«ديور» و«باريس سان جيرمان»... تعاونٌ يُسجل أهدافاً مشتركة

TT

«ديور» و«باريس سان جيرمان»... تعاونٌ يُسجل أهدافاً مشتركة

الموضة تُدرك جيداً أنّها نتاج عمل جماعي تُحركه روح الفريق. وهذا تحديداً ما يؤكده كيم جونز المدير الإبداعي في القسم الرجالي بدار «ديور» بتعاوناته المستمرة مع فنانين من كل أنحاء العالم. لكن على ما يبدو فإنّ فترة الحجر الصحي الطويلة، وما نتج عنها من رغبة في تصاميم مريحة وأنيقة مطبوعة بلمسة رياضية، ولّدت لدى الدار فكرة الدخول في شراكة مع فريق كرة القدم الفرنسي، باريس سان جيرمان. فعدا أنّ الفريق له شعبية كبيرة، فإنّه أيضاً يضمّ عدداً من اللاعبين الذين يُعتبرون قُدوة للرجال من جميع الأعمار والإمكانيات. ولا يختلف اثنان على أنّ انضمام ليونيل ميسي إليه سيُوجّه كل الأنظار نحوه، هذا عدا عن أسماء أخرى لا تقل أهمية مثل سيرجيو رامس، ونيمار، وكيليان مبابي وغيرهم.
بتوقيعها عقد شراكة مدته عامين تُوفر بموجبه ملابس الفريق بالكامل، فإنّ «ديور» تريد أن تُسجل هدفاً تؤكد من خلاله أنّها لا تتمتع بروح رياضية أو راقية فحسب، بل تخاطب أيضاً كل رجال العالم بغض النظر عن أهوائهم ومراكزهم ووظائفهم وأعمارهم. ومع ذلك فلا بدّ من الإشارة إلى أنّها المرة الأولى التي تعقد الدار الفرنسية فيها، شراكة مع فريق كرة قدم رغم تعاونها مع فنانين عالميين منذ تأسيسها في عام 1947. والدافع، أنّها تعرف جيداً أنّ الموضة شاملة، ويجب أن تتعامل مع كل المجالات الفنية والرياضية بمختلف أنواعها.
وبالطبع فليس هناك أهم من كرة القدم التي تجذب الرجال من كل الطبقات والأعمار، وبالتالي يمكن أن تسلط المزيد من الضوء على إبداعاتها وتُوسع قاعدة مريديها.
ما يزيد من ثقتها بنجاح هذه الخطوة، أنّها لن تخرج عما تَتّقنه، ألا وهو تصميم أزياء رجالية مفصلة وأنيقة بقدر ما ستُخرج لاعبي سان جيرمان من مظهر عادي إلى مظهر راقٍ، آخذة بعين الاعتبار ألّا تُعيق حركتهم.
المجموعة الأولية تضمّ إطلالتين واحدة رسمية والثانية غير رسمية. لكن تبقى درجات اللونين الأسود والكحلي القاسم المشترك بينها كونها ألواناً مضمونة تليق بكل الأذواق والمناسبات.
تتميّز الإطلالة غير الرسمية بسترة «هارينغتون» وكنزة محبوكة وقميص «بولو» طُرّزت جميعها بعلامة «باريس سان جيرمان» وبشعار الأحرف الأولى من اسم كريستيان ديور « «CDكما تضمّ معطفاً من الكشمير وسترة وقميصاً وبنطالاً وحذاء «ديربي» مصنوعاً من جلد «ديور تايملس» الأسود، ونُقشت أرقام اللاعبين باللون الفضي على نعل كل واحد. ولأن الاتفاق ينصّ على أن تكتمل إطلالة اللاعبين من الرأس إلى أخمص القدمين، فهناك أيضاً مجموعة لا يستهان بها من الإكسسوارات، من بينها حقيبة «سادل» من جلد العجل المحبب باللون الأسود، وربطة عنق بنقش الجاكار يزيّنها شعار «باريس سان جيرمان» متناسق، ووشاح من الكشمير، إضافة إلى حزام ذي وجهين باللون الأسود والكحلي.
قد يتساءل البعض عما سيجنيه نادي «باريس سان جيرمان» من هذه الشراكة باستثناء الارتقاء بمظهر لاعبيه؟ والجواب بكل بساطة، أنّ هذه الشراكة لا تقل أهمية بالنسبة، وتصب في صالحه. فمنذ فترة والنادي يحاول أن يصنع من اسمه علامة تجارية قائمة بذاتها عوض أن يبقى مجرد نادٍ رياضي.
وبالفعل كانت له محاولات سابقة في مجال الموضة، إلّا أنّ اسم «ديور» قد يكون الأهم لحد الآن لتحقيقه هدفاً جديداً من أهدافه.


مقالات ذات صلة

الدوري الفرنسي: سان جيرمان لاستعادة التوازن قبل مواجهة آرسنال

رياضة عالمية سان جيرمان سيحاول استغلال عاملي الأرض والجمهور لكسب النقاط الثلاث وضمان البقاء في الصدارة (رويترز)

الدوري الفرنسي: سان جيرمان لاستعادة التوازن قبل مواجهة آرسنال

يمنّي باريس سان جيرمان النفس العودة إلى سكة الانتصارات عندما يستضيف رين، الجمعة، في افتتاح المرحلة السادسة من بطولة فرنسا في كرة القدم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية إيريك روي (رويترز)

إيقاف مدرب بريست 3 مباريات

أعلنت اللجنة التأديبية لرابطة الدوري الفرنسي لكرة القدم، الأربعاء، إيقاف مدرب بريست إيريك روي 3 مباريات بعد طرده في مباراة فريقه ضد ضيفه تولوز الأحد.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية أدريان رابيو (أ.ب)

مرسيليا يتوصل إلى اتفاق مبدئي لضم رابيو

توصل نادي مرسيليا الفرنسي لكرة القدم لاتفاق مع مواطنه لاعب الوسط الدولي أدريان رابيو الذي يبحث عن فريق منذ انتهاء عقده مع يوفنتوس الإيطالي

«الشرق الأوسط» (مرسيليا)
رياضة عالمية لويس إنريكي (رويترز)

إنريكي سعيد بتنوع تشكيلة سان جيرمان... ويشيد بديمبلي

قال لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان إنه محظوظ بامتلاك فريق رائع بعد تحويل تأخره إلى فوز 3-1 على بريست أمس السبت وتحقيق العلامة الكاملة في أربع مباريات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية ماكس فيرستابن (رويترز)

الهولندي فيرستابن: قد أنتقل إلى أستون مارتن في المستقبل

قال الهولندي ماكس فيرستابن، سائق فريق ريد بول، المنافس في بطولة العالم لسباقات سيارات «فورمولا 1»، إنه قد يفكر في الانتقال إلى فريق أستون مارتن في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (باكو)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)