استسلام الآلاف من مقاتلي «بوكو حرام» في نيجيريا

أسواق نيجيريا تعرضت لعشرات من العمليات الإرهابية من قبل عناصر «بوكو حرام» (نيويورك تايمز)
أسواق نيجيريا تعرضت لعشرات من العمليات الإرهابية من قبل عناصر «بوكو حرام» (نيويورك تايمز)
TT

استسلام الآلاف من مقاتلي «بوكو حرام» في نيجيريا

أسواق نيجيريا تعرضت لعشرات من العمليات الإرهابية من قبل عناصر «بوكو حرام» (نيويورك تايمز)
أسواق نيجيريا تعرضت لعشرات من العمليات الإرهابية من قبل عناصر «بوكو حرام» (نيويورك تايمز)

لأكثر من عقد من الزمان، قامت جماعة «بوكو حرام» المتطرفة بإرهاب شمال شرقي نيجيريا حيث قتلت عشرات الآلاف من الناس، واختطفت طالبات المدارس، وأرسلت مفجرين انتحاريين إلى الأسواق المزدحمة». الآن، استسلم الآلاف من مقاتلي «بوكو حرام»، مع أفراد عائلاتهم، ويجري إيواؤهم من قبل الحكومة في مجمع في مدينة «مايدوجوري»، مسقط رأس الجماعة وهدف عملياتها المتكرر». يقع المجمع بجوار مجمع سكني للطبقة المتوسطة ومدرسة ابتدائية، الأمر الذي تسبب في حالة من الخوف والهلع بين السكان والمعلمين وأولياء الأمور». قالت ميمونة محمد، المعلمة في المدرسة الابتدائية، وهي تنظر إلى جدار المخيم على بعد 50 ياردة من فصلها: «نحن خائفون للغاية. نحن لا نعلم ما يجري في عقولهم». يقول مسؤولون عسكريون وقضائيون نيجيريون إنه في الشهر الماضي، خرج ما يصل إلى 7000 مقاتل وأفراد عائلاتهم ورهينة عن جماعة «بوكو حرام»، في أكبر موجة انشقاقات حتى الآن منذ ظهور الجماعة المتطرفة في عام 2002». ويبدو أن نقطة التحول بالنسبة لثرواتها البشرية كانت وفاة أبو بكر شيكاو، زعيم «بوكو حرام» منذ فترة طويلة، الذي فجر نفسه في مايو (أيار) بعد أن حاصره فصيل منافس». فرغم أن «بوكو حرام» قد باتت ضعيفة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن لإرهاب قد انتهى في شمال شرقي نيجيريا، حيث قتل مئات الآلاف من سكانها وفر الملايين منهم، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز». لا يسمح للصحافيين بدخول المجمع الذي يستضيف منشقين عن «بوكو حرام»، وهو منشأة تعرف باسم «مخيم الحج»، كان يستخدمه المسلمون سابقاً للتجمع لأداء فريضة الحج إلى مكة». لكننا تمكنا من مقابلة ستة أشخاص استسلموا الشهر الماضي، وتمكنوا من مغادرة المخيم لبضع ساعات كل على حدة وتحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام». وذكر غالبيتهم أن استسلامهم يعود لأسباب عملية إلى حد كبير لأنهم كانوا بلا قيادة ولأن إمدادات الأسلحة قد جفت ولأنهم سئموا العيش في الأدغال، أو لأنهم كانوا يخشون على بقائهم، أو لأنهم شعروا أن الاختيار هو بين الاستسلام أو الذهاب إلى ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم «داعش»، حيث كانوا يخشون أن يعاملوا كعبيد». وقال رجل عرف نفسه على أنه خيد، أحد كبار القادة، إنهم «بلا قيادة. ماذا عسانا أن نفعل؟».
وكشف خيد أنه شاهد السيد شيكاو يفجر نفسه ويفجر أعضاء آخرين من «بوكو حرام» ويفجر رجالاً من ولاية «داعش غرب أفريقيا» بعد أن نصبوا له كميناً في معقله في غابة «سامبيسا».
وقال خيد ويده على وجهه وعيناه زائغتان خلف أصابعه: «كان الأمر مدمراً. لقد ساد الصمت منطقة سامبيسا. لم يكن هناك صوت يسمع في المكان، حتى طاحونة الدقيق كانت المنطقة كلها في حالة حداد» إثر تلك العملية.
كان خيد قد انضم إلى «بوكو حرام» لأنه أراد الانتقام من جندي ضربه، على حد قوله، وترقى ليكون رئيس «الحسبة»، شرطة الأخلاق في «بوكو حرام»، وتزوج من أربعة نساء ولديه منهن 14 طفلاً. أضاف أنه غادر لأنه أدرك أنه يستطيع الانتقام دون خوف من الموت». عاد إلى القرية بعد وفاة السيد شيكاو وبعد أن ترك المكان لسنوات، وحاول بدء الزراعة. وقال إن أحد أبنائه عثر مؤخراً على منشور معلق على شجرة شوك في الحقل. أخذها إلى صديق يمكنه قراءتها، وأخبره أنه عرض بالعفو من الحكومة». كان لديه انطباع بأن الحكومة أعدمت جميع أعضاء «بوكو حرام» أو أخذتهم إلى ثكنة «جيوا»، وهي مركز اعتقال عسكري سيئ السمعة لإطلاق النار الجماعي والتعذيب والتجويع، وكان على يقين من أنه سيقتل حال بقي في مزرعته، وقرر انتهاز فرصة الاستسلام».
قال إنه سلم نفسه وعائلته، وأقسم ثلاث مرات على القرآن أنه لن يعود أبدا. وعندما سأله الضابط عن سبب استسلامه، قدم المنشور. قال الضابط متفاجئا «أوه، هذا مفيد». في «مخيم الحج»، يعيش الرهائن السابقون جنبا إلى جنب مع خاطفيهم مثل خيد، بعضهم اختطف وهم أطفال وتزوجوا من مقاتلين. لكنهم قرروا البقاء بعيدا عن الأنظار قدر الإمكان في المخيم، إذ أنهم لا يزالون يخشون التعرض للاغتصاب». كما توجد في المخيم جحافل من مقاتلي «بوكو حرام» ينتظرون استجوابهم من قبل الحكومة النيجيرية. هناك مقاتلون انضموا إلى المجموعة عن طيب خاطر، وغالبا ما يتم إغراؤهم بهدايا من المال والدراجات النارية، وهناك أيضاً أولئك الذين تم إجبارهم أو غسل أدمغتهم على الاشتراك». كان أحد المقاتلين حافظاً للقرآن كاملا، لكنه قال إنه لم يعرف أبداً تفسير ومعاني الكلمات التي يمكنه قراءتها جيدا». وذكر أنه استمع في سن المراهقة المبكرة إلى قادة «بوكو حرام» يذكرون في خطبهم ومواعظهم أن العالم بأسره قد تحول إلى الضلال وأنهم بحاجة إلى الوقوف والقتال». قال وهو جالس على سجادة: «لقد صدقتهم تماماً. لقد وثقت بهم، بأي شيء قالوه وافقت عليه»، وذكر أنه قتل 17 شخصاً، وأنه فعل ذلك بسعادة، واعتبره نعمة. وفيما أقدم السيد شيكاو على الانتحار، بدأ حافظ القرآن سرا في الاستماع إلى تسجيلات خطب الأئمة وهم يفسرون القرآن بصورة مختلفة تماما وسلمية في ذهول، وبعدها قرر الاستسلام. اختتم قائلا: «أريد المغفرة. لكنني لا أعرف كيف سيغفر لي الله».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين: الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضر بحركة التجارة العالمية أيضاً.

* بداية الصراع

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تعترف بموجبه أديس باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، لا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، رغم أنه لم يحظ باعتراف دولي، منذ أن أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991. وقد عارضت مقديشو الاتفاق، ووقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية، ومؤسسات دولية أخرى، دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، حيث حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «لا أحد يجرب مصر».

* تحركات صومالية

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، حيث وقع في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحل الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الجاري.

ومع تصاعد الأزمة وقع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال.

ورد وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

* أسباب قديمة

الصراع الحالي ليس سوى «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا و(أرض الصومال)»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة»، وفق محمود، حيث «يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها». وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي، الباحث السياسي أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى ما وصفه بـ«المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب» وتحديداً «حركة الشباب» أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشكلات الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية، وهي تحديات ليست بعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، والتي يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية، بما في ذلك صراع (تيغراي) إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

* «الحرب المقبلة»

تحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الإريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما تسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وقد تحدث آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أمام برلمان بلاده عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال للشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك في حواره لـ«الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من عشر سنوات، بسبب سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

التدخل المصري في الأزمة الصومالية، يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس أمراً جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان متواجداً في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة». بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة». لا يستطيع في الوقت نفسه استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإريتري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، لا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

احتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، لا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد، مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد تؤدي إلى إشعال المزيد من الصراعات». ويقول بهذا الخصوص: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية، قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة»، مشيراً إلى أن أديس أبابا «لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حل الصراع بمفردها».

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «فقد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لمعهد إنتربرايز الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».