رحيل المصمم اللبناني حنا توما بعد صراع مع المرض

قاوم آلامه حتى اللحظات الأخيرة بابتسامة

ألفت شيرين مع والدها حنا توما ثنائياً متناغماً في عالم تصميم الأزياء
ألفت شيرين مع والدها حنا توما ثنائياً متناغماً في عالم تصميم الأزياء
TT

رحيل المصمم اللبناني حنا توما بعد صراع مع المرض

ألفت شيرين مع والدها حنا توما ثنائياً متناغماً في عالم تصميم الأزياء
ألفت شيرين مع والدها حنا توما ثنائياً متناغماً في عالم تصميم الأزياء

رحل المصمم اللبناني حنا توما عن عمر ناهز 72 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان.
ويعد توما أحد المبدعين المشهورين في عالم تصميم الأزياء. وكان قد سلّم ابنته شيرين مهمة إكمال مشواره منذ عام 2008، إثر إعجابه بأفكارها المتجددة. «لم يعتزل العمل يومها، بل كان يواكبني في كل شاردة وواردة ويزودني بنصائحه». تقول ابنته المصممة شيرين توما. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «في كل عرض أزياء كانت بصمته حاضرة، وكان أحدثها في عام 2019، خططنا معاً لعرض أزياء جديد، وتصاميمه جاهزة منذ فترة. ولكن انتشار الجائحة من ناحية وتدهور حالته الصحية من ناحية ثانية، حالا دون ذلك».
تروي شيرين لـ«الشرق الأوسط» أنّ والدها بقي حتى اللحظات الأخيرة متمسكا بالحياة، وبأنه كان مقاوماً شرساً للمرض. «إنّه بطبيعته إنسان مرح، كان رغم أوجاعه وآلامه يقاوم بابتسامة تعلو ثغره، وبأغان يحب دندنتها من وقت لآخر. خسارته كبيرة علينا كعائلة، إذ كان والداً حنوناً ومعطاء. وفي غيابه سنفتقد مصمم أزياء بارزا أسهم في صناعة إشراقة وجه لبنان، في عالم الموضة».
وبصوت متهدج توجهت شيرين توما بكلمة وداع إلى والدها عبر «الشرق الأوسط» قالت فيها: «ليس هناك من كلمات تفيه حقه أو بإمكانها أن تترجم كل مشاعر الحزن التي تراودني اليوم. ولكني بالتأكيد خسرت أباً وصديقاً ومبدعاً ورفيق درب، لقد مشينا معاً بثبات وحب. أتمنى ألا ينساه لبنان، وأن يبقى اللبنانيون وكل من تعاون معه يذكره كرجل أخلاق وكمبدع من الطراز الأول».
الإعلامي علي جفال كان أول من نعاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهو شغل مهمة مستشاره الإعلامي لسنوات طويلة. وكتب جفال عبر صفحته على «فيسبوك»: «وداعاً أيها الفنان والإنسان والمعلم... اليوم خسر عالم الموضة اللبنانية عموداً أساسياً في فن الأزياء الراقية». وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» وصف جفال المصمم الراحل بأنّه كان بمثابة أب للعاملين والموظفين في داره. وأنّ بعضهم يعمل عنده منذ أكثر من 30 عاماً لمعاملته الإنسانية اللافتة لهم. ويتابع: «لقد كان حريصاً على تنفيذ تصاميمه بدقة متناهية، وهو من المصممين الذين كانوا يفضلون الحرفية في عمله. وكانت مرحلة التشطيب (Finissage) تستغرق منه وقتاً لشدة إتقانه عمله. لقد كان يميل إلى الكلاسيكية في عملية تنفيذه التصميم، ويفضل القيام بمراحل التلفيق والتطريز يدوياً، بعيداً عن الماكينات الكهربائية. من الصعب أن نجد اليوم بين جيل الشباب من المصممين من يشبه حنا توما بعينه الثاقبة، وذوقه الرفيع والراقي في عالم الأزياء».
شارك حنا توما في أسابيع موضة عديدة في لبنان، وكان له تجارب أخرى خارجه كالتي قدمها في أسبوع باريس للموضة. نساء عربيات كثيرات وثقن بموهبته وقدمنه على غيره من المصممين لينفذ لهن فساتين السهرة والأعراس.
شارك حنا توما ابنته شيرين في كل شاردة وواردة كانت تتعلق بتصاميمها بعدما تسلمت منه مهمة إكمال مشواره. وتتذكر: «كنت أعمل دائماً مع والدي، أختار معه فكرة كل مجموعة ننوي تقديمها من الألف إلى الياء، أي من شكل التصاميم إلى جلسات التصوير». وتتابع: «لم أحاول أن أستعرض قدراتي على حساب قدرات والدي ولمسته الخاصة، فهو كان بالنسبة لي الكل في الكل».
لا تنكر شيرين أنّ والدها هو النبع الذي كانت تلجأ إليه دائما. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «والدي ليس بالشخص السهل، والتعامل معه صعب لأنّه حريص أشد الحرص على أن يحافظ على اسمه متألقا ويحيطه بهالة من الاحترام والثقة والجمال. لهذا لك أن تتصوري كم أنّ هذا الأمر مهم بالنسبة لي أيضاً، إلى حد القول إنّه هاجسي الأكبر».
وتختم شيرين: «أتمنى أن أستطيع تقديم مجموعة تصاميمه الأخيرة، في أقرب وقت، وبعد أن تشفى جراحنا كعائلة. والعرض يتضمن تصاميم الـ(هوت كوتير) وتحمل بصمته الإبداعية».
ويوارى المصمم الراحل الثرى في الثانية من بعد ظهر اليوم في كنيسة مار أفرام للروم السريان في منطقة السيوفي ببيروت.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».