ربع النجوم الشبيهة بالشمس أكلت كواكبها

تحليل تركيبها الكيميائي كشف السر

أنظمة النجوم الثنائية
أنظمة النجوم الثنائية
TT

ربع النجوم الشبيهة بالشمس أكلت كواكبها

أنظمة النجوم الثنائية
أنظمة النجوم الثنائية

قبل ثلاثين عاما أو نحو ذلك، منذ اكتشاف الكواكب التي تدور حول نجوم غير الشمس لأول مرة، وجد الباحثون أن أنظمة هذه الكواكب شائعة في المجرة، لكنها مختلفة تماماً عن النظام الشمسي الذي نعرفه.
وتدور الكواكب في نظامنا الشمسي حول الشمس في مسارات مستقرة وشبه دائرية، ما يشير إلى أن المدارات لم تتغير كثيراً منذ تشكل الكواكب لأول مرة، لكن العديد من أنظمة الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى عانت من ماضٍ فوضوي للغاية.
«أكل الكواكب»
وساعد التاريخ الهادئ نسبياً لنظامنا الشمسي على ازدهار الحياة على الأرض. وفي البحث عن عوالم غريبة تحتوي على حياة، قاد البحث عن الأنظمة التي لها ماض سلمي مماثل، علماء من كلية الفيزياء والفلك بجامعة موناش الأسترالية، إلى اكتشاف أن ما بين 20 في المائة و35 في المائة من النجوم الشبيهة بالشمس تأكل كواكبها، مع احتمال أن يكون الرقم 27 في المائة، وهو ما يشير إلى أن ما لا يقل عن ربع أنظمة الكواكب التي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس كان لها ماضٍ فوضوي وديناميكي للغاية. ونشرت نتائج هذا الاكتشاف في 30 أغسطس (آب) الماضي بدورية «نيتشر أسترونومي».
وشهد علماء الفلك العديد من أنظمة الكواكب الخارجية التي تحركت فيها الكواكب الكبيرة أو المتوسطة الحجم بشكل كبير، وتسببت جاذبية هذه الكواكب المهاجرة في اضطراب مسارات الكواكب الأخرى أو حتى دفعتها إلى مدارات غير مستقرة.
وفي معظم هذه الأنظمة الديناميكية للغاية، من المحتمل أيضاً أن تكون بعض الكواكب سقطت في النجم المضيف، ومع ذلك لم يكن العلماء يعرفون مدى شيوع هذه الأنظمة الفوضوية بالنسبة للأنظمة الأكثر هدوءاً مثل نظامنا الشمسي، والتي ساعدت «هندستها المعمارية» المنظمة على ازدهار الحياة على الأرض.
وحتى مع توفر أكثر الأدوات الفلكية دقة، كان من الصعب جداً العمل على ذلك من خلال دراسة أنظمة الكواكب الخارجية مباشرة، وبدلاً من ذلك قام الباحثون بجامعة موناش بتحليل التركيب الكيميائي للنجوم في الأنظمة الثنائية.
وتتكون الأنظمة الثنائية من نجمين يدوران حول بعضهما البعض، ويتكون النجمان بشكل عام في نفس الوقت من نفس الغاز، لذلك نتوقع أنهما يجب أن يحتويا على نفس مزيج العناصر.
ومع ذلك إذا سقط كوكب في أحد النجمين، فإنه يذوب في الطبقة الخارجية للنجم، ومكن أن يعدل هذا التركيب الكيميائي للنجم مما يعني أننا نرى المزيد من العناصر التي تشكل الكواكب الصخرية - مثل الحديد - أكثر مما كنا نشاهده بخلاف ذلك.
تركيب كيميائي
وقام الفريق البحثي بفحص التركيب الكيميائي لـ107 أنظمة ثنائية تتكون من نجوم شبيهة بالشمس من خلال تحليل طيف الضوء الذي تنتجه، وحددوا عدد النجوم التي تحتوي على مواد كوكبية أكثر من نجمها المصاحب.
ووجدوا أيضاً أدلة لا لبس فيها على أن الاختلافات الكيميائية التي لوحظت بين الأزواج الثنائية كانت ناتجة عن أكل الكواكب.
وفصلت لورنزو سبينا، الباحثة الرئيسية بالدراسة، هذه الأدلة في مقال كتبته لموقع «ساينس إكس» بالتزامن مع نشر الدراسة ومنها، أن الباحثين وجدوا أولا أن النجوم ذات الطبقة الخارجية الرقيقة لديها احتمالية أكبر لكونها أكثر ثراءً بالحديد من رفيقها، ويتماشى هذا مع أكل الكواكب، حيث إنه عندما يتم تخفيف مادة الكواكب في طبقة خارجية أرق، فإنها تحدث تغييراً أكبر في التركيب الكيميائي للطبقة. ووجدوا ثانيا أن النجوم الأكثر ثراءً بالحديد وعناصر الكواكب الصخرية الأخرى، تحتوي على كمية من الليثيوم أكثر من نظيراتها، ويتم تدمير الليثيوم بسرعة في النجوم، بينما يتم حفظه في الكواكب، لذا لا بد أن مستوى عاليا من الليثيوم في النجم وصل بعد تشكل النجم، وهو ما يتناسب مع فكرة أن الليثيوم كان يحمله كوكب إلى أن يأكله النجم. وأوضحت سبينا أن هذه النتائج تمثل طفرة في الفيزياء الفلكية النجمية واستكشاف الكواكب الخارجية، فهي تشير ليس فقط أن أكل الكواكب يمكن أن يغير التركيب الكيميائي للنجوم الشبيهة بالشمس، لكن أيضاً أن جزءاً كبيراً من أنظمتها الكوكبية خضع لماض ديناميكي للغاية، على عكس نظامنا الشمسي. وتفتح هذه الدراسة إمكانية استخدام التحليل الكيميائي لتحديد النجوم التي من المرجح أن تستضيف نظائر حقيقية لنظامنا الشمسي الهادئ.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً