مطالب شرق السودان تعجيزية أم حقيقية؟

تبدأ من إلغاء اتفاق السلام لإقالة الحكومة... وبعضهم يعدها «صناعة عسكرية»

عناصر من قبيلة البجا شرق السودان خلال احتجاجات في ميناء عثمان دقنة بسواكن أول من أمس (أ.ف.ب)
عناصر من قبيلة البجا شرق السودان خلال احتجاجات في ميناء عثمان دقنة بسواكن أول من أمس (أ.ف.ب)
TT
20

مطالب شرق السودان تعجيزية أم حقيقية؟

عناصر من قبيلة البجا شرق السودان خلال احتجاجات في ميناء عثمان دقنة بسواكن أول من أمس (أ.ف.ب)
عناصر من قبيلة البجا شرق السودان خلال احتجاجات في ميناء عثمان دقنة بسواكن أول من أمس (أ.ف.ب)

بدأت الأزمة في شرق السودان باعتراض زعيم أهلي يقود تجمع لعدد من القبائل في الإقليم على اتفاقية «جوبا» للسلام التي تضمنت معالجة قضايا الحكم والثروة في الشرق، أسوة بمناطق النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، لوقف الحرب وإحلال السلام، بصفتها إحدى أهم أولويات الحكومة لعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وتصاعدت الأزمة بشكل أكبر في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، حينما أقدم ناظر عموم البجا والعموديات المستقلة، محمد الأمين «ترك»، على إغلاق الموانئ الرئيسية في البلاد، وخطوط أنابيب الوقود، والطريق القومي الرابط بين الإقليم والعاصمة الخرطوم، مما أدى إلى شلل تام في حركة التجارة ونقل البضائع إلى جميع الولايات، ورهن التراجع عن هذه الخطوات التصعيدية بإلغاء اتفاق السلام.
وعقب المحاولة الانقلابية التي أحدثت شقاقاً حاداً بين المدنيين والعسكريين، شركاء الحكم في أجهزة السلطة الانتقالية، ولا يزال الخلاف محتدماً بين الطرفين، أخذت قضية «الشرق» فصلاً جديداً، ورفع الزعيم الأهلي من سقف مطالبه بإلغاء مسار السلام، لحل الحكومة الانتقالية في الخرطوم، وتشكيل حكومة من «تكنوقراط»، وصعد من لهجته الحادة تجاه المدنيين، رافضاً أي تفاوض معهم.
ولا يخفي المكون المدني في الحكومة الانتقالية الإشارة بأصابع الاتهام إلى جزء من المكون العسكري، وعده أنه وراء تصعيد الأوضاع في الشرق لخنق الحكومة المدنية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ما يمهد الأوضاع لانقلاب على السلطة الانتقالية، ويقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي. كما يشير بعضهم إلى أن الشروط التي يضعها ترك هي شروط تعجيزية، حيث استحالة إقالة الحكومة لإقامة حكومة «تكنوقراط» موالية للعسكر.
وفي حين يتفق كثيرون على أن مطالب الشرق حقيقية، مثلها مثل مطالب الأقاليم الأخرى التي تعاني التهميش وضعف التنمية أنفسهما، فإنهم يرون أن ابتعاد الجيش عن التدخل، ووجود مجموعات محسوبة على النظام السابق، تزيد من نيران الأزمة.
وأقر محمد الأمين «ترك»، في مقابلة مع قناة العربية، عندما سئل عن رغبته في التفاوض مع المكون العسكري الذي وقع على اتفاقية (جوبا) للسلام، بحكم توليه رئاسة ملف السلام، أقر بأنه تحت حماية المكون العسكري، لذلك يتمسك به.
ويتهم «ترك» الحكومة المدنية بالتسبب في الأزمة الحالية، لعدم الالتزام بمقررات مؤتمر «سنكات»، وأن بعض الأطراف فيها أصبحت جزءاً من الصراع في الشرق.
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، قد نفى أي دور للمكون العسكري بالأزمة في شرق السودان، مؤكداً حرصه على معالجة القضية، واستقرار الفترة الانتقالية، لضمان نجاحها، وصولاً إلى مرحلة التحول الديمقراطي.
وخلف التصعيد في الشرق انقساماً داخلياً وسط المكونات المجتمعية بشرق السودان، ما دفع عدداً من قادة الإدارات الأهلية والقوى الاجتماعية لتنظيم مؤتمر شارك فيه الآلاف لدعم العلمية الانتقالية في البلاد، ومسار السلام الذي يخص شرق السودان في اتفاقية «جوبا».
وكانت الحكومة الانتقالية قد أعلنت استعدادها للجلوس مع أطراف الأزمة في شرق السودان، وأمنت على عدالة القضية وأولويتها لارتباطها بالقضايا السياسية والاجتماعية والتنموية لمواطني شرق البلاد، لكنها حذرت من تبعات ما يترتب على إغلاق الميناء وإقفال الطرق من آثار وانعكاسات على البلاد.
وكان رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، قد شرع في إجراء مشاورات لحل الخلافات مع الجانب العسكري الذي تسبب في تعطيل الاجتماعات المشتركة لأجهزة الدولة وحل قضية الشرق.
وكون حمدوك لجنة عليا برئاسته، تضم وزراء الخارجية والمالية والاتصالات، للاتصال بالمكون العسكري بالمجلس السيادي، للتوافق حول إيجاد حلول عملية لملف أزمة شرق السودان، في ظل تعثر عمل مؤسسات الدولة ضمن الشراكة.
وتطالب قوى «الحرية والتغيير»، الكتلة الرئيسية في التحالف الحاكم في السودان، بالفصل بين الخلافات مع المكون العسكري ومعالجة قضية الشرق.
وفي 27 من سبتمبر(أيلول) الماضي، توصل وفد الحكومة إلى اتفاق مع مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، بشأن السماح بمرور صادر بترول دولة جنوب السودان عبر الموانئ السودانية خوفاً من الخسائر الضخمة المترتبة على إيقاف صادرات النفط.
واقترح الوفد الحكومي خلال الاجتماع عدداً من الحلول لتجاوز الخلافات في قضية شرق السودان، تشمل فتح الموانئ والطريق القومي، كما اقترح قيام مؤتمر جامع لأهل شرق السودان، تكون مخرجاته ملزمة للحكومة وأهل شرق السودان.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.