فيلم وثائقي يبدد أساطير السفر عبر أفريقيا

يتتبع شاباً مغربياً في رحلة استغرقت 4 سنوات في أنحاء القارة

لقطة من الفيلم الوثائقي «أفريقيا وأنا» (خدمات «تريبيون ميديا»)
لقطة من الفيلم الوثائقي «أفريقيا وأنا» (خدمات «تريبيون ميديا»)
TT

فيلم وثائقي يبدد أساطير السفر عبر أفريقيا

لقطة من الفيلم الوثائقي «أفريقيا وأنا» (خدمات «تريبيون ميديا»)
لقطة من الفيلم الوثائقي «أفريقيا وأنا» (خدمات «تريبيون ميديا»)

غادر عثمان زولاتي (20 عاماً)، موطنه بالمغرب عام 2015 ومعه 80 دولاراً وحقيبة ظهر وكاميرا جيب. بعد أن قطع 18 ألف ميل مروراً على 24 بلداً خلال 4 سنوات تقريباً، وصل إلى رأس أغولاس في أقصى جنوب أفريقيا، والوجهة التي كان يحلم بها. كان قد حمل حقيبة ظهره، ومشي لمسافات طويلة، وركب الدراجات، وتزلج عبر أرجاء القارة.
وُثقت رحلة زولاتي في فيلم وثائقي جديد بعنوان «أفريقيا وأنا»، الذي يُظهر جمال أفريقيا، وتنوعها، وسخاء شعبها، في الوقت الذي يُبدد فيه الصور النمطية عن القارة، ويُسلط الضوء أيضاً على تحديات السفر في جميع أنحاء القارة.
يسمع الأفارقة عموماً عن الدول الأفريقية الأخرى من وسائل الإعلام الغربية. ومنحت قصة مثل «أفريقيا وأنا» القوة للأفارقة لسرد حكايات عن قارتهم، التي غالباً ما تغطيها الأضواء السلبية من طرف عيون غربية متحيزة على الدوام. تشارك فيلم «أفريقيا وأنا» مع المبادرات الأخرى التي دعمتها وسائل التواصل الاجتماعي حول سيطرة الأفارقة على كيفية سرد قصصهم.
يعرض فيلم «أفريقيا وأنا» لرحلة عثمان زولاتي من المغرب حتى جنوب أفريقيا.
تشارك زولاتي مع كريس غرين في إخراج الفيلم الوثائقي، الذي يأخذ المشاهدين من مدينة الجديدة مسقط رأس زولاتي إلى رأس أغولاس. إنها قصة رحلة شاب مغربي لرؤية «أفريقيا» - مع العلم أن العديد من المغاربة وغيرهم من أبناء الشمال الأفريقي، لا يعتبرون بلدانهم جزءاً من أفريقيا.
من بين المفاهيم التي تعين على زولاتي مواجهتها في رحلته هي فكرة جرى تعميمها عبر التغطية الإعلامية السلبية بأن أفريقيا مكان خطير. فالبعض، كما يروي الفيلم الوثائقي، يعتقدون أن أفريقيا أرض الحرب والفقر، حيث يمكن أن تُختطف، أو تُقتل، أو تؤخذ أجزاء من جسمك، كما أنها مكان لانتشار أمراض مثل الملاريا، والحمى الصفراء، والإيبولا، مع انعدام الرعاية الصحية. وفي السنغال، وفي حين يخطط زولاتي لخوض رحلته التالية إلى غينيا، ينصحه السنغاليون بعدم القيام بهذه الرحلة، ويقولون له إن البلدان الأفريقية الأخرى غير ودودة، وغير مضيافة، وغير آمنة.
يقول زولاتي في الفيلم الوثائقي، «هذه هي الأفكار التي نتحصل عليها من وسائل الإعلام».
غير أن التعليقات السلبية تزيد من فضول زولاتي وتجعله يرغب في اكتشاف القارة أكثر. وما وجده، بدلاً من ذلك، مرة تلو الأخرى، أنها قارة ودية، وكريمة، ومضيافة، حيث يرحب به الناس رغم كونه غريباً عنهم، ويحاولون منحه أفضل تجربة من خلال السماح له باستقلال مركباتهم، وإتاحة أماكن للنوم، ومشاركة وجباتهم معه، فضلاً عن عرض ثقافاتهم عليه.
يقول كوارتز: «كان غرضي من السفر جمع وتقاسم كل المواد الموضوعية التي يمكنني الحصول عليها رفقة آلة التصوير خاصتي. وعند التأمل في الماضي، أدركت أنني اتخذت الخيار الصائب وتابعت رحلتي».

أناس ودودون
بعض الأشخاص الذين قابلهم زولاتي يمرون بأوقات عصيبة، ولكن كما لاحظ، يعرف الأفارقة كيف يتكيفون ويعملون من خلالها. ومن الأمثلة على ذلك، وجود استوديو موسيقي صغير ومثير للإعجاب في قرية بغانا، حيث يلتقي مع مغن للراب ويسجل موسيقاه. إنه يحتوي على معدات أساسية، لكنه يُصدر أصواتاً ذات مستوى مهني محترف.
يقول في الفيلم الوثائقي: «هذه هي حالة الناس هنا. إنهم يحاولون تحقيق أفضل ما في وسعهم، ويحاولون تحقيق أحلامهم أو أهدافهم بأي طريقة ممكنة».

الدول الأفريقية بها قواعد هجرة غير ودية للأفارقة
يعد السفر إلى أفريقيا صعباً بالنسبة للأفارقة بسبب قواعد الهجرة غير الودية، ولأسباب أخرى. وطبقاً لتقرير صادر عن بنك التنمية الأفريقي، فإن سفر سكان أميركا الشمالية إلى القارة الأفريقية أكثر سهولة من سفر الأفارقة أنفسهم.
يواجه زولاتي هذا التحدي وجهاً لوجه في فيلم «أفريقيا وأنا». وبينما كان في بنين، مُنع من الحصول على تأشيرة لدخول نيجيريا وتشاد. وأوضح لكوارتز أن المسؤولين طلبوا منه التقدم بطلب للحصول على التأشيرات في المغرب، لأنه لا يملك تصريحاً بالإقامة في البلد. واضطر زولاتي للسفر جواً من بنين إلى إثيوبيا، ثم مواصلة رحلته إلى جنوب أفريقيا من هناك. واجهت رحلة زولاتي نهاية مبكرة قبيل المرحلة الأخيرة، مع رفض طلب تأشيرة جنوب أفريقيا الذي تقدم به في ناميبيا، حيث قيل له لا بد من الحصول على التأشيرة من المغرب، لأنه لا يملك تصريحاً بالإقامة. فاضطر للانتقال بين ثلاث دول مختلفة لتقديم طلب التأشيرة، لكنه يُرفض في كل مرة، إلى أن يلتقي، عند نقطة يائسة من رحلته، بشخص ما في السفارة المغربية في موزمبيق يساعده من خلال الاتصال بشخص آخر في سفارة جنوب أفريقيا في موزمبيق.
يروي زولاتي لكوارتز عن تجربته في الحصول على تأشيرة الدخول: «لقد نجوت أخيراً».
وأخيراً تمكن من الوصول إلى رأس أغولاس، إذ كانت من أسعد اللحظات في حياته.
قال زولاتي: «قالوا لي لن تستطيع فعل ذلك. وقالوا لي إنهم سوف يلتهمونك حياً. وقالوا لي إنه من المستحيل تحقيق ذلك. ولكن ها أنا ذا. بالنظر إلى هدفي، أقصى جنوب أفريقيا. لم يكن الأمر سهلاً، لكنه يستحق العناء».

*خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

كوبولا «الأوسكاري» مسرور بنيله جائزة أسوأ مُخرج

يوميات الشرق نال الجائزة الساخرة وابتسم (أ.ف.ب)

كوبولا «الأوسكاري» مسرور بنيله جائزة أسوأ مُخرج

أبدى المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا «سروره» بقبول جائزة «راتزي» لأسوأ مخرج هذا العام، مُنتقداً بشدّة عدم تقبّل هوليوود أي «مخاطرة».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق «سيزار شرف» لجوليا روبرتس (إ.ب.أ)

«سيزار» للسينما الفرنسية وزَّع جوائزه... وتكريم خاص لجوليا روبرتس وكوستا غافراس

كانت «أكاديمية الفنون الفرنسية» قد أطلقت هذا التقليد السنوي بهدف مكافأة أفضل المواهب في جميع فروع الفن السابع. واختيرت له تسمية «سيزار» على غرار جائزة «أوسكار».

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق حاز الفيلم جائزة لجنة التحكيم (إدارة مهرجان برلين)

عمران حمدولاي: «البحر الأحمر السينمائي» فتح أبواب العالمية لفيلمي

قال المخرج الجنوب أفريقي عمران حمدولاي إن الدعم الذي قدَّمه صندوق «البحر الأحمر» لفيلمه «القلب عضلة» كان حاسماً في فوزه بجائزة خلال مهرجان برلين.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق في «المحادثة» لكوبولا (ذ دايركتورز كومباني)

الحياة المثيرة والأفلام الجديرة لجين هاكمَان

ينتمي جين هاكمان (95 سنة) الذي رحل قبل يومين في ظروف غامضة إلى ممثلي الفترة الذهبية ونجومها خلال الستينات وما بعدها.

محمد رُضا (لندن)
سينما من «كثبان- 2»: أفضل تصوير (وورنر)

يومان على الأوسكار... من سيفوز ولماذا؟

يومان فقط يفصلانا عن حفل جوائز الأوسكار الـ97. تلك الجائزة الأقدم تاريخياً والأكثر متابعة بين كل الجوائز السنوية.

محمد رُضا (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».