الصين بين غواية القوة والتراجع الاقتصادي (تحليل)

العلم الصيني قرب مركز مجموعة «إيفر غراندي» في شنغهاي (رويترز)
العلم الصيني قرب مركز مجموعة «إيفر غراندي» في شنغهاي (رويترز)
TT

الصين بين غواية القوة والتراجع الاقتصادي (تحليل)

العلم الصيني قرب مركز مجموعة «إيفر غراندي» في شنغهاي (رويترز)
العلم الصيني قرب مركز مجموعة «إيفر غراندي» في شنغهاي (رويترز)

حجبت أزمة الغواصات الفرنسية، جزئياً على الأقل، أهمية الاتفاق الأميركي – الأسترالي - البريطاني على إنشاء تحالف جديد في منطقة آسيا – المحيط الهادئ يرمي إلى تطويق الصين وإحباط جهودها لاحتلال موقع القوة العظمى الثانية في العقود المقبلة.
ولئن أشار الاحتجاج الفرنسي الصاخب على إلغاء أستراليا لصفقة غواصات فرنسية تعمل بالديزل وتقدر قيمتها بما يتراوح بين 40 و60 مليار دولار، مفضّلة عليها أخرى نووية أميركية، إلى أزمة في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة بعد تأييد الاتحاد الأوروبي لموقف باريس، فإن المسألة برمتها تشير، من جهة ثانية، إلى تراجع الأهمية الدولية لفرنسا وسهولة إبعادها والاستغناء عنها في الساحات التي تدور فيها وحولها رحى المواجهات الاستراتيجية الكبرى على غرار المواجهة في شرق المحيط الهادئ. أو على الأقل إلى أن الموقع الفرنسي أضعف من أن يؤدي دوراً مؤثراً في المنازلة بين الصين وأميركا ويُقنع كانبيرا بقدرة باريس على ضمان أمنها. والدور الأسترالي والتأييد الدائم للسياسات الأميركية من المسائل الشائكة في النقاش الأسترالي الداخلي الذي أطلقه الانضمام إلى تحالف «أوكوس» من دون عرضه على المواطنين مسبقاً.
مهما يكن من أمر، تظل الصين هي مركز الدائرة في كل هذه السجالات. فبكين متهمة بتبني نهج عدواني حيال جيرانها وإقامة جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي لاستخدامها كقواعد بحرية وجوية كما تلوّح باللجوء إلى القوة لتسوية قضية تايوان «المقاطعة المتمردة» التي ترى الصين استعادتها علامة على اكتمال سيادتها على أراضيها.
عملية التبادل بين كندا والولايات المتحدة من جهة وبين الصين من الجهة المقابلة للمديرة التنفيذية لمجموعة «هواوي» التكنولوجية العملاقة منغ وانجو، والمواطنين الكنديين مايكل سبافور ومايكل كوفريغ التي اختتمت ألف يوم من الاحتجاز، قد تُبشّر بانخفاض مستوى التوتر بين واشنطن وبكين. لكنها لن تنهي المنافسة الشرسة على الاستحواذ على تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين والأسواق العالمية.
بيد أن الصعود الصيني في المجالات الاقتصادية الذي كُتب عنه الكثير، قد لا ينجح في الحفاظ على زخمه الذي عرفه في العقود الماضية. أزمة شركة «إيفر غراندي» العقارية قد تجذب خلال سقوطها قطاعات أخرى حيوية في الاقتصاد الصيني. ووسط انتشار التحليلات التي تُشبّه انفجار الفقاعة العقارية الصينية لما جرى في اليابان في الثمانينات وفي الولايات المتحدة مع الركود الذي دشنه انهيار شركة «ليمان براذرز» في 2008 ثمة من يرى أن الصين قد وصلت إلى أوج قوتها وأن مواردها وأسلوبها في إدارة الاقتصاد لم يعودا قادرين على تحقيق نسب النمو التي شهدتها منذ ثمانينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من الألفية الحالية. ناهيك بتراجع نسبة الولادات والارتفاع الكبير في عدد المسنين.
ويذهب الباحثان هال برندز ومايكل بريدلي في مقالهما في «فورين بوليسي»، 24 سبتمبر (أيلول) إلى عقد مقارنات تاريخية بين الصين الحالية وأوضاع إمبراطوريات أَفَلَت في القرن الماضي خصوصاً ألمانيا عشية الحرب العالمية الأولى واليابان في ثلاثينات القرن العشرين على أعتاب الحرب الثانية. خلاصة طرح برندز وبريدلي أن الإمبراطوريات التي تحقق تقدماً تقنياً واقتصادياً سريعاً غالباً ما تضع نفسها في حصار وصدام مع القوى العالمية المهيمنة. هكذا فعل قيصر ألمانيا فيلهلم الثاني الذي طمح إلى الحلول مكان بريطانيا في أوروبا والعالم على الرغم من افتقاره إلى الموارد الطبيعية اللازمة لخوض صراع بهذا الاتساع. ما أغرى فيلهلم كان الازدهار الاقتصادي الذي حققته ألمانيا بعد توحيدها في 1871 وما أخافه -في الوقت ذاته- هو تباطؤ النمو وتضاؤل الأسواق. فاعتقد أن الحل يكمن في القفز إلى الأمام من خلال حرب ضد بريطانيا وحلفائها.
مقاربة مشابهة اتخذتها اليابان بعد عقود من الازدهار حققتها إصلاحات عهد الميجي. إذ حمل تراجعُ وتيرة النمو اليابانَ على مهاجمة الصين وكوريا واحتلالهما في الثلاثينات وصولاً إلى ارتكاب الخطأ الأكبر بمهاجمة الولايات المتحدة في 1941. نتيجتا المغامرتين كانتا دماراً للنظامين اللذين سقطا في حساباتهما الخاطئة.
وحسب برندز وبريدلي، تقع الصين في الموقف الاستراتيجي ذاته الذي وجدت ألمانيا واليابان نفسيهما فيه في 1914 و1941: غواية القوة وتراجع الموارد. تدفع الأولى إلى استعراض العضلات في أماكن مثل تايوان فيما ينطوي الثاني على الخشية من خسارة الموقع والانخراط في مغامرات مع خصوم يتفوقون على الصين في النواحي العسكرية والاقتصادية وفي شبكة العلاقات والتحالفات العالمية.



«اعتقال نتنياهو وغالانت»: التزام أوروبي ورفض أميركي... ومجموعة السبع تدرس الأمر

بنيامين نتنياهو (يسار) ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو (يسار) ويوآف غالانت (أ.ب)
TT

«اعتقال نتنياهو وغالانت»: التزام أوروبي ورفض أميركي... ومجموعة السبع تدرس الأمر

بنيامين نتنياهو (يسار) ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو (يسار) ويوآف غالانت (أ.ب)

أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، اليوم (الجمعة)، أن وزراء خارجية مجموعة السبع سيناقشون خلال اجتماعهم يومي الاثنين والثلاثاء قرب روما، مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، والتي شملت خصوصاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت ميلوني في بيان، إن «الرئاسة الإيطالية لمجموعة السبع تعتزم إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال الاجتماع الوزاري المقبل الذي سيعقد في فيوجي بين 25 و26 نوفمبر (تشرين الثاني). وتستهدف مذكرات التوقيف الصادرة يوم الخميس، نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وقائد الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، محمد الضيف.

وأضافت ميلوني: «هناك نقطة واحدة ثابتة: لا يمكن أن يكون هناك تكافؤ بين مسؤوليات دولة إسرائيل وحركة (حماس) الإرهابية».

رفض أميركي

وندَّد الرئيس الأميركي جو بايدن بشدة، أمس (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالات، وعدّ هذا الإجراء «أمراً شائناً».

وقال بايدن في بيان: «دعوني أكُن واضحاً مرة أخرى: أياً كان ما قد تعنيه ضمناً المحكمة الجنائية الدولية، فلا يوجد تكافؤ بين إسرائيل و(حماس)». وأضاف: «سنقف دوماً إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي تواجه أمنها».

