«الجدار»... أحدث أسلحة الحرب ضد «المهاجرين» حول العالم

ترصد تنامي الظاهرة من «سور ترمب» إلى أسوار تركيا وباكستان وبولندا... مروراً بـ«جدار الفصل» الإسرائيلي... و«بوابات بلفاست»

مهاجرون يتجمعون قرب سياج من أسلاك شائكة بمنطقة غرودنو في بيلاروسيا محاولين العبور إلى بولندا أمس (رويترز)
مهاجرون يتجمعون قرب سياج من أسلاك شائكة بمنطقة غرودنو في بيلاروسيا محاولين العبور إلى بولندا أمس (رويترز)
TT

«الجدار»... أحدث أسلحة الحرب ضد «المهاجرين» حول العالم

مهاجرون يتجمعون قرب سياج من أسلاك شائكة بمنطقة غرودنو في بيلاروسيا محاولين العبور إلى بولندا أمس (رويترز)
مهاجرون يتجمعون قرب سياج من أسلاك شائكة بمنطقة غرودنو في بيلاروسيا محاولين العبور إلى بولندا أمس (رويترز)

جدران. أسوار. سواتر. أسلاك شائكة. حواجز. بوابات... تعابير مختلفة، لكنها تصبّ في المعنى نفسه: «الفصل» بين شيئين. تاريخياً، كان الهدف منها التصدي للغزوات الأجنبية. في العصر الحديث تنوعت الأهداف. أحياناً كان هدفها فصل المتخاصمين عن بعضهم بعضاً. أحياناً أخرى، كان الهدف «سجن» المواطنين داخل بلدهم. أما اليوم فقد باتت «موضة» منتشرة حول العالم، بعدما حوّلتها دول عديدة إلى أحدث أسلحة التصدي لما يصفه بعضهم بـ«غزو خارجي» لا يتم على أيدي جيوش أجنبية، كما في الماضي، بل عبر جحافل من «المهاجرين».
هذا التقرير يسلّط الضوء على بعض «جدران الفصل» الكثيرة حول العالم، عارضاً نجاحاتها وإخفاقاتها...

كان المشهد في بلفاست صادماً حقاً، لا سيما للبناني عاش سنوات الحرب الأهلية على خطوط التماس التي فصلت بين شطري بيروت. فكما كان الانقسام اللبناني يحمل طابعاً طائفياً إلى حد كبير، بين شطر بيروت الشرقي، المسيحي في غالبه، وشطر بيروت الغربي، المسلم في غالبه، كذلك كان المشهد في عاصمة آيرلندا الشمالية في تسعينات القرن الماضي. هنا أيضاً كان الانقسام طائفياً، لكنه كان بين المسيحيين أنفسهم: البروتستانت الذين يريدون بقاء آيرلندا الشمالية جزءاً من المملكة المتحدة وبالتالي جزءاً من التاج البريطاني، وبين الكاثوليك الذين يريدون توحيد الجزء الشمالي من الجزيرة مع شطرها الجنوبي، جمهورية آيرلندا.
الانقسام في شطري بيروت عبّرت عنه «خطوط تماس» تكرّست خلال سنوات الحرب. كانت في الغالب عبارة عن شوارع محصّنة على جانبيها وعلى الطرقات المتفرعة منها بسواتر ترابية أو خرسانية مرتفعة أو بقايا حافلات نُصبت فوق بعضها بعضاً للفصل بين منطقتين متجاورتين، لكنهما مختلفتان طائفياً، كعين الرمانة المسيحية والشياح المسلمة. وفي الواقع، كرّست خطوط التماس تلك الفصل بين السكان الذين لم يكن بإمكانهم الوصول إلى مناطق «خصومهم» سوى عبر نقاط عبور قليلة «تخترق خطوط الفصل»، كمعبر المتحف الشهير بين البيروتيين.
«خطوط التماس» في بلفاست كانت مختلفة إلى حد ما. هنا، «جدار الفصل» كان جداراً بحق، يمتد على مدى كيلومترات عدة، بارتفاع يصل إلى أكثر من خمسة أمتار، مع بوابات تُغلق ليلاً لئلا يتسلل الكاثوليك إلى أحياء جيرانهم البروتستانت، أو بالعكس، ثم يُعاد فتحها مع طلوع صباح اليوم التالي. كان هذا هو الوضع منذ أغسطس (آب) 1969، عندما أقيم جدار أمني في بلفاست يفصل «القوميين» الكاثوليك في ضاحية «فولز رود» عن جيرانهم «الوحدويين» البروتستانت في ضاحية «شانكيل رود»، تماماً كما هو الحال بين «الجيران» اللبنانيين في الشياح وعين الرمانة مثلاً.
تمكّن «اتفاق الجمعة العظيمة» الذي أُبرم عام 1998 بهدف جلب السلام إلى آيرلندا الشمالية، من تهدئة العلاقات إلى حد كبير بين «الجيران – الخصوم»، لا سيما بعد تفكيك أسلحة «الجيش الجمهوري الآيرلندي» (الكاثوليكي) وتشكيل حكومة محلية تضم طرفي النزاع. إلا أن «جدران الفصل» بين مناطق الكاثوليك والبروتستانت ما زالت قائمة حتى اليوم؛ إذ تفيد استطلاعات رأي بأن غالبية من السكان ترى ضرورة بقائها لتفادي حصول احتكاكات بين الأطراف المتخاصمة. وكان العام 2019 قد شهد بادرة تدل على تكرّس التهدئة بين «الجيران» المختلفين دينياً في بلفاست، إذ تم نصب «بوابة» فصل جديدة في شارع «تاونساند ستريت»، وهو شارع فرعي يربط بين «فولز رود» (الكاثوليك) و«شانكيل رود» (البروتستانت). كانت البوابة الجديدة «شفافة» تسمح برؤية ما يقع وراءها، وتم بناؤها قرب «البوابة الصلبة» الفولاذية التي تفصل الضاحيتين، وهي تُفتح في السابعة صباحاً ثم تقفل مع حلول المساء، وتبقى مقفلة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وفي الواقع، يمثّل معبر «تاونساند ستريت» مثالاً واحداً على «جدران الفصل» بين المتخاصمين الآيرلنديين الذين يسمونها «خطوط السلام» كونها تمنع الحرب. وتشير تقديرات إلى أن هناك ما يقرب من 116 من «حواجز الفصل» حالياً بين الكاثوليك والبروتستانت في آيرلندا الشمالية، يتركز معظمها في بلفاست، لكنها تنتشر أيضاً في منطقتي ديري وكو آرماه.
عادت «بوابات الفصل» بين الآيرلنديين إلى الذاكرة مع عودة «خطوط التماس»، ولو لفترة وجيزة أخيراً، بين عين الرمانة والشياح في بيروت، ومع انتشار ظاهرة بناء الأسوار والجدران والحواجز بهدف «الفصل» بين منطقة وأخرى. وفي حين أن البوابات الآيرلندية والسواتر المحصنة اللبنانية كانت تهدف إلى «فصل» المتحاربين عن بعضهم بعضاً ومنع دخول طرف إلى منطقة طرف آخر، فإن «موضة» أسوار الفصل الحديثة هدفها إلى حد كبير هذه الأيام منع عبور «غرباء» من منطقة إلى أخرى. الغرباء في أوروبا وأميركا هم بالطبع المهاجرون. شيّد الرئيس السابق دونالد ترمب «جداراً» ضخماً بهدف صدهم على طول حدود الولايات المتحدة مع المكسيك. يبني البولنديون بدورهم جداراً على حدودهم مع بيلاروسيا بهدف صد المهاجرين الذي يحاولون طرق بوابات الاتحاد الأوروبي من حدوده الشرقية. وللهدف نفسه؛ تبني تركيا حالياً جداراً ضخماً على حدودها مع إيران. إسرائيل بدورها تشيّد جدراناً وأسواراً بهدف فصل الفلسطينيين عن مناطق سيطرتها، سواء في قلب الضفة الغربية أو حول قطاع غزة. إسبانيا، كذلك، شيّدت أسواراً حول جيبيها في شمال المغرب، سبتة ومليلية؛ في محاولة لصد موجات المهاجرين الحالمين بالوصول إلى أوروبا. وحتى باكستان المتهمة بالتعاطف مع حركة «طالبان» الأفغانية، تبني بدورها سورا على «خط دوراند» الذي يفصلها عن أفغانستان في قلب مناطق البشتون على جانبي الحدود.
هل تنفع هذه الأسوار والجدران والحواجز في تحقيق الغاية منها؟ «سور ترمب» نجح كما يبدو في خفض منسوب الهجرة عبر الحدود مع المكسيك. «سور الفصل العنصري» ساهم بدوره، كما يقول الإسرائيليون، في خفض العمليات التي كان يقوم بها الفلسطينيون داخل إسرائيل قبل بناء السور. سبتة ومليلية نجحتا في خفض محاولات الهجرة، بالتعاون بالطبع مع السلطات المغربية. أسوار بولندا وتركيا وباكستان لم ينته بعد تشييدها، وبالتالي ربما ما زال مبكراً الحكم عليها.

- «سور ترمب»
كان بناء سور على الحدود المكسيكية أحد المحاور الأساسية لحملة دونالد ترمب الانتخابية عام 2016. التزم ترمب تنفيذ وعده بعد وصوله إلى البيت الأبيض، عام 2017، ودفع باتجاه بناء جدار يمتد عبر حدود ولايات كاليفورنيا، أريزونا، نيو مكسيكو وتكساس، متعهداً أن يجعل المكسيك تدفع ثمن تكاليف تشييده، وهو أمر رفضته هذه الدولة. وفي الواقع، كان هناك قرابة 1000 كلم من الحدود الأميركية مع المكسيك بها أنواع مختلفة من الحواجز العازلة قبل وصول ترمب إلى سدة الحكم. لكن في عهده تم مد جدار بطول 727 كلم ليحل إلى حد كبير محل الحواجز الحدودية التي كانت موجودة أصلاً والتي وصفها ترمب بأنها «قديمة وبلا قيمة».
نجح الجدار في السنة الأخيرة من حكم ترمب في خفض تدفق اللاجئين عبر الحدود مع المكسيك. إلا أن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وعد بأنه لن يبني «خطوة واحدة» إضافية في الجدار، معارضاً استخدام أموال رصدها الرئيس السابق من موازنة وزارة الدفاع لتمويل تشييده. وليس واضحاً اليوم ماذا سيحل بالجدار الذي تتراوح تقديرات تكاليف بنائه بين 15 مليار دولار و40 مليار دولار.

- الجدار التركي مع إيران
تعزز تركيا حالياً حدودها مع إيران بجدار ضخم يضم قطعاً خرسانية بعلو ثلاثة أمتار؛ بهدف التصدي لتدفق اللاجئين، خصوصاً الأفغان في الفترة الأخيرة التي تلت سقوط النظام في كابل في أيدي حركة «طالبان». وأنجزت تركيا حتى الآن بناء 155 كلم من الجدار العازل المفترض أن يمتد بطول 241 كلم مقابل حدودها الشرقية مع إيران. ويقول الرئيس رجب طيب إردوغان، إن بلاده لن تكون «مخزن اللاجئين» نيابة عن أوروبا، علماً بأن بلاده تؤوي أعداداً ضخمة من اللاجئين السوريين، وهو يحصل على مليارات الدولارات من الاتحاد الأوروبي لقاء إيوائهم ومنع تدفقهم نحو أوروبا، كما حصل قبل سنوات.

