الجناح السعودي بمعرض لندن للسياحة: مرحباً بكم في المستقبل

جانب من الجناح السعودي المشارك في معرض لندن للسياحة والسفر
جانب من الجناح السعودي المشارك في معرض لندن للسياحة والسفر
TT

الجناح السعودي بمعرض لندن للسياحة: مرحباً بكم في المستقبل

جانب من الجناح السعودي المشارك في معرض لندن للسياحة والسفر
جانب من الجناح السعودي المشارك في معرض لندن للسياحة والسفر

يصدح صوت شاب تحلّق حوله باحثون يجرون دراسات عليا في السياحة من جامعة ويلز بمعرض لندن للسياحة والسفر: «هنا بدأ تأسيس السعودية، وتاريخها، ومن (بوابة الدرعية) نعمل في المملكة على جعل الدرعية وجهة عالمية، نعتز بها ونتشارك بهذا الاعتزاز مع العالم».
الشاب عمر العضيبي (16 عاماً) طالب في المملكة المتحدة ومتطوع في الجناح السعودي بمعرض السياحة والسفر في لندن، شارك العمل مع خلية نحل من موظفين ومتطوعين على مدار ثلاثة أيام بدأت مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. أخذ يطوف بالباحثين، ويشرح نبذة عن كل مشروع قائم تم إنجازه، ثم انتقل بهم إلى القسم الآخر من الجناح، بعدما قال: «يشرفني أن أطلعكم على السعودية في المستقبل... لكن اعذروني، هناك وظائف قد لا نعرف حتى الآن ما هي، وهناك اهتمام كبير لدى أكبر المشاريع المستقبلية، إنه نيوم».
يشبه الجناح الذي شيدته الهيئة السعودية للسياحة، وهي إحدى أذرع وزارة السياحة، جانباً واقع التحركات التي تقودها السعودية مع شركائها الدوليين والمحليين (القطاع الخاص)، وهذا ما تبرزه أحاديث المهتمين في المعرض.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية، فقد حصد الجناح المركز الأول في قائمة الدول التي تصدرت اهتمام المستثمرين وقطاع الأعمال المشاركين بالمعرض، وذكر التقرير أن الحدث هو الأبرز على أجندة السياحة العالمية لهذا العام، نقلاً عن الاستطلاع الشامل الذي صدر عن الجهة المنظمة. كما حقق الجناح السعودي المركز الأول والأفضلية في المعرض؛ نظير ثراء المحتوى والإبداع، وسلاسة العرض والتصميم، بالإضافة للتفاعل اللافت مع جميع الجهات المشاركة في الجناح.
يبدأ الزائر الجناح بالمشاريع القائمة، ومواسم الترفيه والبرامج والعروض المصاحبة لها، ثم ينتقل إلى مشاريع المستقبل الواعدة مثل نيوم، والبحر الأحمر». يتجوّل ضيوف المعرض على أنغام الموسيقيين سدين الياس ومرتضى الخنيزي، وبين فينة وأخرى تخرج فرقة فرسان السعودية بلون فلكلوري مختلف.
تقول منى سراج، مديرة العلاقات العامة في شركة البحر الأحمر، إن المعرض مهم لأنه لا يقتصر على جمع القطاعات السياحية وحسب، بل يضم قطاعات أخرى مثل الضيافة والخدمات والطيران. وهذا يخدم المهتمين بالسياحة والأعمال بمختلف درجاتهم.
وبسؤالها عن أبرز الأسئلة والاهتمامات من قبل الجمهور، أجابت بالقول إن الحضور كان لافتاً، وهناك مَن قرأ عن المشاريع، وآخرون لم يسبق أن تعرفوا عليها... طريقة العروض التفاعلية ساعدت في إيصال فكرة المشاريع بصورة أفضل، كونها تنتمي إلى المستقبل، واستطاع الزوار وبعضهم اندهش من التفاصيل التي تراعيها المشاريع، من النواحي البيئية والتقنية وكثير من تحديات العالم.
ويقول هاشم البيتي، مدير شركة «ديرة الرحلات» المتخصصة في إدارة الوجهات السياحية، إن أبرز الأسئلة التي تلقاها خلال مشاركته في المعرض كانت عن: الإجراءات الوقائية، والتوصيات عن أفضل الأماكن، والبرامج والعروض السياحية.
يتردد البيتي (42 عاما) على معارض سياحية في العالم، لكنه يعتبر معرض لندن من كبرى المناسبات الدولية، ويعتقد أن تدشين المعرض يعد إنجازاً كبيراً، كما أن الجناح السعودي جرى تجهيزه من قِبل الهيئة السعودية للسياحة بحجم كبير وجودة اهتمت بالتفاصيل.
وترى ريحان جمعة، وهي طالبة دكتوراه في جامعة ريدينغ قيادة إدارية وتصرفات شركات ريادية، أن المشاركة السعودية حظيت بتنوع لافت، وتقول: «أحضر المعرض منذ 7 سنوات، وكانت مشاركة السعودية مميزة، إذ عرضت مشاريع المملكة القادمة وأبرزها نيوم».
تضيف جمعة أن الفرق شاسع في التقدم الذي تخطوه المشاركة السعودية في المعرض، وتعتقد أنه «يعكس ما يجري في الواقع من مشاريع ضخمة وفريدة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)