المجر

بدوره، أعلن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، أنه سيدعو نظيره الإسرائيلي إلى المجر في تحدٍ لمذكرة التوقيف الصادرة في حقه.

وقال في مقابلة مع الإذاعة الرسمية: «لا خيار أمامنا سوى تحدي هذا القرار. سأدعو في وقت لاحق اليوم نتنياهو للمجيء إلى المجر، حيث يمكنني أن أضمن له أن قرار المحكمة الجنائية الدولية لن يكون له أي تأثير».

وبحسب أوربان، فإن «القرار وقح ومقنّع بأغراض قضائية لكن له في الحقيقة أغراض سياسية»، ويؤدي إلى «الحط من صدقية القانون الدولي».

الأرجنتين

وعدّت الرئاسة الأرجنتينية أن مذكرتي التوقيف الصادرتين بحق نتنياهو وغالانت، تتجاهلان «حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها».

وذكر بيان نشره الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي بحسابه على منصة «إكس»، أن «الأرجنتين تعرب عن معارضتها الشديدة لقرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير»، الذي يتجاهل «حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها في مواجهة هجمات مستمرة تشنها منظمات إرهابية مثل (حماس) و(حزب الله)».

وأضاف: «إسرائيل تواجه عدواناً وحشياً، واحتجاز رهائن غير إنساني، وشن هجمات عشوائية على سكانها. إن تجريم دفاع مشروع تمارسه دولة ما مع تجاهل هذه الفظائع هو عمل يشوه روح العدالة الدولية».

الصين

ودعت الصين، الجمعة، المحكمة الجنائية الدولية، إلى «موقف موضوعي وعادل» غداة إصدارها مذكرات التوقيف. وقال لين جيان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي دوري: «تأمل الصين في أن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقف موضوعي وعادل وتمارس صلاحياتها وفقاً للقانون».

بريطانيا

ولمحت الحكومة البريطانية، الجمعة، إلى أن نتنياهو يمكن أن يتعرض للاعتقال إذا سافر إلى المملكة المتحدة.

وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر للصحافيين: «هناك آلية قانونية واضحة ينبغي اتباعها. الحكومة كانت دائمة واضحة لجهة أنها ستفي بالتزاماتها القانونية». وأضاف: «ستفي المملكة المتحدة دائماً بالتزاماتها القانونية كما هو منصوص عليه في القوانين المحلية والقانون الدولي»، لكنه رفض الإدلاء برأي محدد في شأن رئيس الوزراء الإسرائيلي.

هولندا

بدورها، نقلت وكالة الأنباء الهولندية (إيه إن بي)، الخميس، عن وزير الخارجية، كاسبار فيلدكامب، قوله إن هولندا مستعدة للتحرّك بناءً على أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحقّ نتنياهو، إذا لزم الأمر.

الاتحاد الأوروبي

وقال مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها دول أعضاء في الاتحاد، كلها ملزَمة بتنفيذ قرارات المحكمة. وأضاف بوريل: «هذا ليس قراراً سياسياً، بل قرار محكمة. وقرار المحكمة يجب أن يُحترم ويُنفّذ».

وكتب بوريل، في وقت لاحق على منصة «إكس»: «هذه القرارات ملزمة لجميع الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي (للمحكمة الجنائية الدولية) الذي يضم جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».

آيرلندا

كذلك قال رئيس الوزراء الآيرلندي، سيمون هاريس، في بيان: «القرار... خطوة بالغة الأهمية. هذه الاتهامات على أقصى درجة من الخطورة». وأضاف: «آيرلندا تحترم دور المحكمة الجنائية الدولية. ويجب على أي شخص في وضع يسمح له بمساعدتها في أداء عملها الحيوي أن يفعل ذلك الآن على وجه السرعة»، مؤكداً أنه سيتم اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى آيرلندا.

إيطاليا

وقال أنطونيو تاياني، وزير الخارجية الإيطالي، إن روما ستدرس مع حلفاء كيفية تفسير القرار واتخاذ إجراء مشترك. وأضاف: «ندعم المحكمة الجنائية الدولية... لا بد أن تؤدي المحكمة دوراً قانونياً، وليس دوراً سياسياً». بينما أكد وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو، أن روما سيتعين عليها اعتقال نتنياهو إذا زار البلاد.

