إذا أردت أن تفهم بيكاسو فإنّ المكان الأفضل لذلك هو «اللوفر». بهذه العبارة يقدم المتحف الباريسي العريق معرضه الحالي المخصص للعلاقة الوطيدة التي ربطت بينه وبين الرسام الإسباني الأشهر في القرن العشرين.
كان بيكاسو (1881 - 1973) في التاسعة عشرة من عمره حين زار «اللوفر» للمرة الأولى. وهو قد وجد نفسه مشدوداً إلى تلك الجدران منذ تلك الزيارة وحتى 1971. تاريخ المعرض المخصص لأعماله في القاعة الكبرى، قبل سنتين من رحيله. وعلى مدى سبعة عقود احتل المتحف موقعاً خاصاً في مخيلة الرسام، وقد ترك تأثيره على مفهومه للفن. وهناك العشرات من لوحاته ورسومه ومنحوتاته وخزفياته محفوظة ضمن مقتنيات «اللوفر». لهذا يأتي معرض «لوفر بابلو بيكاسو» بمثابة شهادة بصرية مدهشة على لقاء عملاقين من عمالقة تاريخ الفن. ورغم أنّ هذا الصرح التاريخي يضم في جنباته أروع ما أبدعته الحضارات الإنسانية فإن بيكاسو الذي عاش في باريس وشاخ في فرنسا، يبقى طفله المدلل الذي يقصده 10 ملايين زائر في العام.
ومع اختلاف الأزمنة، كان في مقدور الفنان الاعتماد على دعم المتحف له وعلى الثقة المتبادلة بينهما. وبموازاة تلك العلاقة، كان عليه أيضاً أن يجيد التعامل مع القوى التي تتربص به. لقد عهد بيكاسو بمجموعة أعماله القديمة إلى «اللوفر»، وكانت له مواعيد منتظمة وأخرى لم تتحقق. إنّ المعرض الذي يستمر حتى 31 من يناير المقبل يستكشف تأثيرات ما شاهده الرسام من لوحات ومنحوتات وتجارب في المتحف على أعماله. كان حواراً مستمراً منذ 1930. يغزل نسيجه بين تاريخ المتحف ومقتنياته وبين بيكاسو وما تبدعه أنامله.
رُسم مسار المعرض عبر لعبة تستدعي الأنظار، فمن جهة، هناك خط أقسام المتحف التي اعتاد الفنان التردد عليه، ومن جهة أخرى تسلسل علاقته المضطربة بالمتحف. أي أنّ هناك مواجهات بين المقتنيات المختلفة وبين أعمال الفنان التي عكست تأثره بها. وإلى جانب اللوحات، يقدم المعرض لزائره أرشيفاً واسعاً يشهد على تلك الفترات التي كان بيكاسو يشعر خلالها بأنّ هذا المتحف هو بيته، أو تلك التي يدعو فيها «اللوفر» إلى بيته ومرسمه في باريس، على الضفة المقابلة من نهر «السين».
مع هذا، فإنّ الرسام الذي طبع الفن المعاصر بطابعه، لم يكن وحيداً في فضاء المتحف. ففي صالاته تصول وتجول أعمال فنانين عظماء آخرين. وفي المعرض وقفات عند حوادث ومجابهات وطرائف ومشاحنات وحوارات مدهشة وممتعة لهواة الفنون. وبكل هذه الوثائق المتراكمة والمحفوظة بعناية، يدرك الزائر تفاصيل المنازلة الشاقة التي خاضها بيكاسو مع تاريخ كامل من النبوغ البشري.
«اللوفر» يحتفي ببيكاسو فنانه المدلل
المتحف الباريسي العريق كان البيت الثاني للرسام الإسباني
«اللوفر» يحتفي ببيكاسو فنانه المدلل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة