«صبايا»... فرقة مصرية تُعيد إحياء الأغاني التراثية النسائية

تسعى لضم عازفات من دول أخرى لضمان التنوع الموسيقي

جانب من آخر حفلات فرقة «صبايا» في القاهرة (الشرق الأوسط)
جانب من آخر حفلات فرقة «صبايا» في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

«صبايا»... فرقة مصرية تُعيد إحياء الأغاني التراثية النسائية

جانب من آخر حفلات فرقة «صبايا» في القاهرة (الشرق الأوسط)
جانب من آخر حفلات فرقة «صبايا» في القاهرة (الشرق الأوسط)

منذ فترة طويلة حلمت مجموعة من الفنانات المصريات بتشكيل فرقة غنائية تقدم أغاني التراث النسائي الذي تختزنه ذاكرة المرأة على مر العصور حول العالم، وظل هذا الحلم يراودهن، حتى قررت الفنانة نشوى طلعت صاحبة الفكرة التي كانت تغني في فرقة «الورشة الشعبية»، البدء بإجراءات التأسيس، وعقدت عدداً من اللقاءات مع زميلتيها شيماء العلايلي، وزوزو الرحباني، وبعدها بدأت الاتصالات لضم عضوات أخريات، وكانت نتيجتها الاستقرار على طبيعة الفرقة، وأن تتشكل من المطربات فقط لأنهن الأقدر على تقديم الأغاني التي تمس مشاعر النساء وتراثها وفلكلورها العربي والعالمي المنتشر في كل مكان، بعدها بدأ البحث عمن تتوفر فيهن القدرة على تقديم الألوان الغنائية الشعبية التي ستحقق للفرقة تميزها، ووقع الاختيار على الفنانات هدير شريف وسمر حسين، وريهام الوديدي، ونورهان عماد ومنى السعيد، اللواتي يتميزن إلى جانب الغناء بموهبة الحكي والتمثيل.
لم يكن جمع التراث النسائي الذي تخصصت فرقة «صبايا» في تقديمه أمراً سهلاً فقد أنفقت الفنانة نشوى طلعت 23 عاماً في جمعه، حسب طلعت التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أثناء وجودي في فرقة الورشة التي أسسها الفنان حسن الجريتلي، كنت أطمح لتقديم لون خاص من الغناء يختلف عما تقدمه باقي الفرق على ساحة الغناء في مصر، وقد مرت سنوات طويلة، حتى كان العام الماضي، ووجدت أنّ هناك مادة ضخمة موجودة لدى الفرقة من الفلكلور النسائي العالمي، جمعتها من أصدقاء وأسفار قامت بها، وجلسات مع ملحنين ومطربين أجانب، فضلاً عن الإنترنت، وتنتمي هذه الأغنيات إلى العراق وفلسطين واليمن والتشيك والمغرب والسودان إضافة لمصر وأرمينيا، وكان الناي والربابة والعود، والطبلة، الآلات المناسبة لأجواء الأغنيات وطبيعتها، وهي بالطبع غير كافية فبعض الأغنيات تحتاج عند تقديمها آلات موسيقية تنتمي لبيئاتها تختلف عن الآلات الشرقية التي تصاحب الفرقة حالياً، لذا تعمل الفرقة على ضم عازفين من دول أخرى لضمان وجود مذاقات موسيقية مرتبطة بنوعية الأغاني التي تستعد لتقديمها خلال الفترة المقبلة».
تنوع الأصوات في الفرقة أعطاها فرصة كبيرة لتقديم أغانٍ ينتمي بعضها للتراث النسائي في منطقة بورسعيد الساحلية المصرية، والأفراح في فلسطين، والفلكلور اليمني والسوداني والعراقي، وجنوب مصر، والأرميني الذي قدمت منه المطربة منى السعيد أغنية «نازاني» وتعني «محبوبي»، في حفل الفرقة الذي قدمته أخيراً بمناسبة يوم السلام العالمي بمركز طلعت حرب الثقافي في منطقة السيدة نفيسة حيث ساعد التنوع في الأصوات في تقديم ألوان من الفن التشيكي أيضاً، فلا تطمح الفرقة لأن تغني التراث الشعبي الذي يخص الوطن العربي فقط، لكنها تسعى لتقديم فن نسائي ينتمي للفلكلور الفارسي والأمازيغي والأرميني والإسباني الغجري واليوناني وغيرها. سبب تخصص الفرقة في تقديم أغاني النساء تبرره نشوى طلعت، بقولها: «هن مخزن الحضارات في جميع الثقافات، والأكثر قدرة على التعبير بالغناء والحكايات عن المناسبات المختلفة سواء في الأعراس أو الميلاد، والحنة والحج والسفر وحتى المآتم، فهناك ثراء حقيقي في أشكال تعبير المرأة عن مشاعرها، يظهر في ألوان كثيرة من الغناء كالغزل العفيف في موريتانيا والمعروف بـ(التبراع) و(العديد) بكل أشكاله في صعيد مصر و(الدلوكة) في السودان، ولم تتوقف الفرقة عند هذا الحد بل قدمت أغنيات لفنانين رجال من دول مختلفة وكانت موجهة للنساء».
دمج الأغنيات وأنواع الموسيقى المتنوعة والبحث في التراث والفلكلور النسائي، كلها أسباب دفعت الفنانة زهرة أحمد للانضمام لفرقة «صبايا»، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحمست كثيراً للفكرة بعد حديثي معي الفنانة نشوى طلعت»، مشيرة إلى أنهن يقدمن كل أغنية بقصة تلخص الأجواء التي خرجت منها، وقد امتزجت جميعها بالحكايات الشعبية التي تقدمها الفرقة وتستمدها من حضارات قديمة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».