رحيل برهان علوية مخرج «كفر قاسم» الذي لا يُنسى

رحيل برهان علوية مخرج «كفر قاسم» الذي لا يُنسى
TT

رحيل برهان علوية مخرج «كفر قاسم» الذي لا يُنسى

رحيل برهان علوية مخرج «كفر قاسم» الذي لا يُنسى

رحل السينمائي اللبناني برهان علوية في مهجره البلجيكي عن عمر يناهز 80 عاماً. هي أزمة قلبية مفاجئة اختطفت هذا المخرج المتأني، الذي فهم السينما على أنها مكان لطرح القضايا الأقرب إلى قلبه ووجدان أمته. منذ أعماله الأولى بقي علوية أميناً على ما آمن به، مخلصاً لفن أراده تسجيلاً إبداعياً لحكاية الضمير الجمعي وتجلياته الإنسانية المتألمة.
هو في أعماله ابن الحرب اللبنانية، التي بقيت، كما كل أبناء جيله تهيمن على موضوعاته. لكنه أيضاً هو ابن الحروب العربية، والآلام القومية. سكنته فلسطين حتى النخاع. لهذا يقول إنها هي التي أدخلته إلى السينما ولولاها لربما عمل في مهنة أخرى، وهو محق. لم يصنع برهان علوية أفلاماً كبيرة، ويدخل في إنتاجات باذخة، لكنه أخرج أعمالاً، تراها ولا تنساها، تبقى عالقة في الذهن. لقطات مختزلة ومكثفة لا تغادر المخيلة. كان فيلمه «كفر قاسم» الذي صوّره في بداياته عام 1975 علامة فارقة. استحق فعلاً الجوائز والتكريمات التي نالها. هو حكاية المجزرة الرهيبة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حق أهالي كفر قاسم، يوم الاعتداء الثلاثي على مصر. إذ يُفاجأ سكان القرية الفلسطينية المحاذية للأردن، لدى عودتهم من أعمالهم إلى بيوتهم، بالحصار المضروب حولها، وتتصيدهم بنادق الاحتلال لتوقع العشرات منهم قتلى. بالطبع لا يغادرك أبداً بعد مشاهدة الفيلم مشهد الرجل العجوز، الضعيف بغضون وجهه التي حفرتها السنون، وقد سمح له الجندي الإسرائيلي بالمرور حاملاً سلة البيض، ليغدر به من الظهر ويرديه قتيلاً.
وُلد برهان علوية عام 1941 في بلدة أرنون بالجنوب اللبناني، وانتسب في بدايات حياته إلى الحزب الشيوعي، ثم درس السينما وعمل لسنتين مساعد مصور في «تلفزيون لبنان». وبعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967، انخرط في إخراج أعمال برز فيها التزامه السياسي والثقافي. سافر إلى بلجيكا لإكمال دراسته الإخراج السينمائي. التحق بـ«المعهد الوطني العالي لفنون العرض وتقنيات البث» (إنساس). في عام 1973 أخرج فيلماً قصيراً بعنوان «ملصق ضد ملصق» وقدّم فيلماً آخر بعنوان «فوريار» في بروكسل. وثّق تجربة المعماري المصري حسن فتحي (1900 - 1989) بفيلم تسجيلي، وكذلك من أعماله «إليك أينما تكون»، و«خلص»، و«بعد حرب الخليج»، و«الحرامي».
هو من أهم الأسماء اللبنانية التي آمنت بالسينما البديلة، بل من بين الأوائل. عاش طويلاً جداً خارج لبنان، لكن قلبه بقي فيه، وأفلامه تنهل من مآسيه وآلامه.
بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 82 هاجر إلى باريس، حيث صوّر «رسالة من زمن المنفى» و«رسالة من زمن الحرب».
في فيلمه «رسالة من زمن الحرب» يعايش ما خلفه الإسرائيليون من دمار بعد اجتياح عام 1982. ويصوّر الناجين وما آلت إليه أحوالهم، وهم عالقون بين حرب أهلية دموية، واجتياح خارجي يحاول أن يفنيهم.
أما فيلمه الروائي «بيروت – اللقاء» (1982)، فهو حكاية حيدر وزينة، الطالبين اللذين جمعهما الحب وفرقت الحرب قلبيهما، وهما في الفيلم، عينة إنسانية عن حكايات أخرى كان يمكن أن تنتهي بنهايات سعيدة لولا جنون السلاح.
في 1992 أخرج فيلم «وفي ليلة ظلماء» عن حرب الخليج مع مجموعة من المخرجين. في عام 2000 أخرج «إليك أينما تكون». وفي عام 2006 كان فيلمه الروائي «خلص». وهو حكاية أحمد وروبي، وكل أولئك الذين أدخلتهم الحروب في دوامتها الجحيمية، وخطفت أرواحهم وجعلتهم عاجزين عن رؤية أي شيء آخر.
برهان علوية الذي لم تفارق روحه لبنان، ولا قضاياه العربية، مات، وكأنما مهمته لم تنجز، حتماً كان لديه الكثير مما لم يتح له الوقت لتنفيذه.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.