«المسيرة الوهمية»... تدين سلبية الفرد في المجتمع

مسرحية مصرية تعتمد على الارتجال

الأداء الحركي سمة مميزة في المسرحية (الشرق الأوسط)
الأداء الحركي سمة مميزة في المسرحية (الشرق الأوسط)
TT

«المسيرة الوهمية»... تدين سلبية الفرد في المجتمع

الأداء الحركي سمة مميزة في المسرحية (الشرق الأوسط)
الأداء الحركي سمة مميزة في المسرحية (الشرق الأوسط)

عوامل عديدة اجتمعت في هذا العرض المسرحي لتجعله يحظى بخصوصية شديدة، ويبدو مختلفاً عن نظرائه من العروض الأخرى، فالمؤلف هو رأفت الدويري الذي ينتمي إلى جيل السبعينيات من كتاب المسرح المصري، وقدم أعمالاً مهمة لكنها لم تحظ بالاحتفاء الكافي حتى أن صاحبها عندما وافته المنية عام 2018 رحل في صمت دون أن يعرف بنبأ رحيله العاملون في هذا المجال أنفسهم، أما المخرج فهو نجله طارق الدويري الذي اجتهد كثيراً لكي يخرج من جلباب أبيه، ويحتفظ بشخصيته المستقلة على مستوى الرؤية الفكرية والتقنيات الفنية.
المسرحية التي عرضت أخيراً على مسرح «الهناجر» بالقاهرة، ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح، والتي من المقرر عرضها مجدداً خلال الشهور المقبلة، ابتعد مخرجها عن القوالب الجاهزة والأفكار النمطية مثل الحبكة والصراع بين الخير والشر والقصة ذات البداية والوسط والنهاية، فنحن هنا أمام عدد من القصص المتداخلة على نحو قد يكون مربكاً في بعض الأحيان، كما أن الممثلين معهم ضوء أخضر من المخرج بأن يرتجلوا حسب المواقف الدرامية، ويتحدثوا عن حياتهم الشخصية في تجسيد قوي لمفهوم «مزج الهم العام بالهم الخاص».
ولأن العنوان «عتبة» العمل كما يقول النقاد، يجب أن نتوقف عند اسم المسرحية «المسيرة الوهمية للتفاهة»، الذي قد يبدو للوهلة الأولى ساخراً ينتمي إلى أجواء مسرح العبث أو اللامعقول، إلا أنه في الحقيقة يعبر عن الروح «الثورية» للعرض. لا توجد قصة أساسية هنا، بقدر ما يوجد خيط رئيسي ينتظم عدداً من الخيوط والحكايات الفرعية المستلهمة من مؤلفات «الدويري الأب»، لا سيما «بدائع الفهلوان في وقائع الزمان»، و«لاعب الثلاث ورقات» و«قطة بسبعة أرواح»، حيث نجد أنفسنا بإزاء عجوز متصابية لكنها تريد أن تنجب من زوجها الذي لا يقل عنها، بل يزيد في الشيخوخة.
تتسق الرغبة في الإنجاب مع ميول الزوجة للتصابي وادعاء الحسن والشباب. وفي أجواء تتشح بالفانتازيا والعبث فعلاً، يحدث الحمل وتمر الشهور التسعة سريعاً، لكن المولود يرفض النزول من بطن الأم، ويبدو أن لديه بعض المطالب أو «الشروط» المسبقة، إنه مولود ناضج جسمانياً، حيث يبدو في الثلاثين من العمر، لكنه ناضج أيضاً فكرياً ويتخذ موقفاً شديد الحذر والتوجس، ويريد ضمانات «مكتوبة» تتعلق بمستقبله، في النهاية يرضخ الأبوان لمطالب ابنهما ويوقعان صفقة مع بعض علية القوم من أصحاب النفوذ، بحيث يتولون أمر الابن ويتعهدونه بالرعاية، لكن ماذا كانت النتيجة؟ تنسحق تماماً شخصية الابن، يصبح أشبه بالدمية التي يتلاعب بها الآخرون، فلا يملك شخصيته المستقلة، ويبدو أن كل ما يبتغيه هو أن يحظى بالقبول الاجتماعي والرضا من البيئة المحيطة به في المجتمع، مهما اضطر إلى أن يحطم القيم والمبادئ التي تشكل الوعي والضمير.
تدور الأحداث في عدة أزمنة ومواقف درامية مختلفة يغلب عليها الماضي بأجواء شبيهة بعصر المماليك على مستوى الأزياء والديكورات التي جاءت بسيطة متقشفة، وأيضاً على مستوى اللغة التي تراوحت بين الفصحى والعامية على نحو يذكرنا بأجواء طبقة «الحرافيش»، كما قدمها نجيب محفوظ في رواياته، لكن دون تحديد قاطع محدد لعنصري الزمان والمكان.
وما زاد في التحديات التي واجهها المخرج بحنكة وجود نحو أربعين فناناً يرتجلون ويرقصون ويغنون على خشبة المسرح في مدة زمنية كبيرة بلغت نحو ساعتين وعشرين دقيقة.
ويشير طارق الدويري إلى أن الفكرة جاءته في عام 2019، حيث أراد أن تكون آليات التنفيذ غير تقليدية هي الأخرى، وبالتالي أقام ورشتي عمل؛ الأولى لاختيار الممثلين المشاركين، حيث تقدم نحو ثلاثمائة ممثل اختار منهم نحو أربعيناً. ويضيف مخرج العرض في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «في ورشة العمل الثانية، ركزنا على اختيار النصوص، حيث أتحت مؤلفات والدي للممثلين، وطلبت منهم أن يقرأوها بتمعن، ويختاروا الأدوار التي تعجبهم ويرون أنفسهم فيها، وهذا هو السبب في أن المسرحية استغرقت نحو عام ونصف العام كي ترى النور».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.