- جدار باكستاني مع أفغانستان
تقول باكستان اليوم، إنها أنجزت تشييد 90 في المائة من ساتر على حدودها مع أفغانستان. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن الكولونيل رضوان نذير، المسؤول العسكري الباكستاني الذي كان يتحدث لصحافيين أجانب في طورخام (منطقة خيبر الحدودية)، في أغسطس الماضي، أن الجيش الباكستاني انتهى بالفعل من إقامة 90 في المائة من سياج مقرر على الحدود مع أفغانستان، متعهداً الانتهاء من عملية تشييد الـ10 في المائة المتبقية بحلول نهاية السنة. وهدف باكستان من بناء السياج هو منع هجمات المتشددين التي تتم عبر الحدود. وعملية بناء السياج الحدودي بدأت في الواقع منذ عام 2017 على طول الحدود مع أفغانستان والتي تمتد 2611 كلم وهي الحدود المعروفة بـ«خط دوراند».
والسور الحدودي بين البلدين يتألف من مجموعتين من السلاسل المترابطة من الأسوار تفصل بينهما مسافة تبلغ مترين مملوئين بلفائف من الأسلاك الشائكة. ويبلغ علو كل سور قرابة 4 أمتار. وبالإضافة إلى ذلك، ينصب الجيش الباكستاني كاميرات مراقبة لرصد أي محاولة لاختراق الحدود. ولا تعترف أفغانستان بالحدود مع باكستان كونها تفصل مناطق البشتون عن بعضها بعضاً. وليس واضحاً بعد كيف ستتعامل حركة «طالبان» بعد وصولها إلى السلطة في كابل، مع هذه الحدود مع باكستان.

- سور بولندي على حدود بيلاروسيا
بدورها، تقوم بولندا ببناء جدار مثير للجدل على حدودها الشرقية مع بيلاروسيا، في رد على تدفق موجة غير مسبوقة من المهاجرين، ومعظمهم من الشرق الأوسط وأفغانستان.
وتقدّر تكاليف السور بنحو 353 مليون يورو، ومن المخطط أن يمتد على مسافة تزيد على 100 كلم على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي. ومنذ أغسطس الماضي، يتدفق آلاف المهاجرين عبر حدود بيلاروسيا نحو بولندا العضو في الاتحاد الأوروبي. ويتهم الاتحاد حكومة الرئيس الكسندر لوكاشينكو في مينسك بترتيب تدفق المهاجرين رداً على العقوبات الأوروبية التي فُرضت ضد نظامه في أعقاب الانتخابات المثيرة للجدل التي فاز فيها بولاية جديدة وأيضاً رداً على قمع نظامه للمعارضة.
وأرسلت بولندا جيشها إلى الحدود مع بيلاروسيا في محاولة لوقف موجات المهاجرين، وبدأت نصب سور من الأسلاك الشائكة. لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين رفضت طلباً قدمته بولندا و11 دولة أخرى في الاتحاد لتمويل تشييد «حواجز» حدودية بهدف وقف دخول اللاجئين، وقالت «لن يكون هناك تمويل لأسلاك شائكة وجدران».

- إسرائيل وجدار الضفة
أقرَّت إسرائيل خلال حكومة إيهود باراك عام 2000 بناء الجدار بالضفة الغربية، عقب سنوات شهدت موجة ضخمة من عمليات التفجير التي قام بها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية. ويبلغ طول الجدار 810 كلم، وقد بدأ العمل فيه قرب جنين عام 2002، وهو، كما يقول منتقدون، لا يلتف حول الضفة بل يمر عبرها، متسبباً في تقسيمها إلى مناطق متفرقة. إذ إن مسار الجدار سيسمح للإسرائيليين بالضم الفعلي لقرابة 46 في المائة من الضفة الغربية، وسيتسبب في تقسيم بقية الضفة إلى «غيتوهات، بانتوستانات ومناطق عسكرية»، بحسب ما يقول موقع منظمة «أوقفوا الجدار» المناهضة لعملية تشييده. وتوضح هذه المنظمة، أن 20 في المائة من طول الجدار يشيّد بكتل خرسانية، وتحديداً في بيت لحم وبعض أجزاء رام الله، وقلقيلية، وأجزاء من طولكرم، وعبر غلاف مدينة القدس. ويبلغ ارتفاع الجدار 8 أمتار – أي ما يوازي بمرتين علو جدار برلين – مع أبراج للمراقبة و«مناطق عازلة» بعرض يتراوح بين 30 متراً و100 متر لنصب أسوار مكهربة، خنادق، كاميرات، أجهزة استشعار حساسة، إضافة إلى دوريات عسكرية. وفي مناطق أخرى، يتألف الجدار من طبقات من أسيجة وأسلاك شائكة، وطرقات مخصصة للدوريات العسكرية، وممرات رملية لرصد آثار الأقدام، وأقنية وخنادق، وكاميرات مراقبة.
في العام 2019، خصصت إسرائيل 74 بوابة و5 نقاط تفتيش عبر فتحات في الجدار مخصصة لمرور المزارعين. وتقول منظمة «أوقفوا الجدار»، إن 11 فقط من هذه المعابر والبوابات كانت تفتح يومياً، بينما فتحت 10 لبعض الوقت خلال أيام الأسبوع وخلال موسم قطاف الزيتون، لكن الغالبية العظمى منها (53) لم تفتح سوى خلال موسم حصاد الزيتون.

- الجدار حول غزة
يعيش في قطاع غزة قرابة مليونَي شخص في مساحة تقدر بـ365 كلم مربع؛ ما يجعل المنطقة من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان. وتبني إسرائيل حول القطاع جداراً تحيط به منطقة عازلة (بافر زون) تمتد بين 300 و600 متر. وفي العام 2019، بدأت وزارة الدفاع الإسرائيلية المرحلة النهائية من تشييد سور فولاذي بعلو 20 قدماً سيحيط بقطاع غزة. وسيمتد السور بطول 65 كلم حول القطاع – جزء منه من الإسمنت وجزء من الفولاذ، وهو يمتد تحت الأرض وفوقها.

- أسوار سبتة ومليلية
أقامت إسبانيا في تسعينات القرن الماضي أسواراً حول الجيبين اللذين يخضعان لسيطرتها في شمال المغرب: سبتة ومليلية. كان الهدف منها وقف عمليات التهريب غير الشرعية ومنع دخول المهاجرين الطامعين بالوصول إلى أوروبا. فالجيبان في النهاية هما «الحدود» الوحيدة للاتحاد الأوروبي على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. يتألف السور من سورين متوازيين تعلوهما أسلاك شائكة تفصل بينهما مسافة تسمح بمرور سيارات إسعاف ودوريات للشرطة. وفد بدأت عمليات تشييد هذا السور في سبتة عام 1993، وكان في البداية بعلو مترين ونصف المتر وبطول 8.4 كلم. في العام 1995، تمت زيادة علو السور إلى ثلاثة أمتار، ولاحقا إلى علو يصل إلى ستة أمتار. وأقام الإسبان أيضاً سوراً مماثلاً بعلو ثلاثة أمتار حول مليلية بطول 11 كلم.
وعلى رغم تسجيل محاولات سنوية يقوم بها مئات من الأفارقة لاقتحام السياجات والوصول إلى «الجنة الأوروبية»، يبدو أن الأسوار الإسبانية نجحت، كما يبدو، بالتعاون مع السلطات المغربية، في وقف تدفق موجات المهاجرين.

- سور الصين العظيم
يعود بناء الجزء الأساسي من سور الصين إلى حقبة أسرة مينغ، بين العامين 1358 و1644، وتقول الصين، إنه يمتد على مسافة 13 ألف ميل (21 ألف كلم) – علماً بأن تقديرات أخرى تقول، إن طوله يتراوح بين 1500 ميل و5000 ميل. ولا يطلق الصينيون على السور في الواقع اسم «العظيم». يسمونه فقط «جدار المدينة» ويضيفون للاسم صفة «الطويل».
وبحسب موقع مجلة التاريخ في «بي بي سي»، كان الهدف من بناء السور - المصنوع من طوب يحوي الرز المطحون اللزج - منع الغزو الأجنبي، لكن جنكيز خان أظهر كيف يمكن استغلال «عيب» في سور عظيم كسور الصين؛ إذ قاد جحافل المغول عام 1449 عبر أحد جوانبه ودخل الصين (نجحت أسرة مينغ لاحقاً في طرد المغول من أراضيها).

- سور هيدريان في شمال إنجلترا
شكّل «سور هيدريان» الشهير، بين شمال إنجلترا واسكوتلندا، الحدود الشمالية الغربية للإمبراطورية الرومانية على مدى 300 سنة. بناه الجيش الروماني بناءً على أوامر الإمبراطور هيدريان بعد زيارته بريطانيا عام 122 ميلادية، علماً بأن الغزو الروماني لبريطانيا بدأ في العام 43 قبل الميلاد. يمتد السور على مسافة 73 ميلاً (80 ميلاً بحسب مقاييس الرومان) من شرق إنجلترا إلى غربها (من وولزأند على نهر تاين إلى باونس - أون - سولواي). يُعدّ السور من أشهر أسوار الرومان وقد بُني خلال ست سنوات. كانت خطة بناء السور تقضي ببناء جدار من الصخور أو الطبقات العشبية، على أن تكون هناك بوابة عبور محروسة كل ميل، وبرجا مراقبة كل ميلين. ولتحصين السور أكثر بنى الرومان 14 حصناً على مساره، وحفروا حوله خندقاً عميقاً وواسعاً.
وفي الواقع، لا يختلف هدف بناء هذا السور الروماني عن الأسوار التي تُشيّد في العالم اليوم. فإذا كانت الأسوار الحالية تُشيّد لفصل سكان البلد عن «جحافل المهاجرين»، كان هدف هيدريان من بناء السور «فصل البرابرة عن الرومان». برابرة ذلك الزمان كانوا، كما يبدو، قبائل اسكوتلندا التي فشل الرومان في إخضاعها!

- جدار برلين
كان الهدف الأساسي من بناء «الجدار» في برلين هو وقف «الهجرة»، ولكن ليس بمفهومها الحالي. «الجدران» التي يتم نصبها في العالم اليوم هدفها الأساسي منع دخول الغرباء إلى بلد لا يريدهم. جدار برلين كان هدفه معاكساً. منع دولة ألمانيا الشرقية مواطنيها من «الهجرة» منها والفرار إلى الخارج.
كانت برلين مقسّمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى أربعة أقسام. القسم الشرقي تحت سيطرة السوفيات والحكومة الشيوعية في ألمانيا الشرقية. وقسم غربي تتقاسمه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
وبما أن برلين نفسها كانت تقع كلياً في الجزء الذي يسيطر عليه الاتحاد السوفياتي في ألمانيا الشرقية (المدينة تبعد أكثر من 100 ميل عن الحدود مع ألمانيا الغربية) فقد كانت القيادة السوفياتية تعتبر أن الوجود الغربي «الرأسمالي» في قلب منطقة نفوذها بمثابة «شوكة في الحلق»، بحسب تعبير رئيس الوزراء السوفياتي آنذاك نيكيتا خروتشوف. فرض الروس حصاراً على القسم الغربي من برلين، عام 1958؛ لدفع الأميركيين وحلفائهم إلى المغادرة. لكن هؤلاء لم يخضعوا وردوا بإقامة جسر جوي نقل المؤن إلى برلين الغربية المحاصرة. والأنكى من ذلك بالنسبة إلى السوفيات، أنهم كانوا يشاهدون آلاف الألمان يتفقدون سنوياً عبر برلين الشرقية إلى غربها.
في يونيو (حزيران) 1961، غادر 19 ألف ألماني شرقي إلى ألمانيا الغربية عبر برلين. في الشهر التالي، وصل العدد إلى 30 ألفاً. في الأيام الـ11 الأولى من أغسطس، فرّ 16 ألفاً. وهكذا كرّت سبحة المهاجرين الفارين من «نعيم» الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية للإقامة في «جحيم» الحكم «الرأسمالي» في جارتها الغربية. كان رد السوفيات سريعاً. أعطوا حكومة ألمانيا الشرقية الإذن بإقفال الحدود.
وخلال أسبوعين فقط، كان جيش ألمانيا الشرقية وشرطتها ومتطوعون قد نصبوا جداراً معززاً بأسلاك شائكة بين شطري برلين؛ ما أدى إلى قطع التواصل بين السكان الذين كانوا في السابق يتنقلون بحرية في الأقسام الأربعة لبرلين، ولم يعد ذلك متاحاً سوى عبر إجراءات أمنية مشددة من خلال ثلاث بوابات: «حاجز ألفا» و«حاجز برافو» و«حاجز تشارلي». أقامت ألمانيا الشرقية لاحقاً 12 نقطة مرور عبر الجدار الذي نجح إلى حد كبير في «غلق» الباب أمام «المهاجرين» من داخل البلاد إلى خارجها. من بين الذين حاولوا العبور خلسة من تحت الجدار أو من فوقه، قُتل 171 شخصاً بين العامين 1961 و1989، في حين نجح خمسة آلاف في العبور. في العام 1989 سقط «الجدار» بعد انهيار الحكم الشيوعي في برلين الشرقية عقب ثورة شعبية.


