رحيل جمعة فرحات يثير أحزان رسامي البهجة المصريين

فنان الكاريكاتير توفي بعد مسيرة مهنية حافلة

الراحل جمعة فرحات في صورة مع وزيرة الثقافة المصرية وفناني الكاريكاتير
الراحل جمعة فرحات في صورة مع وزيرة الثقافة المصرية وفناني الكاريكاتير
TT

رحيل جمعة فرحات يثير أحزان رسامي البهجة المصريين

الراحل جمعة فرحات في صورة مع وزيرة الثقافة المصرية وفناني الكاريكاتير
الراحل جمعة فرحات في صورة مع وزيرة الثقافة المصرية وفناني الكاريكاتير

لم يجد فنانو الكاريكاتير في مصر أصدق من رسومهم، وحكاياتهم، وصورهم الفوتوغرافية التي جمعتهم بالفنان جمعة فرحات، لوصف مشاعر حزنهم وتأثرهم البالغ برحيله.
ورحل فنان الكاريكاتير المصري جمعة فرحات عن عمر يناهز 80 عاماً، مساء أول من أمس، تاركاً وراءه رصيداً غنياً من الإبداعات الكاريكاتيرية، والعمل الداعِم لرسامي الكاريكاتير عبر رئاسته للجمعية المصرية للكاريكاتير، منذ عام 2015 خلفاً لفنان الكاريكاتير البارز طوغان.
ونعت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم الراحل وقالت إنه «يعد أحد أبرز فناني الكاريكاتير في مصر والوطن العربي»، وأضافت أنه «نجح برسوماته الساخرة في تناول الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة».
«يوم حزين للكاريكاتير» هكذا يصف الفنان ورسام الكاريكاتير فوزي مرسي رحيل جمعة فرحات في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف أن «الراحل لم يكن أحد أبرز رسامي الكاريكاتير السياسي وحسب، إنما كان أحد أبرز من دعموا تلك المهنة طيلة فترة رئاسته للجمعية المصرية للكاريكاتير حتى آخر حياته»، مضيفاً «رغم مرضه وصعوبة حركته في الفترة الأخيرة، كان حريصاً على حضور المعارض، وكنا نلجأ إليه دائماً في أي مشكلات نواجهها».
ووفق مرسي، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير، فإنه قبل رحيل الفنان جمعة فرحات دار معه حديث حول تخصيص مسابقة لرسم بورتريهات عنه، كما تم من قبل تنظيم مسابقات حول رسم رواد الكاريكاتير، وآخرهم الفنان رخا، ولقي هذا الاقتراح صدى طيباً لديه، لكنه كان في مرحلة صحية صعبة فطلب منا تأجيل الفكرة، ولكن الوقت لم يمهلنا بسبب رحيله».
ويؤكد فوزي أن «الجمعية المصرية للكاريكاتير ستقوم بتنظيم فعالية تكريم لجمعة فرحات بالتنسيق مع أسرته، لعرض أبرز إبداعاته وعرض بورتريهات من التي رسمها لها فنانون من مختلف الأجيال تحية وعرفاناً بدوره في هذا الفن».
والتحق جمعة فرحات، المولود في عام 1941، بمجال رسم الكاريكاتير عام 1964 عبر مؤسسة «روز اليوسف» المعروفة آنذاك بأنها مدرسة أصيلة لفن الكاريكاتير، وكما يقول الكاتب عبد الله الصاوي، الباحث في تاريخ الكاريكاتير المصري، فقد كانت «بداية جمعة في مؤسسة ضخمة بها أكبر أسماء الكاريكاتير في هذا الوقت مثل حجازي وصلاح جاهين، كانت صعبة للغاية، كان جمعة فرحات وقتها أصغرهم سناً، ومع ذلك نحت لنفسه أسلوباً خاصاً بين هؤلاء الكبار».
ويضيف الصاوي لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الاتصال الذي خلقه جمعة فرحات بين جيل الرواد في الستينات وبين الجيل الجديد الحالي هو إحدى ركائز أهميته في هذا الفن فقد كرس حياته للكاريكاتير، وصعدت نجوميته بشكل لافت منذ بداية الثمانينات مع تنقله بين المؤسسات الصحافية من (روز اليوسف) لـ(الأهرام) وكذلك محطات الصحف الحزبية والمستقلة مثل (الوفد) و(الأهالي) و(صوت الأمة)».
ويلفت عبد الله الصاوي إلى أن فرحات كان من أول من انتبهوا لفكرة الاتصال بالكاريكاتير عالمياً، فوجد الكاريكاتير الذي كان يرسمه نوافذ في صحف أميركية ويابانية، وكان يقدم كذلك مشهد الكاريكاتير العالمي عبر برنامجه الذي كان يذيعه التلفزيون المصري «جمعة كل جمعة» وكان يقوم فيه بتحليل الرسوم، والرموز، بصورة شيقة إيماناً منه بخلق رسالة إعلامية تخص فن الكاريكاتير».
ونُشرت رسوم الراحل جمعة فرحات في صحف أجنبية عريقة على غرار «هيرالد تريبيون» الأميركية، و«يوميوري» اليابانية وغيرها، كما تُعرض له أعمال في المتحف الألماني في بون والمتحف الدولي للكاريكاتير في فلوريدا، والعديد من المعارض الأوروبية.
وحصل جمعة فرحات على «جائزة علي ومصطفى أمين»، وجائزة «نقابة الصحافيين المصريين» مرتين عامي 1986 و1989، واتحاد الصحافيين العرب عامي 1985 و1989.
وعكست كلمات التأبين الواسعة التي أحاطت بمواقع التواصل الاجتماعي منذ خبر رحيل جمعة، إلى قيمة التواضع والدعم الكبيرين اللذين كان يحيط بهما الفنان الراحل الرسامين من مختلف الأجيال، فيصفه فنان الكاريكاتير خالد المرصفي بأنه «آخر فرسان فن الكاريكاتير المصري، ويعتبر آخر فنان من جيل عاصر فترة الستينات والسبعينات التي هي فترة الازدهار الحقيقية لفن الكاريكاتير المصري».
ويضيف المرصفي لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «كان إنساناً وأخاً وصديقاً إلى جانب أنه كان طيلة فترة رئاسته لجمعية الكاريكاتير صاحب موقف سياسي ووطني نحو بلده، والأمة العربية، والقضية الفلسطينية التي لم يكن أبداً ينساها».
وكان فرحات قد أصدر كتاب «سلام الدم - 60 عاماً من الصراع العربي والإسرائيلي» عام 2017، وحرص فيه على جمع كل رسومه الداعمة للقضية الفلسطينية على مدار سنوات طويلة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».