فكر وفن وشعر وسياسة في الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الـ42

6 ندوات ضمن جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة

جانب من جداريات «أصيلة»
جانب من جداريات «أصيلة»
TT

فكر وفن وشعر وسياسة في الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الـ42

جانب من جداريات «أصيلة»
جانب من جداريات «أصيلة»

تنظم مؤسسة منتدى أصيلة، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، الدورة الثانية (الخريفية) من موسم أصيلة الثقافي الدولي الثاني والأربعين، ما بين 29 أكتوبر (تشرين الأول) و18 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وذلك بعد تنظيم الدورة الأولى في الصيف ما بين 25 يونيو (حزيران) و18 يوليو (تموز) الماضيين، التي خصصت للفنون التشكيلية.
وتستضيف الدورة الثانية للموسم ست ندوات، في إطار الدورة الـ35 لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، وذلك وسط حضور عربي وأفريقي ودولي لافت، بمشاركة صفوة من الباحثين والمفكرين وأصحاب قرار نافذين والشعراء.
واختارت المؤسسة أن تنظم فعاليات هذا الموسم في دورته الـ42 على فترتين، في الصيف وفي الخريف، بعد أن تعذر تنظيمها سنة 2020. بسبب تفشي جائحة «كوفيد - 19»، لكنها نظمت، بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة سلسلة من الأنشطة الفنية توزعتها سبع فقرات، شملت مشاغل صباغة على الجداريات ومعارض تشكيلية وورشة للكتابة، وذلك مساهمة من المؤسسة في إذكاء شعور السكان بالمرح والطمأنينة عن طريق الفنون التشكيلية كوسيلة للتعافي والشفاء من تداعيات الجائحة وآثارها على مزاج السكان وصحتهم.
وسينطلق برنامج الندوات، برسم الدورة الخريفية، بندوة افتتاحية بعنوان «المغرب العربي والساحل: شراكة حتمية؟»، وذلك من 29 إلى 31 أكتوبر الحالي. فيما تبحث الندوة الثانية، التي سينسقها لويس أمادو، وزير خارجية البرتغال الأسبق، سؤال «أي مستقبل للديمقراطية الانتخابية؟»، وذلك من 3 إلى 5 نوفمبر المقبل.
وستتناول الندوة الثالثة، التي سينسقها الكاتب والأستاذ الجامعي الموريتاني عبد الله ولد أباه، موضوع «العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة: العروبة إلى أين؟»، وذلك أيام 8 و9 و10 نوفمبر. أما الندوة الرابعة، التي سينسقها الإعلامي المغربي الدكتور جمال المحافظ، فستكون تكريمية في إطار فضاء «خيمة الإبداع»، وسيجري خلالها تكريم الإعلامي المغربي محمد البريني، وذلك يوم 11 نوفمبر المقبل.
وتتناول الندوة الخامسة موضوع «الشيخ زايد: رؤية القائد المتبصر»، وذلك يومي 12 و13 نوفمبر المقبل، بحضور نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وسيسدل الستار على الدورة بتنظيم اللقاء الشعري الثاني، في موضوع «لغة الشعر العربي اليوم»، من تنسيق الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين.
وفضلاً عن هذه الندوات، تستضيف المرحلة الثانية من الموسم فعاليات فنية، ضمنها «ورشة الصباغة» و«ورشة الحفر» و«مشغل مواهب الموسم» و«مشغل ورشة كتابة وإبداع الطفل»، الذي يبقى ورشة لتنمية وتطوير كتابة الطفل. كما تشهد تنظيم معرض فردي للفنان التشكيلي المغربي - الإسباني اللامع خالد البكاي الذي يستضيفُه الموسم للمرة الثانية، حيث كان له معرض فردي في أصيلة سنة 2007.
وبجانب معرض البكاي، الذي يبقى من أبرز وأهم فعاليات هذه التظاهرة، وذلك بالنظر إلى مكانة الفنان عربياً، وأوروبياً ودولياً، ينظم الموسم معرض «صيفيات الفنون»، برواق مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، ومعرضاً للفنانين الصاعدين الزيلاشيين الشباب، بفضاء المعارض في ديوان قصر الثقافة. كما ينظم معرض خاص بأعمال الأطفال، برواق مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية.
وكانت الدورة الصيفية للموسم قد عرفت تنظيم مشغل الصباغة على الجداريات، كما جرت العادة منذ ربيع 1978، نشطه 11 فناناً في مختلف أزقة مدينة أصيلة العتيقة (من 25 يونيو إلى 3 يوليو، ومشغل النحت والرسم بمشاركة 11 فناناً في مشاغل الفنون التشكيلية بقصر الثقافة، ومشغل الصباغة على الجداريات الخاص بأطفال مدينة أصيلة بحدائق قصر الثقافة، إلى جانب معرض «ربيعيات 2021» الذي أقيم برواق المعارض بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، ومعرض أعمال «مشغل أطفال الموسم» الذي أقيم برواق المعارض بمركز الحسن الثاني، و«معرض الفنانين الزيلاشيين الشباب»، الذي أقيم بديوان قصر الثقافة. هذا إلى جانب ورشة «الإبداع الأدبي»، التي أشرف عليها الأستاذ الشاعر أحمد العمراوي، لفائدة طلبة المدارس الإعدادية والثانوية في أصيلة.
ويحرص القائمون على هذا الحدث المتميز على التجديد النوعي والكمي، ضمن خيار الاستمرارية والمحافظة على الهوية الفكرية، التي طبعت الموسم منذ انطلاقه، في 1978، كتظاهرة هادفة غير مسبوقة في المجال الثقافي غير الحكومي بالمغرب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».