مقالات ذات صلة

موريتانيا تشن حملة اعتقالات واسعة لترحيل المهاجرين السريين

شمال افريقيا مهاجرون أفارقة بالعاصمة الموريتانية (أ.ب)

موريتانيا تشن حملة اعتقالات واسعة لترحيل المهاجرين السريين

تشن السلطات الأمنية الموريتانية حملة اعتقالات واسعة، تستهدف المهاجرين الأفارقة غير النظاميين.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)
شمال افريقيا أكثر من 30 مهاجراً بينهم طفلان عالقون منذ ثلاثة أيام على منصة نفط قبالة سواحل تونس (رويترز)

منظمة: أكثر من 30 مهاجراً عالقون على منصة نفط قبالة سواحل تونس

قالت منظمة «سي ووتش» الخيرية، اليوم الاثنين، إن أكثر من 30 مهاجراً بينهم طفلان عالقون منذ ثلاثة أيام على منصة نفط قبالة سواحل تونس وفي حاجة ماسة إلى المساعدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
الولايات المتحدة​ موقع المخيم الجديد الذي تخطط إدارة ترمب لإيواء آلاف المهاجرين غير النظاميين فيه بالقاعدة البحرية الأميركية بخليج غوانتانامو في كوبا (نيويورك تايمز)

ماذا نعرف عن المهمة السرية لنقل المهاجرين إلى خليج غوانتانامو

لم تقدم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلا معلومات قليلة عن الفنزويليين الذين نُقلوا من تكساس إلى «غوانتانامو» بالقاعدة العسكرية الأميركية هناك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا وزير العدل خلال زيارته للمحكمة المختصة في قضايا العبودية والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية (الوكالة الموريتانية للأنباء)

موريتانيا تدشن محاكم مختصة في الهجرة والاتجار بالبشر

دشنت موريتانيا محكمة جديدة مختصة بقضايا الهجرة والاتجار بالبشر، في إطار استراتيجية وطنية لمحاربة الهجرة غير الشرعية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا رئيس وزراء بافاريا ماركوس سودر مع وزير الداخلية يواكيم هيرمان الثاني من اليسار وديتر رايتر على اليمين يتحدثون في موقع الحادث بعد أن صدم سائق مجموعة من الأشخاص في ميونيخ بألمانيا الخميس 13 فبراير 2025 (أ.ب)

مسؤول ألماني يدعو إلى التفاوض مع «طالبان» لترحيل أفغان

دعا رئيس حكومة ولاية بافاريا الألمانية، ماركوس زودر، إلى إجراء مفاوضات فورية مع حركة «طالبان» بشأن تسيير رحلات ترحيل جماعي أسبوعية إلى أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ - كابل )

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
TT

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)

على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.

اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.

قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.

تحوّل «نتفليكس»

في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.

ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.

في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.

ثورة تجارة التجزئة

مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.

في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».

كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.

في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.

سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.

في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.

في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

نص بشري يكتبه روبوت

بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.

الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.

بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