الاقتصادية، ما ينذر بمرحلة مفتوحة على جميع الاحتمالات.



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.