مصر لإعادة تطوير ميدان التحرير

ضمن مشروع لتحويل «المجمع» إلى مبنى متعدد الأغراض

مصر لإعادة تطوير ميدان التحرير
TT

مصر لإعادة تطوير ميدان التحرير

مصر لإعادة تطوير ميدان التحرير

يبدو أن مبنى مجمع التحرير، الذي كان يعتبره كثيرون رمزاً للبيروقراطية المصرية، سيبدأ عهداً جديداً في إطار مشروع لتحويله من مبنى حكومي إلى منشأة سياحية فندقية متعددة الأغراض، حيث نشرت رئاسة الجمهورية المصرية، مساء أول من أمس، صوراً لمخططات تطوير المبنى الذي يعود تاريخه إلى بداية الخمسينات من القرن الماضي.
وقال بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، في بيان صحافي، إن «الرئيس بحث مع رئيس الوزراء، ومدير صندوق مصر السيادي، الأصول التي تم نقلها للصندوق على مستوى الجمهورية وخطط تطويرها على النحو الأمثل، وأبرزها خطة تطوير مجمع التحرير، بالشراكة مع الخبرات العالمية المتخصصة في تطوير المباني التاريخية بالعواصم الكبرى، ليصبح منشأة متعددة الأغراض تتناغم مع طبيعة وجهود التطوير في منطقة وسط العاصمة والقاهرة الخديوية».
بدوره، قال الدكتور أشرف رضا، أستاذ الفنون الجميلة رئيس مجمع الفنون والثقافة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «كان أول من اقترح تحويل مبنى مجمع التحرير إلى فندق سياحي، في مؤتمر عقد عام 2016»، مشيراً إلى أنه «على مدار السنوات السابقة تم تطوير الفكرة لتصل للمخطط الحالي الذي يسعى إلى تحويل المجمع إلى مبنى متعدد الأغراض، يضم إسكاناً فندقياً، وفندقاً سياحياً ومنطقة تجارية بها أشهر الماركات العالمية، ونادياً صحياً وعلاجياً، بهدف الاستفادة القصوى من المبنى الذي كان شاهداً على أحداث تاريخية عديدة في مصر».
وصمم مبنى مجمع التحرير المهندس محمد كمال إسماعيل عام 1951، وبُني على مساحة 28 ألف متر، بتكلفة بلغت 2 مليون جنيه، وهو مبنى إداري يضم مكاتب تابعة لهيئات حكومية مختلفة، ويتكوّن من 14 طابقاً، ويبلغ ارتفاعه 55 متراً، ويضم 1356 حجرة، وعلى مدار نصف قرن كان المبنى بتصميمه نصف الدائري، مزدحماً بالمواطنين الراغبين في إنهاء معاملاتهم الحكومية، لذلك اعتُبر رمزاً للبيروقراطية الحكومية.
وهذه ليست المحاولة الأولى لتطوير المجمع، ففي الفترة بين عامي 2014 و2015 تم تنفيذ مشروع لإزالة التعديات والتشوهات التي لحقت بالمبنى بعد أحداث عام 2011، وتم تطوير واجهة المبنى وإعادتها إلى أصلها عبر إزالة طبقات الطلاء القديمة واستعادة الواجهة القديمة المبنية من الحجر الصناعي، بتكلفة بلغت 4 ملايين جنيه (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري).
وقال رضا إن «مبنى مجمع التحرير هو الفرصة الوحيدة الباقية لوجود فندق على مستوى عالٍ بمنطقة وسط البلد»، مشيراً إلى أن «المشروع يأتي في إطار إعادة استغلال المباني الموجودة في القاهرة التاريخية، في أعقاب نقل الموظفين الحكوميين إلى العاصمة الإدارية الجديدة»، وأضاف: «لن يتم الإضرار بالمباني أو بيعها بل سيتم تطويرها واستغلالها لتوفير عائدات مالية للدولة».
وأكد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن «الرئيس السيسي وجّه بمواصلة قيام صندوق مصر السيادي بدراسة ممتلكات وأصول الدولة غير المستغلة على النحو الأمثل، والعمل على تطويرها وتعظيم العائد منها لضمان استدامة استثماراتها للأجيال المستقبلية»، مشيراً إلى أن «الصندوق السيادي تلقى عروضاً عالمية عديدة لتطوير مجمع التحرير من تحالفات تسعى للدخول إلى السوق المصرية لأول مرة رغم الظروف الاقتصادية العالمية، بما يعكس الثقة الدولية بمناخ الاستثمار في مصر».
ومن المقرر الإعلان قريباً عن اسم الجهة التي ستتولى عملية تطوير المجمع، وقال أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، في تصريحات صحافية، مؤخراً، إن «الصندوق يسعى لإعادة تخطيط منطقة وسط البلد لتصبح مركزاً للأعمال في غضون خمس سنوات».
وأكد رضا أنه «لن يتم المساس بواجهة المبنى، وسيكون العمل كله في الداخل لتجهيز المبنى لاستخدامه بشكل أفضل»، مشيراً إلى أن «تفاصيل المخطط سيتم الكشف عنها قريباً».
ولا يقتصر مشروع التطوير على مبنى المجمع فقط، بل يشمل المنطقة المحيطة به أيضاً، التي سبق تطويرها مؤخراً ضمن مشروع تطوير ميدان التحرير الذي بدأ في سبتمبر (أيلول) عام 2020 واستغرق 10 أشهر، بتكلفة بلغت 150 مليون جنيه، بحسب بيان المركز الإعلامي لمجلس الوزراء.
وقال رضا إن «ميدان التحرير يعد من أهم الميادين في مصر، وهو شاهد على أحداث تاريخية عديدة، وقد تم تطويره مؤخراً بإضافة مسلة و4 كباش في الصينية التي تتوسطه»، مشيراً إلى أنه سوف يجري تطوير المنطقة المحيطة بمجمع التحرير، بجانب المنطقة المقابلة الواقعة أمام المتحف المصري».
ويتضح من الصور المنشورة للمشروع أنه سيتضمن إنشاء برجولات وأماكن للمشاة في الميدان الأشهر في مصر، بالإضافة إلى إنشاء حمامات سباحة أعلى مبنى مجمع التحرير.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».