بعد سنوات طويلة من ولعه الفني بالجداريات، يطرح الفنان التشكيلي المصري طه القرني، في معرضه الجديد «الجوع»، جدارية إنسانية مُستلهمة من تهديد الجوع في العالم، وذلك في غاليري «آزاد» بالقاهرة حتى 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
يعد الدكتور طه القرني «العمل الجداري أقرب لحالة الوجد الجمعي»، مشيراً إلى أن «لوحته الجدارية الجديدة الأقرب للملحمة البشرية المحاكية لمأساة الجوع وتاريخه ومستقبله الغامض»، فالجدارية التي يبلغ طولها عشرة أمتار وارتفاع مترين، مشحونة بتفاصيل أقرب لحالة الموت منها للحياة، عبر حشد وجوه قد طمسها الجوع، فباتت أقرب لعظام وهياكل هزيلة.
«عبر الأدب والسينما والشعر كثيراً عن مخاوف الجوع وتهديده للحياة، فأردت التعبير عن هذا الهاجس والموقف الإنساني في صياغة تشكيلية»، وفق الدكتور طه القرني الذي يضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعرض رسالة فنية تشكيلية حول وضع الإنسانية المتأزم والمُهدد بفعل الصراعات والحروب والأزمات الاقتصادية والبيئية».
هذا ويميل الفنان طه القرني، مواليد 1956، عبر مشروعه الفني لتوظيف زاوية «عين الطائر» في لوحاته، فتظهر في المعرض وجوه البشر وهي تنظر لسماء اللوحة وكأنها في حالة تضرع وتوسل، يقول الفنان «أميل في أعمالي دائماً للإنسان البسيط المُهمش، الذي يُعاني توحش الحياة كثيراً، ووجدت أن الجوع هو أحد مآلات هذا التوحش، وطالما شغلني متابعة أحدث تقارير جمعيات ومنظمات مكافحة الجوع حول العالم، وتفزعني أرقام الجوعى حول العالم».
تبدو الجدارية أقرب لمشهد بانورامي على علامات الجوع، يتطلع كل أصحابها لأعلى كأنهم في انتظار نجدة ما، في مشهد يستدعي مشاهد المجاعات والجفاف في أفريقيا التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام العالمية بكل ما كانت تُكرسه من وخز للضمير الإنساني في العالم.
وتميل ألوان جدارية الجوع لتكثيف مشاعر الجوع، فهي تميل لحالة لونية عدمية مُشتقة من درجات العظام والتراب، فحسب القرني، فإن «موضوع العمل فرض ألوانه ومشتقاتها التي توحي بفكرة العدم»، وتبرز وسط جموعه الجائعة تفاصيل بصرية دلالية كالأواني الفارغة، والمراكب المُهشمة التي تستدعي حكايات الهجرة غير الشرعية المتتالية التي عادة ما تقل على متنها الجموع الهاربة من الجوع فتقذف بهم لضفاف الموت.
إلى جانب جدارية الجوع، يستعرض المعرض عدداً من أعمال طه القرني المُشبعة بالحس الشعبي والتراثي الذي يميل فيها لتبسيط العناصر، ومنح البسطاء البطولة المُطلقة لأعماله، ويُطلون عادة في تكوينات جماعية، كأنهم يشاركون بطولة الحكاية ذاتها، يظهرون وهم يُحدقون في مركز الرؤية كأنهم ممثلون لسيرة ملايين المهمشين، في كدحهم اليومي من أجل البقاء، فيجمع فيها بين الحلم والحنين والبساطة النابعة من مخزون التراث والهوية المحلية، فنرى الطقوس النوبية، والموالد الشعبية، وطقوس الطعام الشعبي، ومواسم الحصاد، وأجران القمح، والأسواق، والغناء الشعبي، في أعمال تغلب عليها المشهدية الفائقة، والحيوية اللونية.
نظرة فنية على ألم «الجوع»
معرض للفنان طه القرني يضم جدارية بطول عشرة أمتار
نظرة فنية على ألم «الجوع»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة