حصيلة متناقضة من النجاح والإخفاق لحكومة الكاظمي

ملصق انتخابي على وسيلة مواصلات في البصرة جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)
ملصق انتخابي على وسيلة مواصلات في البصرة جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)
TT

حصيلة متناقضة من النجاح والإخفاق لحكومة الكاظمي

ملصق انتخابي على وسيلة مواصلات في البصرة جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)
ملصق انتخابي على وسيلة مواصلات في البصرة جنوب العراق أمس (أ.ف.ب)

يطوي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ظل حكومته بعد نحو عام ونصف العام من تكليفه. شهور مرت حرجة وعصيبة على النظام السياسي منتقلاً بين الاحتجاج والانتخابات المبكرة، التي تعقد بعد 3 أيام.
ورغم الانقسام الحاد في تقييم أداء الكاظمي، فإن مدير المخابرات السابق ينصرف الآن إلى تصريف الأعمال، متحرراً، ظاهرياً، من قيود التنافس الانتخابي، واستغلال موارد الدولة لمصالح حزبية، وهو بلا ظهير ولا تحالف سياسي يمرر له الخدمات.
لكن ما الذي يمكن إحصاؤه خلال ولاية الكاظمي، وهي فترة انتقالية استثنائية بدأت منذ اندلاع احتجاج شعبي واسع طالب بتغيير النظام السياسي وإصلاحه؟
في الأشهر الأولى من عمر الحكومة، تجادل المراقبون في حقيقة أنها تَمثّلٌ سياسي واجتماعي للحراك الاحتجاجي، أم إنها حالة طوارئ لجأت إليها المنظومة السياسية لاستيعاب غضب الشارع. في نهاية المطاف، تبدو الخلاصات تجمع بين حكومة تشكلت برسم الاحتجاج، ساعدت النظام السياسي على البقاء حياً طوال الشهور الماضية.
وما إن تحرك قطار الكاظمي، حتى طرح الرجل القادم من ميدان الإعلام وعوداً بالجملة، محيطاً نفسه بأداء إعلامي غير تقليدي، لينتهي بحصيلة متناقضة من النجاح والإخفاق.
وخلافاً للحكومات السابقة، تجرأ الكاظمي على كسر الأحادية الدبلوماسية، المنخرطة كثيراً في تلبية الانعكاس للمصالح الإيرانية.
جولات من الوساطة، وحوارات علنية وسرية قادها العراق بين دول إقليمية بهدف التهدئة، كان أبرز دور لعبته حكومة الكاظمي وغيّر وجه الدبلوماسية العراقية من أنها هامشية إلى الفاعلية المركزية بين اللاعبين الأساسيين في المنطقة.
وحاز الكاظمي دفعة سياسية كبيرة بعد انعقاد «مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون»، الذي شهد حضور قادة دول الجوار فضلاً عن الجامعة العربية وفرنسا. وبحسب موظفين دبلوماسيين شاركوا فيه، فإن ما حدث على هامش المؤتمر أكثر أهمية من متنه.
يقول مسؤول عراقي رفيع إن الكاظمي «لعب بالممكن». والممكن هنا ضبط الحد الأدنى من التهدئة، رغم أن هذه الطريقة جعلته يبدو في كثير من الأحداث المفصلية عاجزاً عن حسمها أو إدارتها لقربها من فخاخ سياسية وأمنية متراكمة من حكومات سابقة.
وتبرز قضية عنصر «الحشد الشعبي»، قاسم مصلح، على رأس جردة الحساب، في تعبير عملي عن حالة الكاظمي العالق بين المهمة التي أراد تنفيذها والواقع المركب الذي عاشته حكومته الانتقالية.
ومن وقائع اعتقال مصلح والطريقة التي أطلق سراحه بها، كان من الواضح أن فصائل مسلحة وضعت حكومة الكاظمي أمام احتمالات تفجر الوضع، وإمكانية الانقلاب عليه، ولو داخل المنطقة الخضراء وبسلاح الدولة. بدت الرسالة حينها مثل صافرة إنذار للحكومة فيما لو أرادت «التحرش» بالمجموعات التي توالي إيران لكنها تعمل «في إطار الدولة».
من يومها، خاض الكاظمي، بعد وساطات سياسية، في مفاوضات مع الخصوم على التهدئة مقابل «تسيير أمور الدولة» إلى حين الانتخابات.
اقتصادياً، وقد تكون هذه من أخطاء الكاظمي الاستراتيجية، أنه وضع سياسة مالية إصلاحية لحكومة غير انتقالية، لكنه غامر في مواجهة النظام المالي الذي ترعاه الأحزاب حين خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، في إطار الورقة الإصلاحية المعروفة بـ«البيضاء». وشهدت سوق العمل والمال في البلاد، منذ تعديل سعر الصرف، إرباكاً مستمراً، ظهرت تأثيراته على أصحاب الدخل المحدود وقطاع الموظفين. ودعت إحدى الأفكار التي اعتمدتها الحكومة في «الورقة البيضاء» إلى إيقاف النزف المالي لخزينة الدولة في تشغيل القطاع العام المتضخم بملايين الموظفين؛ بعضهم خارج الخدمة العامة تماماً، وتشجيع سوق العمل العراقية على إنعاش القطاع الخاص والاستثمار. هذا الأخير كان يستهدف مصالح حزبية واسعة تعتمد على التوظيف بوصفه جزءاً من ركائز حماية الكتل الانتخابية في المجتمع.
ولا يمكن تقييم تجربة الكاظمي بمقاييس الفشل أو النجاح؛ إذ لا يمكن معايرتها على هذا النحو نظراً لمجيئه في توقيت بالغ الحساسية، لكن الرجل وهو يختم جولته في مكتب الرئاسة، منفذاً أبرز وعوده بإجراء الانتخابات المبكرة، يقدم خلاصات سياسية عن فرص العراق النادرة والشاقة في التحول من نظام المحاصصة والفساد، إلى دولة مستقرة داخلياً، وشريكاً موثوقاً في المنطقة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».