«السنيورة... بنت بلادي» معرض يتجول بين البيئات المحلية والموروثات

تجليات الهوية في تجربة تشكيلية بطلتها المرأة المصرية

«السنيورة... بنت بلادي» معرض يتجول بين البيئات المحلية والموروثات
TT

«السنيورة... بنت بلادي» معرض يتجول بين البيئات المحلية والموروثات

«السنيورة... بنت بلادي» معرض يتجول بين البيئات المحلية والموروثات

إذا كان «الأعشى»، الشاعر الجاهلي، قد أبدع في وصف جمال فتاته بقوله: «غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها... تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِل»، فإنّ ذات المعنى يلخصه الموروث الشعبي المصري بكلمة «السنيورة»، فهي الفتاة المدللة التي تعتز بجمالها، ومنها استلهمت التشكيلية المصرية أميمة السيسي، عنوان معرضها الفني الجديد: «السنيورة... بنت بلادي».
يضم المعرض 40 لوحة، تواصل بها الفنانة التجول بين البيئات المحلية والموروثات المتنوعة، مدفوعة إلى في رحلتها الفنية بـ«الشغف» بجوانب الحياة الشعبية، بل هو «الزاد» الذي يجعلها تواصل استكشاف المزيد من ملامح الهوية المصرية.
وهذه المرة، اتخذت الفنانة الفتاة والمرأة بطلات للوحاتها، تقول صاحبة المعرض: «بطلتي هي المرأة المصرية البسيطة التي تمر بجانبها وربما لا تراها، ولكني أراها تنطق بالجمال الداخلي قبل الخارجي، فأردت أن أصورها في لوحاتي كما تستحق، فهي راضية مما يزيدها جمالاً، وهي عاقلة وصبورة مما يجعلها حلوة المعشر، وهي قوية نراها مرفوعة الرأس».
تبدأ التشكيلية المصرية معرضها بالتأكيد على هذه الصفات، من خلال كلمات كتبتها لتجاور اللوحات، فتقول: «السنيورة بنت بلادي، خفة وجمال، وسحر ودلال، لما تمشي تتلفت عليها العيون وتسرح بخيالها العقول، ما هو القلب صافي، والعقل راضي، والجمال طالع من جوه، ومنور الروح من بره».
بالتجول في المعرض، نرى تركيز الفنانة على تأثير المفردات البيئية والموروثات على الفتاة والمرأة المصرية، سواء في ملابسها المستوحاة من البيئة المحيطة بها بألوانها الزاهية والدافئة، وأيضاً في الحُلي التي يعكس تصميمه تلك الموروثات، كما نشاهد لوحات تقدم مشاهد اجتماعية من حياة المرأة المصرية البسيطة، مثل الوقوف مع جاراتها على باب المنزل في حديث لا ينتهي، أو من تنشر غسيلها لتضاهي به غسيل الأخريات، وكذلك نرى السنيورة تنظر في مرآتها بعد يوم طويل، وترصد لوحات أخرى الدور الذي يلعبه نهر النيل وتأثيره على شخصية السنيورة المصرية، فنراها جالسة على شاطئ النيل تتأمل أو تنتظر الحبيب، وفي لوحة أخرى نرى صحبة «السنيورات» وحديث طويل على ضفاف النهر. كما لم تغفل اللوحات «السنيورة الصغيرة»؛ فنجدها تستلقي في حجر أمها حيث تجد السكينة والأمان، أو توجد في مجلس الأمهات تنصت بشغف واهتمام لحديثهن، بما يشكل شخصيتها بشكل غير مباشر.
التوقف يكون إجبارياً بالوصول إلى هذا العمل البانورامي، ذي الـ7 مشاهد التي تجتمع في لوحة واحدة، والتي تحاول الفنانة التشكيلية من خلالها تقديم 7 فتيات من مناطق مختلفة في مصر، وكل منهن تحيط بها مفردات وموتيفات وموروثات تختلف عن الأخرى.
تشرح الفنانة لوحتها بالقول: «الهوية المصرية متأصلة داخلنا ولها مفردات وموروثات لعبت دوراً كبيراً ومحورياً في تشكيل شخصية المرأة، وأعتقد أنه يوجد تداخل كبير في مظاهر ومفردات الحياة في المناطق المختلفة في مصر، مع عدم إغفال التأثر بالبيئة المحيطة، وهو ما أردت أن أبينه للمتلقي، الذي قد يجد تشابهاً بين بطلات اللوحة، حيث حاولت أن تحمل الوجوه ملامح هادئة وبسيطة تُشعر المتلقي بأنها الفتاة التي يراها كل يوم بلا تكلف، كما أن خلفيات اللوحات هي لوحة في حد ذاتها، فهي تحمل الكثير من القصص والتعبيرات».
تؤمن الفنانة المصرية بأن للوحة التشكيلية دورا مهما في صياغة مفاهيم الهوية، وتوضح: «الفن له دور محوري في الحياة بشكل عام، والفنان التشكيلي إذا كانت له رؤية صادقة وهدف راقٍ، سيكون له تأثير بلا شك على ارتقاء المجتمع، فإذا استخدم هذا الفنان شغفه بتراث وحضارة وطنه ممزوجاً برؤيته الفنية، فبلا شك ستلعب لوحاته دوراً كبيراً في صياغة مفاهيم الهوية».
بالوصول إلى نهاية المعرض، يجد المشاهد نفسه ليس فقط بين بيئات غنية بموروثاتها ومفرداتها، بل أيضاً بألوانها، حيث انعكست البيئات المصرية على سطح اللوحات بألوان استوحتها الفنانة مباشرة من بيئتها الأصيلة، لذا ظهرت الألوان الدافئة بشكل أكبر، بما أشاع نوعاً من البهجة على أرجاء المعرض.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».