دعا المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها إلى إجراء مزيد من الدراسات الموسّعة والمعمّقة حول فاعليّة اللقاحات الزمنية وقدرتها ضد متحوّر «دلتا» الذي بات منتشراً بنسبة تزيد على 90% في البلدان الأوروبية، منبّهاً إلى أن البيانات الأخيرة تفيد بتراجع ملموس لهذه الفاعليّة بعد تسعة أشهر من بداية حملات التلقيح، وعن مقاومة هذا المتحوّر لمضادات الأجسام التي تتولّد بعد التعافي من الإصابة بالفيروس.
وقال ناطق بلسان المركز، أمس، لدى تقديم التقرير الدوري الأخير حول جائحة «كوفيد - 19»، إن البيانات الواردة من الحكومات ومراكز البحوث منذ منتصف الشهر الماضي، تفيد بأن الذين تناولوا اللقاح مطلع العام الجاري يواجهون احتمال إصابتهم بالوباء بنسبة تزيد على 50% مقارنةً بالذين تناولوه في مارس (آذار)، ما دفع ببعض البلدان إلى إعطاء جرعة ثالثة من اللقاح للذين يعانون من نقص أو خلل في جهاز المناعة، أو من أمراض مزمنة. ويُذكر أن إيطاليا وإسبانيا قررتا هذا الأسبوع حصر إعطاء الجرعة الثالثة بفئة المصابين بنقص المناعة، على أن تشمل الذين تجاوزوا الثمانين من العمر بحلول نهاية العام الجاري والطواقم الصحية اعتباراً من السنة المقبلة.
وتجدر الإشارة أن بيانات الشهر الماضي الدولية والأوروبية، تُظهر أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات الجديدة يعيد إلى الأذهان أرقام المهد الوبائي قبل البدء بحملات التلقيح، لكن بنسبة متدنّية من الوفيات. في الولايات المتحدة مثلاً، بلغ المعدّل اليومي للإصابات الجديدة 150 ألفاً، فيما تجاوز 40 ألفاً في بريطانيا واقترب من 10 آلاف في إيطاليا وإسبانيا.
ويقول خبراء المركز الأوروبي، استناداً إلى البيانات المتراكمة خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة إن الملقحين الذين يصابون بالوباء تظهر عليهم أعراض أخفّ بكثير من تلك التي تظهر على غير الملقحين، وإن نسبة احتياجهم للعلاج في المستشفى متدنيّة جداً ولا تسجّل ارتفاعاً مع مرور الوقت، وهي أقل بكثير مقارنةً مع غير الملقحين بما يزيد على 90%. وينبّه المركز إلى الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات الجديدة بين أفراد الطواقم الصحية الذين كانوا الفئة الأولى التي تناولت اللقاح مطلع هذا العام.
وإذ يرجّح خبراء المركز أن اللقاحات لا تفقد فاعليتها مع مرور الوقت، على الأقلّ خلال الفترة المعتمدة لصلاحيتها، يؤكدون أن هذه الفاعلية تتراجع بنسبة ملحوظة أمام متحوّر «دلتا» الذي ظهر في يونيو (حزيران)، أي بعد تسعة أشهر من تطوير اللقاحات، وأن ذلك كان متوقعاً من الناحية العلمية.
لكنّ أكثر ما يثير قلق المركز الأوروبي في تقريره الأخير هي الأدلّة المتزايدة على أن المناعة التي تنشأ عن التعافي من «كوفيد - 19» غير كافية لمنع الإصابة بمتحوّر «دلتا»، لا بل إن الإصابة تؤدي في نسبة ملحوظة من الحالات إلى أعراض خطرة جداً، وإلى الوفاة.
وحتى الآن، ما زالت الدول الأوروبية تفرض فترة انتظار تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر بعد التعافي من الوباء قبل أن يتناول المتعافون الجرعة الأولى، والوحيدة من اللقاح.
ومن المعروف أن مضادات الأجسام التي تتولّد بالتعافي من الإصابة تنخفض إلى النصف بعد مرور ثلاثة أشهر على الشفاء. وينصح خبراء المركز الأوروبي بأن تركّز الدراسات على خلايا الذاكرة المناعية التي تحدّد بشكل أدقّ فترة المناعة التي تنشأ عن التعافي أو عن تناول اللقاح. ويشيرون إلى أن الدراسات التي أُجريت حتى الآن، والبيانات التي قدّمتها الشركات التي طوّرت اللقاحات، استندت لتحديد فترة المناعة إلى قياس مضادات الأجسام في الخلايا الليمفاوية الموجودة في الدم، الأمر الذي يفسّر أن المعلومات حول فترة المناعة الناشئة عن اللقاحات لا تزال تقريبية وغير حاسمة.
ويستفاد من البيانات الواردة إلى المركز الأوروبي أن نسبة عالية من الإصابات بمتحوّر «دلتا» بين المعافين من الفيروس الأصلي الذي ظهر في ووهان تظهر عليهم أعراض خطرة جداً، ربما لأن مضادات الأجسام التي تولّدت من الإصابة بالوباء خلال الموجة الأولى ليست كافية لمواجهة المتحّور الجديد. ويُذكر أن دراسة حديثة أجراها خبراء من جامعة كامبريدج البريطانية، ونشرتها مجلّة Nature في عددها الأخير، بيّنت أن متحوّر «دلتا» أقوى ستة أضعاف من الفيروس الأصلي في مواجهة مضادات الأجسام الناشئة عن الإصابة بـ«كوفيد - 19».
لأجل كل ذلك، ولأن متحوّر «دلتا» يكاد يكون الوحيد السائد في أوروبا حالياً، يحذّر المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية من خطر أن تكون مضادات الأجسام الطبيعية سلاحاً ذا حدّين يدفع المتعافين من الفيروس إلى عدم تناول اللقاح. يُضاف إلى ذلك أن الذين أُصيبوا بالفيروس خلال الموجة الأولى من دون أن تظهر عليهم أعراض، تتولّد لديهم كمية ضئيلة من مضادات الأجسام، علماً بأنه لا توجد قرائن علمية تؤكد أن كل المعافين من الوباء تتولّد لديهم مناعة طبيعية.
وفيما ينصح خبراء المركز بإعطاء الدورة الكاملة من اللقاحات للذين تعافوا من الوباء بعد فترة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة من التعافي، عادت منظمة الصحة العالمية لتنتقد توزيع الجرعة الثالثة في هذه المرحلة، إذ قال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إنه من الأحرى بالدول الغنية أن تقود حملة تمنيع سكان العالم بأجمعهم قبل أن تبدأ بتوزيع الجرعة الثالثة، مشيراً إلى أن بوسعها ليس فقط تطعيم جميع سكانها بل سكان العالم بأسره، «إذا كانت نياتها صادقة وقرنت القول بالفعل».
في غضون ذلك، أعلنت الوكالة الأوروبية للأدوية أنها باشرت بتقييم الطلب الذي تقدّمت به شركة «فايزر- بيونتيك» لتوزيع الجرعة الثالثة من لقاحها على البالغين الذين تجاوزوا السادسة عشرة من العمر، على أن تُعطى هذه الجرعة بعد فترة لا تقلّ عن ستة أشهر من تناول الجرعة الثانية.
وتجدر الإشارة أن الوكالة البريطانية للأدوية وافقت أمس (الخميس)، على إعطاء الجرعة الثالثة من لقاحي «فايزر» و«أسترازينيكا»، وتفويض الهيئات الطبية قرار إعطائها.
تشديد أوروبي على أهمية تلقيح المتعافين من «كوفيد ـ 19»
تفشي «دلتا» ضاعف التحديات أمام حملات التطعيم
تشديد أوروبي على أهمية تلقيح المتعافين من «كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة