خصوم «حزب الله» ينتقدون شحنات المازوت الإيراني: دعاية حزبية لأهداف انتخابية

حمولة كل باخرة تؤمّن 5 أيام فقط من حاجة السوق

أصحاب سيارات ودراجات نارية ينتظرون أمام إحدى محطات البنزين في بيروت أمس (د.ب.أ)
أصحاب سيارات ودراجات نارية ينتظرون أمام إحدى محطات البنزين في بيروت أمس (د.ب.أ)
TT

خصوم «حزب الله» ينتقدون شحنات المازوت الإيراني: دعاية حزبية لأهداف انتخابية

أصحاب سيارات ودراجات نارية ينتظرون أمام إحدى محطات البنزين في بيروت أمس (د.ب.أ)
أصحاب سيارات ودراجات نارية ينتظرون أمام إحدى محطات البنزين في بيروت أمس (د.ب.أ)

على خلاف الدعاية التي قام ويقوم بها «حزب الله» لتسويق عملية استيراد المازوت الإيراني التي بدأت الأسبوع الماضي، لا توحي النتائج على الأرض بأن هذه الخطوة من شأنها أن تنعكس انفراجاً في أزمة المحروقات المتزايدة في لبنان؛ حيث إنها لا تكاد تسدّ إلا ثغرة بسيطة، فيما يبدو واضحاً أن هدفها شعبوي انتخابي، وفق ما تراها جهات لبنانية، لا سيما أن الحزب يحاول من خلالها الدخول إلى مناطق خصومه السياسيين؛ مما أدى إلى امتعاض واستنكار في أوساطها.
وفي الأرقام؛ يقول عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات، جورج البراكس، لـ«الشرق الأوسط» إن «حاجة لبنان من المازوت؛ وفق ما استهلكه عام 2020، تقدر بـ7 ملايين ونصف المليون ليتر يومياً، فيما تحمل كل باخرة من المازوت الإيراني التي ستصل إلى لبنان نحو 40 مليون ليتر، وبالتالي؛ وفق المعلومات المتداولة، يوزع (حزب الله) نحو 3 ملايين ليتر يومياً، وبالتالي هي كمية تسد ثغرة صغيرة جداً في السوق اللبنانية المتعطشة للمحروقات؛ لكنها لا تغيّر في المعادلة شيئاً، ولا تنهي الأزمة المتفاقمة».
وانطلاقاً من هذه الأرقام، يظهر أن كل باخرة إيرانية تكفي لنحو 5 أيام من حاجة السوق اللبنانية، فيما يعمد «حزب الله» حتى الآن، ووفق ما يعلن الإعلام التابع له، إلى توزيعها على قطاعات وجهات محددة من قبله؛ بعضها مجاناً والبعض الآخر مقابل مبالغ مالية بسعر أدنى من المحدد رسمياً بنحو 20 في المائة، وذلك عبر شركة «الأمانة» التابعة للحزب.
ووفق بيان صادر عن الشركة، فقد حدد سعر صفيحة المازوت بـ140 ألف ليرة، فيما السعر الرسمي محدد بنحو 187 ألف ليرة، ويجري الإعلان تباعاً عن توزيع مادة المازوت لقطاعات محددة؛ منها الصحية والمولدات التابعة للبلديات... وغيرها، واللافت أنها لا تقتصر فقط على مناطقه؛ إنما أيضاً في مناطق خصومه، كما حدث في مناطق بقاعية وأدى إلى انقسام بين أبنائها بين مرحب ورافض للمازوت الإيراني.
وكان نصر الله أعلن أن الباخرتين الأولى والثانية تحملان مادة المازوت، فيما ستخصص الثالثة لمادة البنزين. وقال إن الهدف هو المساعدة في تخفيف معاناة الناس، معلناً أنه سيزود بها مرافق ومؤسسات عدة؛ بينها المستشفيات الحكومية ودور رعاية العجزة والأيتام والصليب الأحمر «كهبة مجانية»، في حال رغبت في ذلك، كذلك سيقوم ببيع عدد من المؤسسات الخاصة؛ بينها المستشفيات والأفران وأصحاب مولدات الكهرباء، المازوت بأقل من سعر التكلفة وبالليرة اللبنانية.
وعن المازوت الإيراني، يقول المحلل السياسي المعارض لـ«حزب الله»، علي الأمين، لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن الكمية التي يقوم باستيرادها (حزب الله) لا تساهم في التخفيف من الأزمة بالمعنى الفعلي، على خلاف الدعاية التي يقوم بها محاولاً إيهام جمهوره بها، علماً بأن هذا الجمهور نفسه بدأ يلمس هذا الأمر ويكتشف حقيقته، وذلك على غرار كل الحملات التي يقوم بها ويستخدمها لأهداف شعبوية - انتخابية سياسية للتغطية على خيباته المتكررة؛ لا سيما في بيئته».
ويتوقف الأمين عند ما يحدث في بعض المناطق البعيدة عن بيئته، كما حدث في بلدة الفرزل (منطقة البقاع)، قائلاً: «هذا ما يريده الحزب؛ أن يخلق جدلاً في لبنان والقول: نحن نأتي بالمازوت وأنتم لا تريدونه، محاولاً تقديم نفسه على أنه يملأ فراغ الدولة التي يقوم هو بإضعافها ويستفيد من غيابها، كما يحدث مع (السلاح) و(بطاقات التموين) ومواجهة وباء (كورونا)... وغيرها، محاولاً الاستثمار في الأزمات؛ وهو الأمر الذي بات مكشوفاً وواضحاً أمام جمهوره قبل خصومه». ويضيف: «(حزب الله) لم يتمكن حتى من الحفاظ على ماء وجه الحكومة المحسوبة عليه في أول أيامها، وأتى بصهاريج المازوت التي شكلت الصفعة لها وللدولة التي يدرك أن قوتها تهدد وجوده».
وكان توزيع المازوت في مناطق خارجة عن بيئة الحزب؛ وتحديداً المسيحية منها، كالفرزل ومنطقة جبولة البقاعيتين، أدى إلى سجالات في المناطق وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ انتشر فيديو لراهبة في منطقة جبولة البقاعية تشكر فيه نصر الله على المازوت الإيراني «الذي سيساهم في تدفئة الأطفال الأيتام في أحد الأديرة»، والأمر نفسه بالنسبة إلى رئيس بلدية الفرزل ملحم الغصان الذي ظهر في فيدو يشكر أمين عام «حزب الله» ويصفه بـ«الرجل الصادق». وهذا ما استدعى هجوما عليهما ومطالبات باعتذارهما. وصدر بيان عن «حزب القوات اللبنانية» في زحلة، رفض فيه ما صدر عن رئيس البلدية، عادّاً أنه «تبجيل مبالغ فيه بالحزب وأمينه العام»، وأن كلامه لا يعبر «عن تاريخ وتوجهات أغلبية أهالي البلدة المعروفين بنضالهم وحرصهم على كرامتهم، التي لم يلوثها أي إغراء ولم تنل منها أي حاجة أو ظرف». ولفت البيان إلى أن «أهالي الفرزل مؤمنون ببناء دولة المؤسسات، ولن يكونوا إلى جانب فريق يعمل على تقويض المؤسسات وتدمير أركان الدولة». وطالب البيان رئيس البلدية «بسحب كلامه الذمي والاعتذار من أهالي بلدته المشبعين بالعنفوان»، مذكراً «بواجبات البلدية في تأمين ما يحتاجه أبناء البلدة من محروقات وسلع، لا سيما أن البلدية تجبي ما يكفي من المال وليست بحاجة للتسول»، خاتماً: «أهالي الفرزل لا ينتظرون منّة من أحد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.