- Old Henry
- إخراج: بوتي بونسيرولي
- الولايات المتحدة (2021)
- وسترن | عروض مهرجان فينيسيا
- (★★★★)
ما زالت السينما الأميركية تضخ أفلام وسترن تستدعي الانتباه و«أولد هنري» أفضلها في السنوات القريبة. إذا ما أضفنا إليه Cry Macho لكلينت إيستوود (الذي هو من الوسترن المعاصر) والفيلم المقبل The Harder The Fall لجاميس سامويل (من أصل 12 فيلم وسترن جديد هذه السنة) فإن العام الحالي يسجل نسبة لا بأس بها من أفلام الغرب الأميركي، هذا النوع الذي مضت عنه الاستوديوهات الكبرى وتولته شركات مستقلة صغيرة، باستثناء فيلم إيستوود الوحيد الذي شهد دعماً من شركة كبيرة (وورنر).
«هنري العجوز» يختلف عن الكثير من أفلام الغرب من دون أن ينفصل عنها. تقع الأحداث، في معظمها، داخل منزل في مزرعة وليس في بلدة أو في تلك البراري. نتعرّف على بطل الفيلم هنري (تيم بلايك نلسون) مزارعاً يسكن منزلاً صغيراً مع ابنه وايات (غافن لويس) بعد وفاة زوجته (لا وجود لممثلات في الفيلم). على مسافة غير بعيدة من مزرعته هناك عصابة يقودها كاتشام (ستيفن دورف) الذي يدّعي أنه رجل قانون. نراه في مطلع الفيلم يقتل رجلاً ويلاحق آخر اسمه كوري (سكوت هايز) استطاع الهرب من المطاردة مع حقيبة مليئة بالمال. كوري مصاب بطلق ناري وغائب عن الوعي. حقيبة المال ملقاة بالقرب منه، وهنري يجده ويجد المال ويعود بهما إلى مزرعته. يدرك كاتشام أن كاري والمال موجودان هناك ويقترح على هنري تسليمهما. حين يرفض يعود مع رجال كثيرين حيث تقع المنازلة الأخيرة بنتائج غير متوقعة.
يبني المخرج أحداثه بخطوات واثقة فالحكاية ليست كثيرة وخط الفيلم قصصياً نحيف لكن هذا لا يمنعه من إثراء الشخصيات التي يتعامل معها خصوصاً شخصية هنري. يتبيّن لنا، تدريجياً، أن هنري لم يولد رجلاً عادياً أو مزارعاً، بل له خلفية غامضة تتجلى صوب النهاية. كذلك يعمل الفيلم على سبر غور علاقة هنري بابنه الشاب الذي يريد أن يكون شريكاً لوالده في مهمّة الدفاع عن النفس ضد كاتشام. كذلك ما يحدث داخل البيت بين الاثنين وبين كوري مثير في ذاته.
يبقى الفيلم أصغر مما يتمناه المرء لكن ما يثريه تصوير جون ماتياسيك المخصص للشاشة العريضة، وموسيقى جوردان لنينغ على الغيتار. الفيلم تجربة ناجحة تنضح بحب سينما الغرب وأداء تيم بلايك نلسن لا يغيب عن البال لإجادته تشخيص حالة رجل يحاول إخفاء ماضيه إلى أن تفرض عليه الأحداث كشفه.
- No Time to Die
- إخراج: كاري فوغوناغا
- الولايات المتحدة (2021)
- أكشن | عروض تجارية
- (★★★)
جرت العادة التمهيد لأي فيلم من أفلام بوند، بفصل من الأحداث الخطيرة التي أحياناً لا علاقة وثيقة لها بما سيتناوله الفيلم من أحداث. معركة في الجو. محاولة اغتيال تحت سطح الماء. مطاردة فوق ثلوج جبال الألب إلى آخر تلك المَشاهد التي تسبق العناوين والموسيقى المعتادة كما الأغنية المختارة لمواكبة تلك العناوين.
الوضع يختلف هنا. نعم، هناك فصل من المطاردات والمعارك، لكن التمهيد (وهو أطول من العادة، إذ يقترب من ربع ساعة) مخصص لكي يشرح ماضي العميلة مادلين سوان (ليا سيدو). نراها فتاة صغيرة يغتال أحدهم والدتها وينوي قتلها لكنها تنجو بواحدة من تلك الأعجوبات الغريبة. بعد ذلك، وما زلنا في التمهيد، ننتقل نحو خمس عشرة سنة إلى الأمام. ها هما، جيمس بوند (دانيال كريغ) ومادلين يعيشان معاً، وفجأة يكتشف أنها قد تكون باعته لمنظمة «سبكتر». ستنفي. سيرفض النفي ويضعها في قطار ولن يلوّح لها وداعاً.
دانيال كريغ جيمس بوند مختلف كثيراً عن كل جيمس بوند آخر. معظم السابقين (على الأخص شون كونري، روجر مور وبيرس بروسنان) لعبوا الشخصية الشهيرة لتأكيد قوّتها الذاتية والمخابراتية والعاطفية والبدنية. كريغ يلعب الشخصية ليعكس جوانب داخلية تناقض القوّة الذاتية والعاطفية. هو واجم معظم الوقت. مرتاب في خطواته وعواطفه منغلقة. قد يقع في الحب، لكنه الحب الذي قد يعاني منه أي عاشق آخر. وهو لن يحب امرأة لأنها مجرد أنثى جميلة. أكثر من ذلك، هو الحمل الأسود في القطيع. أكثر بوند سخطت عليه المخابرات البريطانية التي يعمل لها وأكثر من خرج عن تعليماتها وأوامرها.
هذا كله يعود إلى الواجهة في «لا وقت للموت» وفوقه أنه حريص على نمو ما قد يُبعد المشاهد عن جاذبية بوند السابقة كاشفاً عن شخصية مشروخة في الداخل. ليس مطلقاً العميل المثالي ولا الإنسان المثالي أيضاً. وهو كان أعفي من الخدمة منذ خمس سنوات وعودته فرضتها عليه ظروف لم يسع إليها بل حامت حوله. فهو ما زال عدو منظمة «سبكتر» الأول من ناحية ومخلص لصديقه فيلكس (جفري رايت) الذي يعمل للمخابرات الأميركية واكتشف أن المنظّمة استولت على سلاح موجه يستخدم حامض الأنوسينيك - نوكليوتيد (DNA) لتحميل البشر فيروسات قاتلة. صديقه مات وهو في أثر القتلة وفي أثر المنظّمة قبل أن يفوت الأوان.
يعالج المخرج كاري فوغوناغا الفيلم كما هو متوقع من فيلم بوند: مطاردات ومعارك ومواقف خطرة مُصاغة باستخدام آخر المستحدث من لغة المؤثرات. لا يمانع المخرج استخدام الضجيج للتأثير، مما يسهم في توجيه الفيلم لحظيرة الأعمال التي تبقى مفصولة عما تقصد أن تحتويه من مشاعر. نعم، يعكس كريغ ما سبق وشرحناه هنا، لكن الدراما لا توازي هذا الشرح. هناك حاجز يمنع المواقف الشخصية من لعب دورها المفترض بسبب من اتقان مشاهد الأكشن ومنحها مواقف غير مسبوقة بتقنيات متقدّمة.
على سبيل المثال، مشهد مقتل فيلكس وغرقه في البحر أمام عيني بوند مفترض أن يحمل عاطفة بوند حيال صديقه، لكن المشهد مقسّم إلى لقطات قصيرة ويمضي بلا أثر. أيضاً سنلاحظ أن عودة بوند إلى مادلين تؤكد ما بدا من الوهلة الأولى: عدم تجانس بينهما. ليست هناك كيمياء مناسبة بل مشاركة مشاهد.
العادة جرت أن يكون آخر فيلم يمثله أحد ممثلي شخصية بوند هو الأسوأ بين أفلامه. هذا حدث مع شون كونري («ماس للأبد») وروجر مور («منظر للقتل») وبيرس بروسنان («مت في يوم آخر»). مع دانيال كريغ هذا لا يحدث لأن الفيلم منتفخ بالأحداث. بعضها غير متوازن ولا على تتابع جيد، لكنه واقع تحت بصمة وجهد كريغ لترك بصمة على بوند لا تُمحى. هذا سيجعل مهمّة خليفته في الدور صعبة كذلك مهمّة صانعي السلسلة، إذ يضعهم أمام خيارين: المضي في الصورة التي أسسها دانيال كريغ أو العودة إلى الأسس السابقة.
★ ضعيف| ★ ★ : وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة