«ع الحلوة والمرة»... ميزان الربح والخسارة

دراما طريفة تخفف من المشاعر الثقيلة

من اليمين: نور علي ودانا مارديني مع نيكولا معوض وباميلا الكيك
من اليمين: نور علي ودانا مارديني مع نيكولا معوض وباميلا الكيك
TT

«ع الحلوة والمرة»... ميزان الربح والخسارة

من اليمين: نور علي ودانا مارديني مع نيكولا معوض وباميلا الكيك
من اليمين: نور علي ودانا مارديني مع نيكولا معوض وباميلا الكيك

يصحّ اعتبار مسلسل «ع الحلوة والمرة» («إم بي سي 4» و«شاهد»)، استراحة لطيفة. استلقاء من دون تفكير و«pause» من المشاعر الثقيلة. لا تتكفل أحداثه بالإزعاج، وصنفه لا يكبّد مزيداً من العبء. مواقف طريفة تدنو أحياناً من البساطة، وسياق يلفّ حول فكرة واحدة: تحضيرات العرس. دراما على الطريقة التركية، من بطولة نيكولا معوض ودانا مارديني، مع باميلا الكيك وجو طراد. هل هو نقلة نوعية لرباعي البطولة؟ ربما لا. المسلسل (إعداد السيناريو والحوار: لبنى مشلح ومي حايك؛ إخراج فكرت قاضي)، يخفف عن الناس ولا يضيف الكثير فنياً لأبطاله. ليس انتقاصاً من قدراتهم؛ إنما لأن السياق لا يحتمل قبض الأدوار على محمل الجد. الممثلون يتسلّون ويسلّوننا.
مناخ المسلسل تركي، مع فارق، يرجى التوقف عنده: لا نواح! البطلة، دانا مارديني، بدل كآبات الليل والنهار، وفتح الشلالات الدفّاقة في العينين الواسعتين، تستبدل بالمآسي الهزل. كوميدية العمل هي نجاته. فيه نسمات «هضامة»، فهو ليس من المسلسلات التي تشغّل الرأس وتحرق الأعصاب. المشاهدة للترفيه فقط لا غير.
ما القصة؟ «لانا» (باميلا الكيك) عروس مستقبلية، والمسلسل يدور حول التحضيرات لعرسها من دون الجزم بأنه سيتم. الكيك في دور يلبسها تماماً: الثرية الدلوعة. تشعر بأن شيئاً ليس على ما يرام في علاقتها بـ«ريان» (نيكولا معوض)، ومع ذلك تستمر في مطاردة أوهام الهناء الكامن في حبهما الملتبس. الماضي محرّك الأحداث، والحاضر استجابة لنيرانه. فمن بين كل منظّمي الأعراس، لم يقع «ريان» إلا على «فرح» (دانا مارديني)، حبيبته التي تركها في يوم زفافهما، لتنظّم له عرسه. ظن أنه طوى الصفحة، إلى أن ظهرت مجدداً في حياته، «فخربطته وخربطها».
تصب المواقف في موقف لا قبله ولا بعده: الطريق إلى «الفضيحة». كل ما يحدث مصدره ترسبات الماضي، وما جرى سابقاً بين حبيبين لم يتجاوزا صدمة القدر. لا «ريان» ولا «فرح» شُفيا من الفراق. فإذا بالصدفة تخبط بيدها على الطاولة: الحبيبة السابقة تنظّم عرس الحبيب السابق، وتصبح صديقة خطيبته. ماذا بعد؟ يدخل «وسام» (جو طراد) على الخط، ولا يبدو أنه خصم سهل. للصدفة أيضاً، «وسام» شقيق «لانا». و«لانا» خطيبة «ريان». و«ريان» يحوم حول «فرح». لحِّق على ضحك.
مرّت 30 حلقة، والمفاجآت ليست من العيار الثقيل. هناك إنذارات، أي إنّ حادثاً يقع، فيمرّ على خير. يجتمع «ريان» و«فرح» على مواقف محرجة، نهايتها واحدة: الخروج كالشعرة من العجينة. منذ الآن وحتى يُكشف الحبيبان السابقان، لن ينتقل المسلسل إلى مرحلة جديدة. شك «وسام» بـ«فرح» يرفع الحماسة. الحلقات للمغامرة معروفة النتيجة: المياه تجري من تحت قدمي «لانا» المتظاهرة بسعادة مشكوك فيها، لكن ذلك لن يدوم طويلاً.
المسلسل ثنائيات، بين ثلاثي يضيف طعماً لذيذاً على الخلطة: كارمن لبّس بشخصية «أسمى»، الأرستقراطية الأنيقة (والوحيدة) الواثقة بنفسها؛ محمد خير جراح بشخصية «صلاح» الأب الطيب القلق على ابنته؛ وسلمى المصري بدور هستيري: «شيري»، الأم الناقمة على من حولها. الثلاثية الذهبية، «ثقل» المسلسل. تنضم إلى ثنائية عفوية، هي الأكثر انسجاماً: هادي أبو عياش بدور «تيم» ونور علي بدور «آية». شاب يبحث عن فرصة لإثبات الحب، وشابة تبحث عن الإحساس بالقبول، فترمم الخذلان في داخلها. هنا، تكتمل التركيبة: ثنائيات الغرام، بجانبيه الحلو والمر. ما يريده القلب ولا يحصل عليه.
نيكولا معوض عفوي، سلس، يمرّ على الشاشة كشربة ماء. دور «ريان» من دون مطبات، لا يحك جلده. لطفه أقوى من القسوة الموجودة في الشخصية. ودانا مارديني فنانة، تُحسن التقلّب بين الضحكة والدمعة. تمسك بتعابير وجهها وتُخضع ملامحها للدور. حضورها في المسلسل مفلوش، لا يقتصر على موقف واحد. واضطرابها كوميدي، خفيف على القلب. كما أن جو طراد ممثل شاطر، لم تختلف عليه الأجواء كثيراً عن «عروس بيروت». المواجهة مع «ريان» بسبب الحب، أجمل من لقطات الحب نفسها. يصبح الرجل ذئباً حين يتعلق الأمر بامرأته. لا يداري الود ولا يحفظ خط الرجعة.
تبقى باميلا الكيك التي تضيف إلى الدور رشّة سكر زيادة. الشخصية مُحلّاة، وأمكن شدّ بعض تفاصيلها. فالتراخي يغلب أحياناً. هو الدور الذي يشترط شابة ثرية، تتعامل مع الحياة كطفلة مدللة. تملك كل شيء، وتفقد أهم الأشياء: الطمأنينة. في اللحظات التي تخرج فيها «لانا» عن دلعها وتصطدم بالخوف، تصبح حقيقية. الإفراط في الدلع يعرّضها لخطر الـ«فايك» ويحاول أن يسطّحها. في انتظار ردّ الفعل بعد الكشف عن المستور. فالمرأة العاشقة حد التغاضي عن برودة حبيبها، لن تسكت عن وجود امرأة عائدة من الماضي، تنغّص عليها فرحتها. المواجهة بينها وبين دانا مارديني، نقلة المسلسل النوعية.
الميزان ليس خاسراً، وهو أيضاً لا يحقق أرباحاً طائلة. أجمل ما فيه بعده عن النكد. لا بأس إن ضحكنا على المغامرات الساذجة وانتظرنا مسلسلاً لا يتطلب تركيزاً عميقاً. في هذه الأيام يفيض الهم. «يلي فينا مكفينا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».