الحدود التركية حلم السوريين للعبور إلى أوروبا

26 مدنياً بينهم نساء وأطفال قتلوا خلال 2021

الحدود التركية كما تظهر من بلدة الدرباسية أقصى شمال سوريا (الشرق الأوسط)
الحدود التركية كما تظهر من بلدة الدرباسية أقصى شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

الحدود التركية حلم السوريين للعبور إلى أوروبا

الحدود التركية كما تظهر من بلدة الدرباسية أقصى شمال سوريا (الشرق الأوسط)
الحدود التركية كما تظهر من بلدة الدرباسية أقصى شمال سوريا (الشرق الأوسط)

سيمضي سكفان أسابيع وربما شهورا، في مداواة كسوره وجراحه الناجمة عن ضربات حرس الحدود التركي، بعد خوضه رحلة كانت محفوفة بالمخاطر كادت تودي بحياته.
يروي هذا الشاب البالغ من العمر 18 ربيعاً والمتحدر من قرى بلدة الدرباسية الواقعة أقصى شمالي سوريا، كيف حاول اجتياز الحدود التركية رفقة 3 آخرين ليلة 15 من سبتمبر (أيلول) الحالي، في طريقهم إلى أوروبا، غير أن كاميرات المراقبة الحرارية وكلاب الحراسة رصدت تحركاتهم وكانت أسرع من خطوات هؤلاء الشبان الأربعة. يروي هذا الشاب أن الجندرمة التركية أمسكوا بهم وانهالوا عليهم بالضرب المبرح، لدرجة أن أحدهم أغمي عليه، ثم ألقي بهم على الطرف السوري فوق الجدار الخرساني وارتفاعه 5 أمتار مما تسبب في المزيد من الكسور البليغة.
في منزل طيني بسيط وبحضور والديه، رقد سكفان على فراشه وقد لف ذراعه اليمنى وساقه بالشاش الأبيض، بينما بدت علامات الضرب واضحة للعيان على أسفل ظهره ومحيط بطنه. قال الشاب بصعوبة: «دخلنا عن طريق مهرب محلي ادعى أن الطريق مضمون ومؤمن مقابل ألف دولار، نجحنا بالقفز على الجدار الحدودي، لكن بعد دقائق هجمت علينا الجندرمة التركية وانقضت علينا كلاب الحراسة».
بالنسبة إلى سكفان والكثير من السوريين، تحول الجدار الحدودي الفاصل بين تركيا وسوريا، إلى بوصلة وجهتهم للهرب من جحيم بلد مزقته نيران الحرب منذ أكثر من 10 سنوات، إلى حياة أفضل في أوروبا. وأشار والد سكفان الذي يبقى بجانبه معظم الأوقات، بأنه قدم التشجيع لابنه للسفر بطرق غير شرعية: «الأفق مسدود هنا والتهديدات التركية مستمرة والحرب دمرت حياتنا ومستقبل هؤلاء الشبان، الأفضل لهذا الجيل الهجرة نحو أوروبا».
عبر اتصال فيديو مع رفيق سكفان في الرحلة، يدعى عدنان ويبلغ من العمر 22 عاماً، ويتحدر من بلدة تل تمر بشمال غربي الحسكة التي تتعرض للهجمات التركية منذ شهرين، أكد، أن الجندرمة التركية انهالوا عليهم بالضرب عبر قضبان حديدية فور وقعوهم في يدهم، «صادروا كافة أغراضنا والأموال والهواتف الشخصية، ثم قاموا برمينا من أعلى الجدار الحدودي، حيث تعرضت للكسر في القفص الصدري وانفي وخدوش في الجسم والوجه».
تكررت حالات الاعتداء من قبل حرس الحدود التركي على عشرات السوريين، بينهم نساء وأطفال في المناطق الحدودية، واستخدموا طرقاً قاسياً بالضرب والتعذيب وإلقاء البعض من ارتفاعات شاهقة خلال محاولتهم اجتياز الحدود، وإرسال البعض عراة بدون ملابس، وقد وثقت جهات مدنية ومنظمات حقوقية خلال شهر أغسطس (آب) الماضي مقتل 6 مدنيين سوريين بينهم طفل.
بحسب إحصاءات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قتل ما لا يقل عن 26 مدنياً بينهم امرأة وستة أطفال دون سن 18، في محافظتي إدلب والحسكة منذ بداية العام الجاري 2021، لترتفع الحصيلة إلى نحو 500 مدني لقوا حتفهم منذ ربيع 2011 خلال 10 أعوام.
من بين هذه الحالات، الشاب سالار عدنان عثمان، المتحدر من قرى شرقي مدينة القامشلي الذي قتل ليلة 30 أغسطس (آب) الماضي على يد الجندرمة التركية، ولم يتبق لوالديه سوى صور مشتركة في مناسبات عدة. يقول الأب المفجوع: «ليلتها وبعد مرور 45 دقيقة اتصلت بنا قوات أمن الحدود التابعة للإدارة الذاتية (الكردية)، وقالوا إنهم أسعفوا سالار إلى مشفى بلدة عامودا»، وبعد أخذ الصور والتحاليل، تبين أنه تعرض لضرب مبرح وبسبب حالته الحرجة نقل على الفور للمشفى المركزي بالقامشلي، لكنه فارق الحياة هناك بسبب شدة الضرب. مضيفاً: «هو آخر العنقود وباقي إخوته مقيمون في أوروبا منذ سنوات، كان يريد الذهاب إليهم لكن قدره أن يموت ويعود لنا جثة».
رغم خطورة رحلة التهريب، لكن الحدود السورية – التركية سجلت خلال الآونة الأخيرة ازدياداً كبيراً في محاولات اجتياز الحدود باتجاه الأراضي التركية. وبحسب مصدر أمني من مركز قوى الأمن الداخلي ببلدة الدرباسية، كانت الأرقام عالية خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين. وسجلت محاولات المئات بنفس الليلة، لكن انخفض العدد هذا الشهر وبات لا يتجاوز العشرات بسبب خطورتها.
قبل يومين، قتل شخصان من مدينة دير الزور، أحدهما من أبناء منطقة بقرص والآخر من منطقة الشميطية ضمن محافظة دير الزور، برصاص قوات حرس الحدود التركية عند قرية حدودية غربي بلدة عامودا، وفي 21 أغسطس الفائت قتل الشاب حمادي عبد الحسين، وهو من سكان بلدة الدشيشة جنوبي مدينة الحسكة، متأثراً بجراحه، كما قتل مدني آخر من أبناء بلدة مركدة في 22 من الشهر نفسه.
وبدت مناطق سوريا تشهد في الآونة الأخيرة موجة هجرة جماعية للكثير من الشباب من جميع مناطق سوريا وعلى اختلاف جهات السيطرة، للهروب من الواقع المعاش من انهيار الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية، وخوفاً من الحالة الأمنية وانعدام سبل الحياة الكريمة التي يتطلع إليها الشباب ويرسموا فيها ملامح مستقبلهم.
وتتنوع أسباب الهجرة بين كل منطقة في سوريا على اختلاف جهات السيطرة، بحسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، بين مناطق سيطرة النظام والميليشيات المساندة له، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا وكذلك مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. غيرا أن هناك أسبابا مشتركة للهجرة، من أهمها تردي الأوضاع المعيشية والتضييق الأمني، ففي مناطق سيطرة النظام تزداد نسبة الطلب على جوازات السفر والتأشيرات في الدوائر الحكومية، للسفر إلى دول مختلفة من أبرزها مصر التي تسهل حركة دخول السوريين، وبسبب المعاملة الحسنة التي يتعامل بها الشعب المصري مع اللاجئين السوريين ومشاركتهم بسوق العمل، بحسب ما نقل المرصد.
كما شهدت الآونة الأخيرة تزايداً في عمليات الخروج من مناطق سيطرة النظام باتجاه الشمال السوري، عبر طرق التهريب بتكاليف باهظة، هرباً من الواقع المعاش من غلاء المعيشة والتضييق الأمني لا سيما التجنيد الإلزامي الذي يلاحق الشباب، ويكمل العديد منهم طريقه بعد وصوله لمناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمال غربي سوريا، باتجاه تركيا ومنها إلى دول أوروبية، وتشهد الحدود السورية التركية حركة هروب مستمرة وبشكل يومي لمدنيين لا سيما من فئة الشباب.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».