استياء روسي من قرار دمشق «إفشال» جولة اللجنة الدستورية

معطيات حول تلقي أعضاء الوفد الحكومي «تعليمات للعرقلة»

TT

استياء روسي من قرار دمشق «إفشال» جولة اللجنة الدستورية

حملت تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، عن «تأثير سلبي» على مناقشات اللجنة الدستورية بسبب الهجوم الذي استهدف قوات حكومية في دمشق، إشارات لافتة، خصوصاً أنه تجنب تحميل المعارضة مسؤولية الفشل، خلافا للعادة في جولات الحوار السابقةـ والمحت مصادر روسية إلى تعمد الحكومة السورية «إفشال» الجولة، وقالت، إن الرئيس بشار الأسد «قد لا يكون يسيطر على الوضع تماماً».
ورأت مصادر دبلوماسية روسية، أن إشارات لافرنتييف «حملت في الواقع تحذيراً من تفجير المحادثات» التي بالفعل ما لبثت أن انتهت بالفشل.
واللافت، أن موسكو لم تصدر بياناً بعد انتهاء الجولة، وتجنبت إعطاء تقييم على المستوى الرسمي حول الطرف الذي يتحمل مسؤولية الفشل، فاتحة المجال أمام أطراف المعارضة والأطراف الغربية لاتهام دمشق.
وقالت لـ«الشرق الأوسط» مصادر دبلوماسية روسية، إنه «من الصعب رمي المسؤولية على فشل الجولة على حادثة التفجير، خصوصاً على خلفية الجهود الكبرى التي بذلتها موسكو لإنجاح هذه الجولة». وتحدثت أوساط عن «خيبة أمل واسعة لدى موسكو التي راهنت طويلاً على نجاح هذه الجولة وأوفدت المبعوث الرئاسي الخاص إلى دمشق قبلها مباشرة لحث الرئيس الأسد على إبداء أكبر قدر ممكن من المرونة».
وفي الإطار ذاته، قال رامي الشاعر، المستشار المقرب من مراكز صنع القرار في الملف السوري، إن «النظام في دمشق هو من يتحمل المسؤولية عن التفجير الذي حدث في دمشق والقصف الذي حدث على أريحا؛ لأنه لم يتحل بالمسؤولية التي تفرض عودة مؤسسات الدولة لعملها بشكل طبيعي».
وزاد، أن «أكبر دليل على ذلك إفشال دمشق المقصود للجولة السادسة للجنة الدستورية»، كاشفاً عن أنه «بات معلوماً لكل الأطراف بما في ذلك للأمم المتحدة، أن بعض أعضاء الوفد الذي يمثل دمشق تلقوا تعليمات من دمشق بعدم الموافقة على أي شيء، ومنع أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية المصغرة».
ولفت إلى أن أوساطاً روسية «لا تستبعد بسبب الموقف الذي ظهر في جنيف، أن وراء تفجير دمشق وقصف أريحا جهة واحدة اختارت التاريخ المناسب لإيجاد الحجج لعدم السير في عملية الانتقال السياسي على الأساس الذي نص عليه قرار مجلس الأمن 2254».
وزادت خيبة الأمل الروسية مع تناقل معطيات أخيراً، عن قيام بعض أهالي دير الزور بمنع دورية للقوات الروسية من العبور إلى الضفة اليسرى من الفرات؛ إذ رأت أوساط روسية، أن «النظام يتحمل مسؤولية هذا التحفيز ضد روسيا».
في السياق ذاته، لفت المصدر إلى ما وصفه «مثال بارز» على مستوى عرقلة الجهود الروسية لتحسين الوضع المعيشي في سوريا، مشيراً إلى أن «الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مع الحكومة السورية من أجل مساعدة سوريا في تأمين بعض الاحتياجات الأساسية، وأعلنت الحكومة الروسية قراراً بتقديم قرض بقيمة مليار ونصف المليار دولار لبدء العمل في مساعدة احتياجات الدولة السورية الأساسية، لكن لم يتم تنفيذ أي شيءٍ من الاتفاقات حتى الآن؛ لأنها تتضارب مع مصالح فئة من تجار الحرب القريبين من القيادة في دمشق والمستفيدين من قنوات التهريب، وهؤلاء لا يريدون أي تغيير أو حل سياسي». وقال، إن «الواضح أن لدى هذه الأطراف تأثيراً على القيادة في دمشق؛ ولذلك تم تعطيل التوصل إلى أي اتفاق في جنيف».
في الإطار السياسي، لفت الدبلوماسي إلى تصريح لافرنتييف بعد انتهاء الجولة حول أن دمشق لم تعطِ بعد جواباً على اقتراح بيدرسن بخصوص تحديد موعد مقبل للجنة الدستورية. وقال، إن هذا يصبّ أيضاً في أسباب «تزايد الاستياء الروسي لدى دوائر عدة في روسيا، حتى أن بعضهم يقول إن دمشق تخدعنا، والبعض الآخر بات يرى أن القيادة في دمشق منفصلة وبعيدة جداً عن معاناة الشعب السوري».
ورغم ذلك، زاد المصدر، أن موسكو ما زالت تأمل في أن يتمكن (الأسد) من «استعادة السيطرة على القرار والإعلان قريباً عن موافقة على مواصلة أعمال اللجنة الدستورية، وفقاً لاقتراح بيدرسن حول إمكانية عقد اجتماعين إضافيين قبل حلول نهاية هذا العام».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.