«مسكون» لأفلام الرعب... الكوابيس بلمسة سينمائية

جديده مشاركة مفتوحة مع العالم العربي

فيلم الافتتاح «تيتان» يُعرض في المركز الثقافي الفرنسي
فيلم الافتتاح «تيتان» يُعرض في المركز الثقافي الفرنسي
TT

«مسكون» لأفلام الرعب... الكوابيس بلمسة سينمائية

فيلم الافتتاح «تيتان» يُعرض في المركز الثقافي الفرنسي
فيلم الافتتاح «تيتان» يُعرض في المركز الثقافي الفرنسي

قد يكون ما يعيشه سكان العالم من أزمات اقتصادية ومن تأثيرات جائحة «كوفيد - 19»، وغيرها من الصعوبات، هي أفلام رعب بحد ذاتها. فالخوف من الغد وما قد يحمله لنا من مفاجآت غير سارة، بات يشغل تفكير الناس. وفي لبنان تتفاقم الأزمات مما يحوّل حياة أهله إلى نوع من الكوابيس. فالانفجارات من ناحية وأعمال العنف من ناحية أخرى، إضافةً إلى أزمة اقتصادية خانقة أوصلته إلى الحضيض، وإلى مواجهة كل أنواع الذل والعذاب، تشكّل بحد ذاتها مادة سينمائية تصلح لأفلام الرعب.
ويأتي انطلاق مهرجان «مسكون» لأفلام الرعب والخيال ليترجم باللغة السينمائية مخاوف مكبوتة لدى الناس. ومن خلال مجموعة أفلام طويلة وقصيرة، سيتابع محبو هذا النوع من الأعمال السينمائية قصصاً شيقة تغلب عليها الإثارة السوداوية. ونشاهد معها رجالاً ونساءً في مواجهة مجتمعاتهم، التي تحاصرهم بكوابيس حية. وهو واقع يومي يواجهه كثر، حسب المدير الفني للمهرجان أنطوان واكد.
جديد المهرجان في نسخته الخامسة لهذا العام، والذي تستضيفه بيروت من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لغاية 28 منه، هو تعزيز بُعده العربي. إذ تتضمن مسابقتاه للأفلام القصيرة و«المختبر» أعمالاً ومشاريع من لبنان وعدد من الدول العربية. كما سيتاح للجمهور أينما كان متابعته «أونلاين» عبر منصة «أفلامنا» التي أسستها جمعية «بيروت دي سي»، منظمة المهرجان من أجل دعم الأفلام العربية المستقلة.
أفضل أفلام الرعب والإثارة والخيال العلمي تشكل المحتوى السينمائي للمهرجان كعادته كل عام. تشارك فرنسا وإسبانيا واليابان وآيسلندا وتونس والدنمارك وأستراليا. ويتحدث المدير الفني للمهرجان أنطوان واكد، لـ«الشرق الأوسط» مفنّداً عدد الأفلام التي يتضمنها المهرجان هذا العام وموضوعاتها: «مسابقة الأفلام القصيرة تتضمن 10 أعمال بينها 5 لبنانية. وهناك فيلمان طويلان سنفتتح ونختتم معهما المهرجان، فيما سيجري عرض نحو 7 أفلام طويلة و4 قصيرة عبر الـ(أونلاين) بحيث ستتاح فرصة مشاهدتها لـ500 شخص. أما موضوعات الأفلام فهي متنوعة ويغلب عليها الإثارة والغموض وعالم الجريمة، وأخرى تزوّدنا برؤية مستقبلية لمجتمعاتنا».
يفتتح المهرجان فعالياته في سينما «مونتين» التابعة للمعهد الثقافي الفرنسي مع فيلم «تيتان» للمخرجة جوليا دوكورنو. وهو شريط شديد العنف وصادم بطابعه الدموي، اختارته فرنسا لتمثيلها في السباق لجائزة «أوسكار» كأفضل فيلم أجنبي، بعدما حصل في يوليو (تموز) الفائت على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي.
أما فيلم الاختتام «لامب» فيُعرض في نفس المكان في 24 نوفمبر وهو للمخرج الآيسلندي فالديمار يوهانسون. عُرض للمرة الأولى هذه السنة في مهرجان «كان» السينمائي ضمن فئة «نظرة ما». ويتناول قصة زوجين لم يُرزقا أطفالاً يكتشفان مولوداً غامضاً في مزرعتهما، ويفرحان كثيراً لهذا الحدث غير المتوقع في حياتهما الأسرية لكنه يدمّرهما في النهاية. وتشكّل هاتان المناسبتان فرصة للحضور الشخصي، بينما العروض المتبقية من البرنامج تجري افتراضياً.
وفصّل واكد البرنامج، فشرح أن الأسبوع الممتد من الأول من نوفمبر إلى السابع منه يشمل فيلمين إسبانيين يُقدَّمان بالتعاون مع السفارة الإسبانية، هما «لا كابينا» للمخرج أنطونيو ميرسيرو و«كروس لاين» للمخرج ديفيد فيكتوري. وضمن برنامج الأسبوع الأول سيُعرض الفيلم المكسيكي «نيو أوردر» للمخرج الشهير ميشال فرانكو الحائز جائزة الأسد الفضي (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) في مهرجان البندقية السينمائي عام 2020. وفي هذا الفيلم، تتحول حفلة زفاف فخمة للمجتمع الراقي إلى صراع طبقي يؤدي إلى انقلاب عنيف.
ومن 8 إلى 14 نوفمبر، يجري عرض أفلام «ماد غاد» لواحد من أهم رواد المؤثرات الخاصة فيل تيبيت الذي يقدم أيضاً محاضرة مفتوحة للجمهور عبر الإنترنت. ومن إخراج الدنماركي أندرس توماس جنسن يُعرض الفيلم الدرامي المثير «Riders of Justice» من بطولة مادس ميكيلسن، عن رجل كان يظن أن مقتل زوجته في حادث قطار كان نتيجة حادث عابر، لكنّ ظهور عالِم رياضيات كان موجوداً في القطار، يُظهر خلاف ذلك. أما العروض المقررة من 15 إلى 21 نوفمبر، فهي لأفلام قصيرة غير تجارية من توقيع المخرج الأسترالي أليكس بروياس الذي يُحيي كذلك محاضرة عبر الإنترنت مفتوحة للجمهور. ومن أفلامه التي سيتسنى للجمهور مشاهدتها «Phobos» و«Strange Nostalgia» الذي صوّر تقريباً بالكامل خلال فترة الحجر باستخدام تقنيات مختلفة للتحكم عن بُعد. ويُعرض خلال هذا الأسبوع أيضاً فيلم «Beyond the Infinite Two Minutes» وهو الشريط الروائي الإبداعي الأول للمخرج الياباني جونتا ياماغوتشي، واستأثر بإعجاب المهرجانات العالمية، ويحكي قصة صاحب مقهى يكتشف أن جهاز التلفزيون في مقهاه يعرض فجأة صوراً من المستقبل قبل دقيقتين من حصولها.
وفي الأسبوع الأخير، من 22 إلى 28 نوفمبر، يُعرض الفيلم التونسي النسوي «ما تسمع كان الرّيح» وهو من نوع التشويق السوداوي (Black Medusa) للمخرج إسماعيل شابي بمشاركة أخيه يوسف. كذلك يضم البرنامج فيلم التشويق الفرنسي«Messe Basse» للمخرج باتيست درابو من بطولة النجمة جاكلين بيسيه وأليس إيزاز.
ويشير أنطوان واكد في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا النوع من الأفلام السينمائية يعكس حالات اجتماعية مكبوتة يعيشها الفنان نفسه. فسينما الفانتازيا والرعب هي في معظم الأوقات رد فعل لحالات تعيشها بلدان ومجتمعات. كما أنها تسمح بإلقاء نظرة مسبقة على المستقبل كي نستطيع مواجهة مخاوفه. ويتابع: «إنه أمر رأيناه بقوة في أفلام ماضية، ما لبثنا أن لمسناها على أرض الواقع في زمننا الحالي. وهي تناولت الأوبئة وتطورات لتقنيات إلكترونية، وغيرها كنّا نعتقد أنها ستبقى من نسج الخيال».
وفي رأي أكد أن خسارة هذا الكم من الحرية خلال فترة الحجر المنزلي، شاهدناها أيضاً في أفلام من النوع العلمي (science fiction). ويعلق: «هذه الأفلام تدفعنا إلى التحليل والتفكير، وكذلك تؤمّن لنا مساحات ترفيهية مسلّية».
وعن سبب اعتماد المهرجان هذه السنة على الانفتاح نحو العالم العربي يوضح واكد: «عرض الأفلام هذه السنة افتراضياً، دفعنا إلى التفكير في اغتنام الفرصة والتوجه بمسابقاتنا نحو بلدان عربية مختلفة. وقد جاء التفاعل كبيراً مع هذه الخطوة، إذ تلقينا مشاركات من السعودية والكويت والمغرب وقطر».
ومن الأفلام القصيرة اللبنانية المتنافسة في مسابقة المهرجان «ألين» لكريستوف سجعان، و«Blinded by Desire» لغيبير ناجاريان. وكذلك «كيف تحولت جدتي إلى كرسي» لنيكولا فتوح، و«هردبشت» للمخرج سمير القواص، و«حكم الأزعر» للمخرج فايز أبو خاطر. وتضم لجنة التحكيم في المسابقة المديرة الفنية لمهرجان «لوكارنو» السينمائي جيونا نازارو، والمخرجة ماتي دو من لاوس، والمخرجة اللبنانية ومهندسة الصوت رنا عيد. وتختار اللجنة الفائزَين بجائزة «مسكون» البالغ قدرها 500 دولار، وجائزة أفضل فيلم لبناني التي ستتيح لمن ينالها المشاركة في مهرجان السينما المتوسطية «سينيميد» السنة المقبلة في مدينة مونبلييه الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن المهرجان والمختبر يقامان بدعم من الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (داد) والمعهد الفرنسي في لبنان. أما الجهات الشريكة فهي السفارة الإسبانية ومؤسسة الدوحة للأفلام وFront Row Filmed Entertainment، ومبادرات Frontières وDahshour residency وChateau St Thomas، والأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا) و«أبّوط برودكشنز». والمهرجان هو عضو في «اتحاد ميلييس للمهرجانات السينمائية»، الذي يضم مهرجانات سينما الفانتازيا في العالم.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».