النرويج

أما وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارت أيدي، فقال إنه «من المهم أن تنفذ المحكمة الجنائية الدولية تفويضها بطريقة حكيمة. لديّ ثقة في أن المحكمة ستمضي قدماً في القضية على أساس أعلى معايير المحاكمة العادلة».

السويد

وقالت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمر ستينرغارد، إن استوكهولم تدعم «عمل المحكمة» وتحمي «استقلالها ونزاهتها». وأضافت أن سلطات إنفاذ القانون السويدية هي التي تبتّ في أمر اعتقال الأشخاص الذين أصدرت المحكمة بحقّهم مذكرات اعتقال على أراضٍ سويدية.

كندا

بدوره، قال رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إن بلاده ستلتزم بكل أحكام المحاكم الدولية، وذلك رداً على سؤال عن أمري الاعتقال بحقّ نتنياهو وغالانت. وأضاف، في مؤتمر صحافي، بثّه التلفزيون: «من المهم حقاً أن يلتزم الجميع بالقانون الدولي... نحن ندافع عن القانون الدولي، وسنلتزم بكل لوائح وأحكام المحاكم الدولية».

تركيا

ووصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي التوقيف، بأنه «مرحلة بالغة الأهمية».

وكتب فيدان على منصة «إكس»: «هذا القرار مرحلة بالغة الأهمية بهدف إحالة المسؤولين الإسرائيليين الذين ارتكبوا إبادة بحق الفلسطينيين أمام القضاء».

ألمانيا

قال شتيفن هيبشترايت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، الجمعة، إن الحكومة ستدرس بعناية مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق نتنياهو وغالانت، لكنها لن تخطو خطوات أخرى حتى تكون هناك بالفعل زيارة لألمانيا.

وأضاف هيبشترايت: «أجد صعوبة في تخيل أننا سنجري اعتقالات على هذا الأساس»، مشيراً إلى أنه كان من الضروري توضيح المسائل القانونية المتعلقة بمذكرتي الاعتقال. ولم يحدد ما هي هذه المسائل. ولم يرد على سؤال عما إذا كان نتنياهو محل ترحيب في ألمانيا.

وقال المتحدث إن موقف الحكومة الألمانية بشأن تسليم أسلحة إلى إسرائيل لم يتغير بعد إصدار مذكرتي الاعتقال، ولا يزال خاضعاً لتقييم كل حالة على حدة.

فرنسا

بدوره، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، الخميس، إن ردّ فعل باريس على أمر المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو، سيكون متوافقاً مع مبادئ المحكمة، لكنه رفض الإدلاء بتعليق حول ما إذا كانت فرنسا ستعتقل نتنياهو إذا وصل إليها.

ورداً على سؤال خلال مؤتمر صحافي حول ما إذا كانت فرنسا ستعتقل نتنياهو، قال كريستوف لوموان إن السؤال معقد من الناحية القانونية، مضيفاً: «إنها نقطة معقّدة من الناحية القانونية، لذا لن أعلّق بشأنها اليوم».

أمل فلسطيني

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية الرسمية (وفا) بأن السلطة الفلسطينية أصدرت بياناً ترحب فيه بقرار المحكمة الجنائية الدولية. وطالبت السلطة جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وفي الأمم المتحدة بتنفيذ قرار المحكمة. ووصفت القرار بأنه «يعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته».

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، أمس (الخميس)، أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بخصوص «جرائم حرب في غزة»، وكذلك القيادي في حركة «حماس» محمد الضيف.

وقالت المحكمة، في بيان، إن هناك «أسباباً منطقية» لاعتقاد أن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم، موضحة أن «الكشف عن أوامر الاعتقال هذه يصبّ في مصلحة الضحايا».

وأضاف بيان المحكمة الجنائية الدولية أن «قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري». وأشارت المحكمة الجنائية الدولية إلى أن «جرائم الحرب ضد نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب... وكذلك تشمل القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية».