«وثائق باندورا» تلاحق مئات الزعماء وأصحاب المليارات

عقار في حي مايفير الراقي في لندن تزعم وثائق «باندورا» أنه مرتبط بأسرة رئيس أذربيجان (أ.ب)
عقار في حي مايفير الراقي في لندن تزعم وثائق «باندورا» أنه مرتبط بأسرة رئيس أذربيجان (أ.ب)
TT

«وثائق باندورا» تلاحق مئات الزعماء وأصحاب المليارات

عقار في حي مايفير الراقي في لندن تزعم وثائق «باندورا» أنه مرتبط بأسرة رئيس أذربيجان (أ.ب)
عقار في حي مايفير الراقي في لندن تزعم وثائق «باندورا» أنه مرتبط بأسرة رئيس أذربيجان (أ.ب)

أثارت مجموعة ضخمة من السجلات المالية الخاصة بالمئات من زعماء العالم وسياسييه وأصحاب المليارات وغيرهم من النجوم وحتى بعض من تحوم حولهم شبهات، لغطاً واسعاً من الشرق الأوسط إلى الأميركيتين ومن آسيا إلى روسيا وبريطانيا، بعدما كشفت تفاصيل مثيرة عن استخدام نظام «أوفشور» للتعاملات الخارجية بثروات يصل إجمالها إلى تريليونات الدولارات. وهذه التعاملات قانونية لكنها مثيرة للجدل، خصوصاً لجهة أنها تسمح بإخفاء هوية الملاك الحقيقيين للعقارات.
وتشمل «أوراق باندورا» أو «وثائق باندورا» التي نشرها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، وشارك في كشفها نحو 600 من الصحافيين من 150 وسيلة إعلامية في 117 دولة، معلومات تتعلق بـ14 من زعماء الدول الحاليين، ومنها ادعاءات عن منازل فاخرة أو عقارات يملكها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وعن امرأة روسية حصلت على ثروة كبيرة ومنزل على الواجهة البحرية في موناكو بعدما ارتبطت مزعومة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وملايين الدولارات من العقارات والأصول والأموال المملوكة سراً لزعماء دول مثل الجمهورية التشيكية وكينيا والإكوادور وغيرها. وكشفت وثائق أخرى عن تعاملات لمسؤولين أميركيين وغيرهم من الغربيين الذين كثيراً ما ينددون بالبلدان الأصغر التي يجري استغلال أنظمتها المصرفية الفضفاضة من قبل ناهبي الودائع والأصول وغاسلي الأموال القذرة.
وكشفت تقارير مستقاة من الوثائق الجديدة تفاصيل جديدة حول تبرع المانحين الأجانب بالملايين لحزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بالإضافة إلى قصص عن نظام كاثوليكي مبتلى بالفضائح في المكسيك، وملايين الدولارات يحتفظ بها في الخارج أعضاء في حكومة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، فضلاً عن المقتنيات السرية لزعماء من أوروبا إلى أميركا اللاتينية. ونسبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية إلى الوثائق أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وسلفه حسان دياب تعاملا أيضاً مع شركات «الأوفشور» مرات عديدة. وقال المكتب الإعلامي لدياب لاحقاً، إنه شارك في تأسيس شركة «إي فيوتشر تك» في عام 2015، لكنها لم تقم بأي عمل منذ تأسيسها وإلى حين قدم استقالته منها عام 2019.
وأوردت «أوراق باندورا» أن رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، وهو ملياردير نصب نفسه كخصم شعبوي للنخبة في أوروبا، ومن المقرر أن يعاد انتخابه هذا الأسبوع، اشترى عام 2009 قصراً بقيمة 22 مليون دولار قرب مدينة كان الفرنسية. وفي كينيا، صقل الرئيس أوهورو كينياتا شخصيته كعدو حازم للفساد. وهو قال عام 2018 إنه «يجب إعلان أصول كل موظف حكومي»، لكن «وثائق باندورا» تظهر أنه والعديد من أقاربه أنشأوا ما لا يقل عن سبعة كيانات في الخارج تمتلك أموالاً وعقارات تزيد قيمتها على 30 مليون دولار. وتشمل الوثائق رئيس مونتينيغرو ميلو ديوكانوفيتش ورئيس تشيلي سيباستيان بينيرا ورئيس الدومينيكان لويس أبينادر، وعائلة رئيس أذربيجان إلهام علييف وشركاء له (يزعم أنهم ضالعون في صفقات عقارية تبلغ قيمتها مئات الملايين في بريطانيا)، بالإضافة إلى الزوجين السريلانكيين ثيروكومار نادسان ونيروباما راجاباكسا. وتورد الوثائق أن الملك عبد الله بن الحسين استخدم عدداً من الشركات لشراء عقارات في كاليفورنيا ولندن وحي جورج تاون بواشنطن العاصمة. ورد الديوان الملكي الأردني، في بيان، بأن الملك «يمتلك عدداً من الشقق والبيوت في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وهذا ليس بأمر جديد أو مخفي». وأضاف: «كلفة هذه الممتلكات وجميع التبعات المالية المترتبة عليها تمت تغطيتها على نفقة جلالة الملك الخاصة، ولا يترتب على موازنة الدولة أو خزينتها أي كلف مالية».
كما نفى الكرملين الذي طالته الاتهامات أيضاً تورطه في مزاعم «باندورا»، مؤكداً أنها «مزاعم لا أساس لها». كذلك نفى رئيس وزراء ساحل العاج باتريك أتشي، الذي كان يدير شركة في جزر الباهاماس حتى 2006 على الأقل، وفقاً للتحقيقات، أن يكون قام بأي «عمل غير قانوني». وكان رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيش، نفى الأحد أن يكون أودع 22 مليون دولار في شركات وهمية لتمويل شراء قصر بيغو، العقار الكبير الواقع في موجان بجنوب فرنسا. وكتب على «تويتر»: «لم أفعل على الإطلاق أي شيء غير قانوني أو خاطئ، لكن هذا لا يمنعهم من محاولة تشويه سمعتي، والتأثير على الانتخابات البرلمانية التشيكية» المقرر إجراؤها الجمعة والسبت المقبلين.
وتتنوع أسماء الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المجموعة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ونجمة البوب الكولومبية شاكيرا، وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر، ونجم الكريكت الهندي ساشين تندولكار، وأعضاء النخبة الصينية وشخصيات من بلدان مختلفة. وهناك ملفات تتعلق بتورط الرئيس السابق دونالد ترمب في مشروع فندق في بنما. لكن لا يبدو أن «وثائق باندورا» تكشف عن معلومات جديدة مهمة حول موارده المالية.
وتعرض «وثائق باندورا» التي تتضمن أكثر من 11.9 مليون سجل مالي ورسائل بالبريد الإلكتروني وجداول بيانات وعقوداً سرية، لأدلة جديدة مهمة حول سعي ولاية ساوث داكوتا الأميركية إلى منافسة الولايات القضائية الغامضة الذائعة الصيت في السرية المالية عبر أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي، وباتت عشرات الملايين من الدولارات الآتية من خارج الولايات المتحدة تخضع الآن للحماية من شركات ائتمان خاصة في مدينة سيوكس فولز الأميركية، وبعضها مرتبط بأشخاص وشركات متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان ومخالفات أخرى.
ويتعدى حجم «أوراق باندورا» التسريب المتعلق بـ«أوراق بنما» الذي كان مصدره شركة محاماة واحدة. وأكد الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن لديه 2.94 تيرابايت من البيانات المالية والقانونية، مما يجعل هذا التسريب أكبر من «أوراق بنما» لعام 2016، ويُظهر أن «آلة النقود الخارجية تعمل في كل ركن من أركان الكوكب، بما في ذلك كبرى الديمقراطيات في العالم». لكن المواد الجديدة تشمل سجلات من 14 كياناً منفصلاً للخدمات المالية العاملة في بلدان وأقاليم تشمل سويسرا وسنغافورة وقبرص وبيليز وجزر فيرجين البريطانية. وتُفصِل الملفات أكثر من 29 ألف حساب خارجي، أي أكثر من ضعف العدد المحدد في «أوراق بنما». وبين أصحاب الحسابات أكثر من 130 شخصاً صنفتهم مجلة «فوربس» في لائحة أصحاب المليارات، وأكثر من 330 موظفاً عاماً في أكثر من 90 دولة ومنطقة، وهو ضعف الرقم الموجود في «وثائق بنما».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن المسؤولة السابقة لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» شيرين عبادي، التي عملت كوكيل رئيسي في عشرات قضايا الجرائم المالية، أن «النظام المالي الخارجي مشكلة يجب أن تهم كل شخص يلتزم القانون في كل أنحاء العالم»، مضيفة أن «هذه الأنظمة لا تسمح فقط للمحتالين الضريبيين بتجنب دفع نصيبهم العادل. إنها تقوض نسيج المجتمع الجيد».
وتعود الغالبية العظمى من المستندات إلى ما بين عامي 1996 و2020، علماً بأن بعضها الآخر يعود إلى السبعينيات من القرن الماضي. ونقلت «وثائق باندورا» عن رسالة إلكترونية من عام 2016 لمسؤولين تنفيذيين في شركة محاماة مرتبطة سياسياً بمدينة بنما، أن هناك «طلبات عديدة من العملاء لتأكيد أمن أنظمة المعلومات لدينا» بعد قصص «أوراق بنما». وألغى المسؤولون التنفيذيون خططاً لتحويل السجلات الورقية إلى تخزين رقمي، أملاً في طمأنة العملاء الحذرين.
وتكشف وثائق باندورا عن ثروات مخفية لخصوم الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء.
لعل أكثر الاكتشافات إثارة للقلق بالنسبة للولايات المتحدة تتمحور حول تواطؤها المتزايد في الاقتصاد الخارجي، إذ تبنت ولايات ساوث داكوتا ونيفادا وغيرها قوانين تتعلق بالسرية المالية تنافس تلك الموجودة في الولايات القضائية الخارجية. وتُظهر السجلات أن قادة الحكومات الأجنبية وأقاربهم والشركات ينقلون ثرواتهم الخاصة إلى صناديق ائتمانية مقرها الولايات المتحدة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».