«هلاوس» تستلهم روح «تاجر البندقية» برؤية صامتة

المسرحية المصرية تعيد تقديم نص شكسبير معتمدة على لغة الجسد

لقطات متنوعة للعرض الصامت المصري «هلاوس» (الشرق الأوسط)
لقطات متنوعة للعرض الصامت المصري «هلاوس» (الشرق الأوسط)
TT

«هلاوس» تستلهم روح «تاجر البندقية» برؤية صامتة

لقطات متنوعة للعرض الصامت المصري «هلاوس» (الشرق الأوسط)
لقطات متنوعة للعرض الصامت المصري «هلاوس» (الشرق الأوسط)

رغم تقديم مسرحية «تاجر البندقية» لويليام شكسبير سينمائياً ومسرحياً، بأشكال متباينة، حافظ بعضها على روح النص الأصلي والصراع بين أبطالها، فإن المخرج المصري الشاب محمد عبد الله، يقدمها لأول مرة في عرض «هلاوس» الصامت، الذي يعتمد على مدارس تمثيلية مختلفة تتضمن، البانتوميم، والمسرح الأسود، والإمكانات الجسدية للممثلين، عبر رؤية درامية يتعرض فيها للهلاوس التي تلازم حياة الإنسان، قد تأتي في صورة حلم، أو واقع، أو تخاريف، يريد أن يقوله أي منا، هذه الهلاوس تبقى بداخلنا، ولا يمكن لأي شخص رؤيتها أو معرفتها، وهو ما يتطرق إليه العرض الذي يحتضنه مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية.
وتعد مسرحية «تاجر البندقية» واحدة من أهم أعمال ويليام شكسبير، وتأتي في الترتيب الثاني في الأهمية بعد هاملت، وفقاً لنقاد، وتعرض المسرحية التي كتبها شكسبير قبل أكثر من 400 عام للصراع بين الخير والشر، حيث تجري أحداثها داخل مدينة البندقية التي اشتهرت في ذلك الوقت كمدينة نشطة تجارياً، ويتجسد الصراع فيها بين التاجر اليهودي شايلوك والتاجر المسيحي أنطونيو، ويجسد الأول نموذج الشر الذي يقوم بإقراض الناس بالربا، بينما يشفق عليهم الآخر، ويجزل العطاء لهم، ويتصدى بقوة لشايلوك، مما يسبب صراعاً متوقعاً حتى يسقط أنطونيو في قبضة شايلوك، ويضطر للاستدانة منه من أجل صديقه بسانيو.
يلعب بطولة العرض المصري مجموعة من الممثلين الشباب الذين يتمتعون بلياقة بدنية على المسرح في أدوار تعتمد بشكل أساسي على الأداء التمثيلي الصامت وحركة الجسد، وهم، عمر عز، وعبد الله سلطان، وعبد الرحمن القاضي، ونسمة عادل، ومعتصم شعبان، وجورج فوزي، ومصطفي حزين، هؤلاء يبذلون جهداً واضحاً خلال العرض، فيما تلعب الموسيقى دوراً أساسياً ومهماً في هذا العرض والتي أعدها عمر شقير وساهمت بدور فعّال في نجاح المسرحية.
يسود الصمت التام المسرح طوال فترة العرض، حيث يركز المتفرجون على استيعاب المشاهد المرئية أمامهم تتعلق عيونهم أكثر بالصورة بديلاً عن الحوار، ووفقاً للمخرج فإن بعض الجمهور أراد فهم الفكرة قبل العرض، وقلت لهم إنه مثل فيلم سينمائي يتضمن كل عناصر الفن من تمثيل وإضاءة وديكور وماكياج وموسيقى لكننا حذفنا منه الصوت، وهناك تباين كبير في استقبال الجمهور له، وهذا أمر يسعدني، فلا وصاية على فهم كل منهم، والمتفرج يستسيغ العرض، لا سيما أنه يجمع بين الكوميديا والتراجيديا، كما أنني لاحظت أن الجمهور يضحك في مشاهد محددة، ويتفاعل مع نفس المواقف التراجيدية.
وكشف عبد الله أنه استلهم روح «تاجر البندقية» في مشاهد معينة، لكنه كتب الفكرة من البداية للنهاية، وظلت في أدراجه 12 عاماً بحثاً عن مسرح يناسبها، وميزانية تتيح له تحقيق رؤيته، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بمجرد عرض المعالجة على مسرح الهناجر تمت الموافقة عليها وبدأنا البروفات التي استلزمت أعداداً خاصاً لفريق الممثلين، ومما سهل الأمر نسبياً أنني قمت باختيار أغلبهم وشاركني في تدريبهم اثنان من المدربين، مصطفى حزين بطل العرض وأحمد نجدي، حيث تم تدريبهم على حرفيات المسرح الجسدي بشكل عام، كانت مرحلة صعبة لأن الممثلين أنفسهم كانوا متخوفين من الفكرة، خصوصاً الذين لم يلعبوا (مايم)، فأنا لم أكتب نصاً مسرحياً عادياً لأن نص (المايم) يعتمد على تتابع زمني، فكل مشهد بأحداثه لكن لا يوجد حوار، وهناك أكثر من مدرسة تمثيل وتقنيات عديدة لجأنا إليها، مثل تقنية البانتوميم، وتقنية المسرح الجسدي، والمسرح الأسود، فقد دمجنا بين مدارس عديدة تستوعب فكرة النص».
تجدر الإشارة إلى أن مخرج ومعد الرؤية المسرحية هو في الأصل لاعب بانتوميم (تدرب على يد فنان البانتوميم الشهير أحمد نبيل) كما أنه ممثل ومخرج مسرحي، درس الدراما بأكاديمية أمستردام وحضر ورشاً عديدة في فن المايم وفي تحريك الممثل الصامت، مؤكداً أن إخراج العروض الصامتة مختلف عن إخراج العروض العادية في خطوطها وحركتها وكل شيء.
وبحسب د. سامية حبيب أستاذة النقد بأكاديمية الفنون فإن العرض يمثل تجربة جديدة ومهمة لمخرجه محمد عبد الله، الذي اختار نصاً عالمياً لتقديمه، ويطرح من خلاله قضية خطيرة، وتضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «اختيار هذا النص يشير إلى أن المخرج لديه هم وفكر يريد طرحه على المسرح، كما أنه قام بتكثيفه في ساعة فقط، رغم ثقل وأهمية النص، والميزة الأهم أنه يقدم العرض بالأداء الصامت (البانتوميم)، والحوار الذي رأيناه بشكل مرئي وليس مسموعاً، وهذا يرجع لأن المخرج لديه تجارب سابقة في فن الأداء الصامت، ومعه فنان موهوب جداً مصطفى حزين (الذي يجسد شخصية شايلوك) له تجارب ناجحة أثارت الاهتمام في الأداء الحركي، لا سيما أن فن البانتوميم يعتمد على لغة الجسد فقط التي نشاهدها على المسرح، وهي جرأة أحيي عليها فريق التمثيل والمخرج».
وعدّت سامية حبيب العرض «مغامرة مسرحية تعكس طموح شباب المسرحيين»، مشيرة إلى أن هذا الطموح يستلزم جهداً أكبر وانفتاحاً على التجارب المشابهة في المسرح العالمي، ومن حظ هذا الجيل أن لديه فرصة المتابعة والمشاهدة للعروض العالمية المماثلة، وهي متاحة على الإنترنت.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.