تقرير أممي: العالم سيحتاج الى تريليونات الدولارات لمواجهة التهديدات المناخية

تظاهرة لناشطين بيئيين في غلاسكو (أ.ف.ب)
تظاهرة لناشطين بيئيين في غلاسكو (أ.ف.ب)
TT

تقرير أممي: العالم سيحتاج الى تريليونات الدولارات لمواجهة التهديدات المناخية

تظاهرة لناشطين بيئيين في غلاسكو (أ.ف.ب)
تظاهرة لناشطين بيئيين في غلاسكو (أ.ف.ب)

لن تكفي مليارات الدولارات المطروحة على طاولة مؤتمر «كوب 26» لمساعدة الدول الضعيفة على مواجهة ازدياد الجفاف والفياضانات وموجات الحرّ المرتبطة بالتغير المناخي، بل سيلزم تريليونات الدولارات لتمويل ذلك، بحسب مسودة تقرير للأمم المتحدة حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية.
ويُعدّ فشل الدول الغنية في الوفاء بوعدها بزيادة مساعداتها المناخية للدول الفقيرة إلى 100 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من العام 2020 أحد أكثر الخلافات تفجرًا في مؤتمر المناخ الذي يعقد في غلاسكو ويقترب من نهايته.
إلّا أن هذا الرقم ضئيل جدًا مقارنة بالتكلفة الحقيقية للتأقلم مع التكيف مع الآثار المدمرة للاحترار العالمي، وفقًا لمسودة تقرير أعده خبراء المناخ التابعون للأمم المتحدة والذي سيُنشر مطلع العام 2022.
ويرد في ملخّص التقرير المؤلف من 4000 صفحة أن «تكاليف التأقلم مرتفعة أكثر من تلك التي قُدّرت سابقًا» في مواجهة الفيضانات في المدن والشح في المواد الغذائية وموجات الحرّ القاتلة والهجرات الجماعية، بشكل تصبح فيه «التصوّرات الحالية لتمويل التكيّف غير كافية بالنظر إلى الحجم المتوقع لتأثيرات المناخ».
وارتفعت حرارة الأرض بـ+1,1 درجة مئوية منذ حقبة ما قبل العصر الصناعي، فيما قد ترتفع حرارة الأرض بأكثر من الرقم التي هدفت إليه اتفاقية باريس الرامية إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من +2 درجة مئوية، وإذا أمكن +1,5 درجة مئوية.

غير أنه كلّما ارتفعت الحرارة ازدادت تكاليف حماية المجتمع، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
ووفقًا لمسودة التقرير، قد يصل التمويل اللازم للتكيف مع تغير المناخ بحلول العام 2050 إلى ألف مليار دولار سنويًا في سيناريوهات معينة للانبعاثات. وفي عالم +2 درجة مئوية، قد تزيد تكاليف التكيّف لأفريقيا وحدها بـ«عشرات المليارات» كل عام.
في غضون ذلك، بدأ الخبراء والدبلوماسيون في تقييم الاحتياجات التي ستُكلّف أكثر بكثير من الـ100 مليار المخصصة لمساعدة البلدان على تقليل انبعاثاتها والتكيف مع آثار الاحترار المناخي.
ولفتت مديرة سياسات المناخ والطاقة في «اتحاد العلماء المعنيين» ريتشل كليتس في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن الوعد الذي بدا مهمًا عام 2009 «تمّ تجاوزه تمامًا» نظرًا للواقع على الأرض، مضيفة: «عندما نتحدث عن التمويل لما بعد عام 2025، يجب أن يكون بالتريليونات».
وتركّز مسودة تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على الحاجة الملحة لحماية الذات من تأثيرات تغير المناخ والتي ستكون كبيرة حتى مع ارتفاع الحرارة بـ+1,5 مئوية فقط، وتتوقع أيضًا تكاليف الضرر لكل قطاع من قطاعات المجتمع.
وقد يتجاوز الضرر في غوانغجو، في جنوب الصين، 250 مليارًا كل عام، مع ارتفاع إضافي مقداره 20 سم في مستوى سطح البحر، دون تدابير التكيف مثل البنية التحتية المضادة للغطس. ولكن في عالم ارتفعت فيه حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، قد يرتفع مستوى المحيط بمقدار الضعفين.
ومن الممكن أن تكون مدن ساحلية أخرى مثل بومباي الهندية ضحية كوارث بالحجم نفسه.

وستُساهم الفياضات في افريقيا بنزوح ما معدّله 2,7 مليون شخص سنويًا بحلول العام 2050، فيما ستتراجع المحاصيل كمًّا ونوعًا مما سيؤدي إلى ازدياد أخطار سوء التغذية العامة في موازاة تأثير موجات الحر على الأنظمة الصحية.
لذلك، سيكون تمويل التكيف أشبه بالاستثمار لتجنب تكاليف مستقبلية، بحسب مسودة التقرير.
ويقول الباحث في جامعة أوكسفورد براين اوكالاغن إن «الاستثمار في التكيّف مع المناخ يشبه إلى حد ما التأمين ضد حدث محتم وقوعه».


مقالات ذات صلة

علماء يستخرجون نواة جليدية عمرها أكثر من مليون سنة

علوم أشخاص يعملون في كهف تخزين في موقع يُدعى «ليتل دوم سي» في القارة القطبية الجنوبية (أ.ب)

علماء يستخرجون نواة جليدية عمرها أكثر من مليون سنة

أعلن فريق دولي من العلماء أنهم نجحوا في حفر واحدة من أعمق الحفر الجليدية حتى الآن، بعمق ميلين (2.8 كيلومتر) للوصول لطبقة جليدية في القارة القطبية.

«الشرق الأوسط» (روما)
ظواهر جوية حادة أثّرت على مناطق السعودية خلال عام 2024 (الأرصاد)

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

كشف المركز السعودي للأرصاد عن 15 ظاهرة جوية حادة أثّرت على مناطق المملكة خلال عام 2024 وتجسّد بوضوح تأثير التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الفيضانات المدمرة في البرازيل تسببت في مقتل أكثر من 80 شخصاً خلال مايو 2024 (رويترز)

تهجير 40 مليون شخص بسبب كوارث مناخية في 2024

أفادت دراسة دولية بأن عام 2024 شهد درجات حرارة قياسية تسببت في تغييرات جذرية بدورة المياه العالمية، مما أدى إلى فيضانات مدمرة وجفاف شديد في العديد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال فعالية في فينيكس بولاية أريزونا الأميركية... 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

لماذا يطالب ترمب بجزيرة غرينلاند وقناة بنما؟

يسعى ترمب من خلال مطالبته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة للولايات المتحدة، لا سيما على حساب الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